من الجزائر إلى اليمن: الخليج أداة تمكين الفاشية الجديدة

من الجزائر إلى اليمن: الخليج أداة تمكين الفاشية الجديدة

الحراك الشعبي الصاعد في أكثر من مكان في العالم ما هو إلا تعبير، بشكلٍ ما، عن تراجع وانهيار الآليات السابقة وسقوط الشكل القديم من المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية.

التغيير الجاري في الميزان الدولي يعني رفع أوزان وانحسار أوزان دولية وإقليمية أخرى. لذلك، تسعى الدول المتضررة من التغيير للعبث بأمن العالم وحرف مسار الحراك الشعبي فيه عبر العسكرة والتصعيد، مما يضمن لها دورها ووزنها في صياغة الحلول اللاحقة، بحيث يعاد تشكيل العالم وفقاً لإرادتها وتحت ضغط أدواتها للحريق، وليس وفقاً لما تقتضيه مصلحة شعوب المنطقة وبحسب الوزن الحقيقي للقوى السياسية.

وبالنظر إلى أن نجاح المخططات مرتبط بشكلٍ مباشر بمحصلة ميزان القوى، فمن الواضح أن التغير بالموازيين الدولية وصعود قوى كبرى مثل روسيا والصين، وغيرها من المناقضين لمشاريع أمريكا وأداتها المتمثلة بدول الخليج، يضع أجلاً ونهاية للعبث الخليجي المتصاعد في منطقتنا.

لصناعة مركز فاشي في ليبيا

لم تكن التطورات المتسارعة في دول شمال إفريقيا والمغرب العربي مناسبة للمشروع الأمريكي الخليجي، ولا سيما مع الارتفاع المتصاعد لمؤشرات خروج مصر من تحت العباءة الخليجية وقيودها، وسقوط مشروع «النهضة» في تونس، والسعي الثلاثي لدول الجزائر ومصر وتونس من أجل إنهاء الصراع في ليبيا وإرساء حل سياسي فيها.

الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى مصر غيرت الانطباع العام حول السلوك المصري، حيث حجم المشاريع المشتركة والاستثمارات والتكنولوجيا بين روسيا ومصر قد يعني قدرة مصرية مستقبلية للفكاك من القيود التمويلية الخليجية. 

أمام هذه الحال، تولي القوى «الحربجية» في الإدارة الأمريكية بمهمة إحراق ليبيا على عاتق قطر التي تسعى لتحويل ليبيا إلى نقطة جذب ومركز للفاشية الجديدة، بوجهها «الداعشي» المنتشر في سورية والعراق، بما يهدد الأمن المصري والتونسي والجزائري ويحافظ على وزن الأدوات الأمريكية، ومن بينها قطر، في ميزان القوى الإقليمي. حيث بدا لافتاً تموضع قوات «فجر ليبيا» المدعومة قطرياً في الجزء الشرقي والشمالي الغربي من ليبيا، ما يشكل تهديداً مباشراً للدول الثلاث المذكورة، ويرمي إلى عرقلة التوجه المصري شرقاً بوجهٍ خاص.

شلل خليجي في سورية

لطالما كانت دول الخليج من أكبر المشاركين والمؤثرين في الأزمة السورية لصالح المشغِّل الأمريكي. عسكرياً، رعى الخليج عدداً واسعاً من التنظيمات المسلحة التي لا ترى في سورية سوى هدفاً للتدمير، حيث نقلت مركز الثقل تدريجياً، عبر التمويل والضخ الإعلامي،  إلى الجماعات المسلحة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأجندة الأمريكية الخليجية. أما سياسياً، فقد شاركت بفاعلية في تكوين الأطر السياسية المناسبة لها كـ«ائتلاف الدوحة».

خلال رفعها لمنسوب العنف في الحرب، استطاعت دول الخليج الحصول على وزن مميز في الأزمة السورية، حاولت من خلاله- وعلى مدار أربع سنوات- عرقلة وشل الحل السياسي لصالح الأمريكيين. لتصطدم مرة أخرى في التغير النوعي والتاريخي في مسار الأزمة، وهو الاجتماع التشاوري الذي رعته موسكو بين القوى المعارضة (للنظام والتدخل الخارجي) والنظام السوري. هذا الاجتماع الذي لم يحضره ممثلو أمريكا ودول الخليج المحسوبين على أنهم «معارضة»، فتح إمكانية الحل وقفز فوق الوزن والاعتبارات الأمريكية الخليجية التي تجد نفسها مشلولة إلا من محاولات زيادة منسوب العنف.

خيارات اللحظة الأخيرة

في اليمن

تُقدَّم المبادرة الخليجية، ومن بعدها مخرجات الحوار الوطني اليمني، على أنها «معالجة» خليجية للأزمة في اليمن، أما في الجوهر، فالدور الخليجي السلبي يهدف إلى تفتيت اليمن من خلال فرض دستور الفدرالية عليه.

في البداية، كان المبعوث الدولي إلى اليمن، جمال بن عمر، «يهندس» كل الأمور صوب إقرار الدستور وتوزيع السلطة على القوى السياسية التي توافق عليها دول الخليج، ليصطدم هذا الاتجاه لاحقاً بالتمظهر الجديد لأوزان القوى الدولية الذي دفع بقوى مناهضة لدول الخليج للإمساك بزمام السلطة في اليمن، المقصود هنا هم جماعة «أنصار الله» المتحالفين مع الجيش اليمني لإسقاط الدستور الفدرالي وكسر الجماعات المحسوبة على الخليج.

بذلك، وجدت أمريكا ودول الخليج أن اللجوء إلى خيارات اللحظة الأخيرة- إعادة إحياء قوى الفاشية الجديدة، من «داعش» ومثيلاتها، وإعاقة الحل السياسي في اليمن- يؤمن لها تباطؤاً في وتيرة تراجعها.

في المحصلة، وإن كانت لا تزال تبحث عن مخارج لأزمتها المستعصية، فإن تراجع قوى العالم القديم أصبح واقعاً ملموساً على الأرض. تراجع المحور الأمريكي وأدواته أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره، وتقدم القوى الجديدة وفرض حلولها ورؤيتها كذلك أصبح أمراً واقعاً. وإن كانت القوى المتراجعة لا تزال تكابر على جراحها المثخنة فإن الوقائع تحتم تقدم القوى المناهضة نحو إنجاز دورها التاريخي الوظيفي في إنقاذ البشرية من الغول الفاشي الذي أخرجته أمريكا وحلفاؤها من القمقم.