ليلى سالم ليلى سالم

أزمة القوى المصرية

تشهد الساحات المصرية الاستقطاب القائم نفسه منذ الانتخابات الرئيسية وتحديداً بعد الإعلان الدستوري الذي انقسمت بعده القوى السياسية المصرية بشكل أوضح وأكثر عنفاً بين القوى السياسية الإسلامية والسلفية عموماً المؤيدة لمرسي، وبين المعارضة متمثلة بشكل رئيسي بجبهة الإنقاذ.. وأخمدت كافة الصراعات الأخرى بعد أن أصبحت الصراعات قائمة بشكل رئيسي حول استقطاب حاد بين إسقاط مرسي أو بقائه.

اليوم وبعد العنف الذي شهدته العديد من المدن المصرية أخذت اعتصامات الجمعة الأخيرة شعارات «معاً لنبذ العنف»من مؤيدي الرئيس، والتي قابلتها تظاهرات المعارضة التي رفعت شعار «كش ملك» في تظاهراتها الرئيسية..

وظهرت خلال الأسابيع الماضية ردود متباينة من القوى السياسية على دعوات المعارضة أو دعوات القوى الإسلامية ومؤيدي الرئيس إلى التظاهرات والاعتصامات المذكورة.

فدعوات الجماعة الإسلامية وذراعها السياسي حزب العدالة والتنمية إحدى حلفاء الإخوان المسلمين، إلى التظاهر أمام جامعة القاهرة في الجيزة لرفض «عنف المعارضة» والتأكيد على شرعية الرئيس مرسي، لم تلق قبولاً من كل الطيف الإسلامي السياسي في مصر فحزب النور السلفي أعلن رفضه وجماعة الإخوان المسلمين ستشارك رمزياً نظراً لتركيزها على المشاركة في حملة «معاً نبني مصر».

أما عن بعض قوى المعارضة الأخرى فقد أعلنت مجموعات شبابية من جبهة الإنقاذ الوطنية عدم مشاركتها في التظاهرات المناهضة لحكم مرسي، حيث ستتوجه هذه المجموعة نحو حملة «حقوق أهالينا» التي تعمل على توعية سكان المناطق العشوائية بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية،وأعلنت مجموعات التظاهر في الاسكندرية عن توجهها نحو المناطق العشوائية الشعبية كتغيير لخط التحرك..

عدم توافق جميع التيارات والقوى في المعارضة أو بين القوى الإسلامية على المشاركة في تظاهرات الجُمع وانشغال بعضها في التوجه إلى حملاتها ونشاطها الخاص يعكس بداية اتضاح غياب الجدوى من اشتداد الاستقطاب تحديداً في ظل ظهور أطراف تنوي التصعيد في الطرفين، والأهم من ذلك استشعار هذه القوى لظاهرة انفضاض الفئات الشعبية غير المسيسة من المصريين عن المشاركة الواسعة في الاعتصامات والتظاهرات في الطرفين.

فالتجربة التي خاضها المصريون حتى اليوم بعد إسقاط حسني مبارك أثبتت لهم أن كافة الاستقطابات التي انضووا ضمنها والتي وإن كانت في بعض الأحيان تعبر عن جزئيات من مطالبهم، إلا أنها لم تستطع أن تشكل خزاناً حقيقياً يستطيع أن يبقي فقراء وعمال الشعب المصري في ساحات الدفاع عن شعارات لا ترفع جوهر مطالبهم المتمثل بوضعهم الاقتصادي الاجتماعي المتردي.

فبينما أنتجت هذه «الجلبة» السياسية تنحية النقاش في قروض البنك الدولي، بقيت السياسات والبرامج الاقتصادية الاجتماعية كافة منحاة معها، وهو ما يدل على ضحالة البرنامج الإخواني حول إخراج مصر من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، الذي يعتمد بشكل كلي على موارد الخارج..

بينما بعض قوى المعارضة التي تشترط اليوم للحوار مع الرئاسة المصرية وطيفها السياسي، إقالة حكومة هشام قنديل لم تقدم طرحاً حقيقياً وواضحاً لرؤيتها حول إخراج مصر من الأزمة الاقتصادية، وبرنامج عملها الحكومي البديل.

ويبقى الصراع السياسي يدور بين الطرفين ومع اشتداده يزداد الاستقطاب وفق شعارات تزداد تسطيحاً يوماً بعد يوم، مبتعدة عن عمق الوجع المصري الذي دفع الملايين من المصريين يوماً إلى الشوارع المصرية وكلهم أمل بتغيير النظام الذي انتهك كافة الخطوط الحمر الاقتصادية والاجتماعية والوطنية. ليجدوا أنفسهم في دوامة من الصراعات السياسية التي لم تخط حتى اليوم أية خطوة باتجاه تغييرات جذرية في البنية السابقة..

ولتبقي الحالة في دائرة مغلقة من الطروح المتطرفة سياسياً والمحكومة بتوافقات من الطرفين وإلا فإنها التي تزداد ابتعاداً عن جوهر إنقاذ مصر، وبالتالي ابتعاداً عن مصالح عموم المصريين.