استعصاء العراق بانتظار تبلور «قوته الثالثة» للحل..

القاعدة التي كان يرددها جوزيف ستالين تقول: «لا يهم من يصوّت، بل من يعدّ الأصوات».. ويبدو أن هذا العدّاد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عراق ما تحت الاحتلال، سواء أكان «اللجنة الانتخابية المركزية» أم غيرها، أراد عبرها، «لغاية في نفس يعقوب» أن تكون نتيجة الاقتراع توازناً هشاً، وحالة من «الأكثرية» النسبية، لا الكبيرة ولا المطلقة، ، بين قائمة «العراقية» برئاسة من يوصف في العراق بعميل الاستخبارات المركزية الأمريكية، إياد علاوي، وقائمة «دولة القانون»، برئاسة نوري المالكي، المحسوب على إيران والذي ظل رغم ذلك، يشن حملات شعواء على دمشق، كلما كانت تتفجر في العراق قنبلة أو شاحنة مفخخة تودي بحياة عشرات أو مئات الأبرياء من أبناء الشعب العراقي، من دون الاعتراف بالفشل الأمني الذي تتحمل مسؤوليته قوات الاحتلال بالدرجة الأولى.

الطامة الكبرى في الانتخابات العراقية ليس أنها تجري في كنف الاحتلال فحسب، بل في أن الاستعصاء القائم حالياً في العراق لبلورة نتائج «المعركة الانتخابية»، التي تضمنت أصوات اقتراع إقليمية و«صراعاً مخفياً شبه ثانوي» حتى بين الحلفاء في المنطقة، والتي تعبر عنها تصريحات المتنافسين على «كرسي رئاسة الحكومة» و«حق تشكيلها»، يجري مرة أخرى ما بعد الاحتلال، بين كتلتين عراقيتين، ليس على أساس ولاء وطني بل على أساس تفعيل مكونات ماقبل الدولة الوطنية، بمعنى أنه استعصاء يُراد له أمريكياً التوجه نحو التفجير والحرب الأهلية، وصولاً إلى التقسيم على الطريقة «البلقانية»، على أن تبقى قوات الاحتلال في موقف المتفرج. ويبدو أن ذلك للأسف، سيكون ضمن معطيات «تمترس» القوى والكتل العراقية الحالية ممراً إجبارياً، تختلف أبعاده، باختلاف وتفاعل المعطيات الإقليمية والدولية.

أما الداخل العراقي، أي الشعب، فسيكون عرضة مرة أخرى لابتزاز «ثنائية وهمية» جديدة: إما «البعث الجديد» أو «التبعية لطهران»، والكاسب الوحيد، كما في فترة ما قبل الغزو في 2003، هي واشنطن، لأن من يرفض «البعث العراقي» سيتحالف معها، شأنه في ذلك شأن من يرفض «التبعية لإيران»، ودائماً يجري تسويق ذلك ليس على أساس وطني، وإنما على أساس طائفي وعشائري مقيت.

عندما سيطرت قوات الغزو الانغلوأمريكي على بغداد قبل سبع سنوات تقريباً، كان أول اختراقين كبيرين قامت بهما: أولاً، تفكيك بنية الدولة العراقية وأجهزتها التي ترعى مصالح المواطنين بغية دفعهم للبحث عن مظلات أضيق، دينية وطائفية وعرقية وعشائرية، وثانياً، نهب المتاحف الوطنية، أي تبديد الذاكرة الجمعية المشتركة لدى العراقيين كبعد وطني حضاري.

وعليه، فإن معالم الحل الاستراتيجي للمحنة العراقية تتمثل في سلسلة معاكسة أولها خروج المحتل، وإعادة بناء الدولة وأجهزتها، وإعادة الاعتبار للولاء على أساس المواطنة وليس ما دونها، بما يبرز القوى الوطنية غير المنضوية في الثنائيات الوهمية، ومن ثم إجراء انتخابات  يقول فيها الشعب العراقي كلمته الحقة في وحدته واستقلاله ووحدة ترابه الوطني، وإلغاء كل الاتفاقيات التي فرضت في زمن الاحتلال نهباً للعراق وثروات أجياله الحالية واللاحقة. ومن دون ذلك لن يكون بالإمكان تفادي تفجر العراق وتقسيمه، مع ما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة مجدداً على المنطقة وأمن دولها.

غير أن الشرط الأساس في ذلك كله هو إظهار وتقوية وبلورة الخط المغيب في العراق، البعيد نسبياً عن لعبة الولاءات ما دون الوطنية، أي قوى المقاومة العسكرية والأهلية الوطنية المبعثرة، في وجه المحتل الأمريكي، والتي يقع على كاهلها أيضاً، إزاحة كل الطبقة السياسية التي خرجت من رحم الاحتلال، وتقديم وجوهها الوطنية الصرفة فوق كل اعتبار.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.