د. مصباح غيبة – خاص«قاسيون» د. مصباح غيبة – خاص«قاسيون»

الغرب يهدد وإيران تتحدى.. والمعركة مستمرة!

يتزايد الاهتمام بإيران وهي تتحدى الغرب وتصمد أمام تهديداته التي لن تتوقف إلا بإعادة إيران إلى ما كانت عليه في عهد نظام الشاه، دولة تابعة وثرواتها النفطية في قبضة الاحتكارات الغربية.

المبرر المعلن للتهديدات الغربية والصهيونية لإيران هو برنامجها النووي، والادعاء بأنها تسعى للحصول على السلاح النووي ولا يصعب لأي متابع موضوعي إدراك ضحالة هذا الادعاء وعدم استناده لأي برهان مقنع.

كان الخيار العسكري للإطاحة بالنظام الإيراني هو المرجح برأي غالبية المحللين بعد غزو أفغانستان والعراق، ولكن الإدارة الأمريكية بعد ذلك رجحت استبعاده واعتماد خيار آخر لأسباب عدة، أهمها:

1 ـ تنامي القدرة العسكرية الإيرانية.

2 ـ غرق الإدارة الأمريكية والغربية في المستنقع الأفغاني والعراقي والتذمر الشعبي الأمريكي والأوربي الواسع من نتائج هذا الغرق خاصةً الخسائر البشرية والمادية الفادحة وطول مدته.

3 ـ موقف دول الجوار الرافض للعمل العسكري بما في ذلك دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة، فهي لا تريد أن تكون أراضيها ومياهها الإقليمية مسرحاً للمعركة، وكذلك الموقف التركي الذي عبر عنه السيد أردوغان بقوله: «الحديث عن سعي إيران لامتلاك سلاح نووي هو عبارة عن إشاعة».

لهذه الأسباب رجحت الإدارة الأمريكية والغرب الإطاحة بالنظام الإيراني عن طريق تفجيره من الداخل كما فعلت بحكومة الدكتور محمد مصدق الوطنية عام 1953.

اندلعت الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه عام 1979 في جو مشحون بالعداء للغرب والكيان الصهيوني، واقتصادياً سيطرت الدولة على الاقتصاد. بعد وفاة الإمام الخميني عام 1989 جرت تحولات جذرية في طبيعة السلطة، وذلك خلال الفترة التي ترأس فيها هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي الجمهورية لدورتين متتاليتين لكل منهما، أي بين عامي 1989 و2005، فقد تشكلت مجموعة برئاسة رفسنجاني تضم محمد خاتمي ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى وحسين موسوي رئيساً سابقاً للوزراء، هدفت لتحويل سيطرة الدولة على الاقتصاد إلى الاقتصاد الحر وتحويل العداء للغرب إلى التقارب والوفاق معه، فقام رفسنجاني بتنفيذ برامج خصخصة واسعة وإضعاف القطاع العام، وفتح محمد خاتمي السوق الإيرانية للبنوك الغربية وجمد البرنامج النووي، وقزم برنامج التطور العسكري، ومد كل منهما يده للغرب للتقارب والاتفاق معه.

لذلك شكل نجاح محمود أحمدي نجاد في انتخابات 2005 حدثاً مفصلياً مفاجئاً شديد الأهمية فقد أدركت الجماهير الشعبية بحسها الطبقي من هو حليفها ومن يمثل مصالحها فمنحته أصواتها رغم تاريخها السياسي المحدود. وخذلت الجماهير رفسنجاني ذا التاريخ السياسي العريق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وأحد أغنى أغنياء إيران.

اتبعت حكومة نجاد توجهاً معاكساً لتوجه الحكومة السابقة وحققت نجاحات هامة من الناحية الاقتصادية والعسكرية والسياسية والتقنية والاجتماعية. فأعادت سيطرة الدولة على الاقتصاد وطبقت خطة تنمية واسعة وأنعشت البرنامج النووي وطورت البرنامج العسكري إلى درجة عالية، وأطلقت قمراً صناعياً وصاروخاً فضائياً.. واهتم الرئيس نجاد بأحوال الفقراء خاصةً في الريف..

من الناحية السياسية، فلا تقارب مع الغرب الاستعماري المتعالي، و«إسرائيل» كيان عدائي آيل للزوال، وجرى تعميق التحالف الاستراتيجي مع دول وقوى الصمود والمقاومة، وعالمياً دخلت إيران في تحالف مع الدول المناضلة ضد الإمبريالية العالمية خاصةً في أمريكا اللاتينية.

نتيجة لما تقدم توضح وجود اتجاهين يمثلان الصراع الطبقي في إيران: الأول برئاسة هاشمي رفسنجاني يهدف لتطبيق النظام الرأسمالي الحر والوفاق مع الغرب والانخراط في المخطط الرأسمالي العالمي؛ والثاني يمثله أحمدي نجاد ذو توجه وطني معاد للإمبريالية والصهيونية وينادي بإعادة العدالة الاجتماعية محلياً وعالمياً، وبذلك وجدت قوى الغرب والصهيونية مدخلاً لتفجير النظام الإيراني عن طريق دعم التوجه الأول والتحالف معه وشن حملة عدائية واسعة على التوجه الثاني، خاصةً على الرئيس أحمدي نجاد.

بدأت الإمبريالية الغربية والصهيونية بالتعاون مع مجموعة رفسنجاني خططاً مخابراتية وإعلامية واسعة لإثارة العداء ضد أحمدي نجاد للحيلولة دون وصوله للرئاسة ثانيةً. كانت المعركة الانتخابية شديدة تجلى فيها صراع طبقي عنيف غير قابل للمهادنة، يوضح ذلك الشعارات والتصريحات التي أطلقت أثناء المعركة وخاصةً في المناظرات التلفزيونية.

بعد الانتخابات ونجاح أحمدي نجاد سارعت القوى الغربية واليمينية المحلية إلى تطبيق خطة معدة مسبقاً فقد رفض الخاسرون نتائج الانتخابات ودفعوا بمجموعات شغب نزلت إلى الشارع وقامت بأعمال تخريب وتدمير وحرق واعتداء على الناس.

ودعمت هذه الحركات من رؤساء غربيين ووسائل إعلامهم على أوسع نطاق واصفين إياها بالحركات الديمقراطية.. ومن المهم هنا أن نذكر بتصريح الرئيس أوباما الذي قال فيه: «لقد نجح خطابي في القاهرة بإرسال الرياح إلى إيران فحركت الأوضاع، ومن الممكن أن تأتي بنتائج أكثر إيجابية كما حدث في لبنان». لقد فضح أوباما بهذا التصريح هدفه من التقرب للإسلام والمسلمين في خطابه بالقاهرة الذي وقّته في 4 حزيران، أي قبل الانتخابات اللبنانية بثلاثة أيام، وقبل الانتخابات الإيرانية بثمانية أيام.

كان هدف الإمبريالية من هذه الأعمال التخريبية هو إشاعة جو من الفوضى تستمر لأطول فترة ممكنة تضعف النظام وتؤهل لسقوطه.

لكن الدولة وقواها الأمنية تمكنت من الإحاطة بالفتنة والقضاء عليها، وهنا صرح الرئيس أحمدي نجاد قائلاً: «الآن أصبح بالإمكان السير قدماً لتنقية وتطهير جسم النظام من المتعاونين أو المهادنين للغرب، والسير نحو ثورة شعبية شاملة ضد من يعرقل هذه المسيرة من الداخل أو من الخارج».. ورغم محاولة رفسنجاني وأنصاره الاستمرار بأعمال الشغب والطلب إلى مؤيديهم النزول إلى الشارع في بعض المناسبات، إلاّ أن الاستجابة لهم تضاءلت لدرجة الانعدام تقريباً وأصبحوا في وضع صعب تلاحقهم الاتهامات بالتآمر مع العدو والفساد نتيجة اعترافات المتهمين في المحاكم التي تنقل مباشرةً على التلفزيون.

ازدادت قوة التوجه الذي يمثله أحمدي نجاد، ويدل على ذلك ما جاء في خطابه في الذكرى 31 للثورة ثم خطابه بعد أيام في خراسان الذي هدد فيه الغرب بقطع يد كل من يحاول الاعتداء على إيران في أي مكان كان. وهدد «إسرائيل» بالقضاء عليها إذا أعادت خطأها السابق، وكان لقمة دمشق بين الرئيسين الأسد وأحمدي نجاد اللذين انضم إليهما السيد حسن نصر الله وقيادات المقاومة الفلسطينية أهمية كبيرة في سياق مواجهة الإمبريالية والصهيونية، فكان أحد أهم ما تمخضت عنه هو «المشاركة في المقاومة ضد أي اعتداء إمبريالي- صهيوني»، إنها جبهة ردع جديدة وقوية. 

ماذا بعد؟

إن الإدارة الأمريكية والغرب في حالة تخبط ولن يستطيعوا حالياً اتخاذ أي إجراء عدائي ضد إيران، وستبقى الحال على ما هي عليه الآن ولعلهم يأملون بحدوث تغير ما في الانتخابات القادمة. ولكن الشعب الإيراني الذي أنتخب نجاد يعرف مصلحته ويعرف من سينتخب!

أما شعوب المنطقة فقد أدارت ظهرها للافتراءات والمغالطات والحديث عن العدو الوهمي، فهي تدرك تماماً من هو عدوها ومن هو صديقها، ومن هو خصمها ومن هو حليفها، وستتصرف على هذا الأساس.