الأردن: دولة وطنية أم كيان وظيفي؟
فارس نجم فارس نجم

الأردن: دولة وطنية أم كيان وظيفي؟

لم، ولن يتوقف، لهيب النار التي أحرقت معاذ الكساسبة عند حدود القفص الذي أحاط بالجسد، بل امتدت شرارة تلك النيران الفاشية، المجرمة، إلى مناطق متعددة داخل الجغرافيا الأردنية، ولمكونات سياسية وطبقات وتكتلات شعبية يتشكل منها المجتمع.

يتطلب إطفاء تلك النار، جهداً استثنائياً، يعيد إنتاج ثقافة وطنية جذرية تساهم في بناء المواطن/ة خارج شبكة الانتماء العشائرية، وبعيداً عن عادة «الثأر» التي تقوم على انفلات مقصود ومخطط له لعواطف غريزية، تغذيها «فورة الدم» وتوظفها «الفزعة» لحصد نتائج تستفيد منها قوى التحالف العشائري والبيروقراطي والبرجوازي الليبرالي، التي تعكس سياسة القصر الخاضعة لمصالح/توجهات الإمبريالية الأمريكية، والغربية عموماً، عبر الحفاظ على معاهدة «وادي عربة» مع العدو الصهيوني، والانخراط في التحالف الأمريكي/الغربي لـ«مكافحة الإرهاب؟!» وعلى تطبيق وصفات البنك وصندوق النقد الدوليين، والمؤسسات الأخرى التابعة لها. 

عساكر للإيجار

لن نكتشف البارود عندما نتحدث عن مهام الجيوش الوطنية في حماية حدود الدولة من الغزو الخارجي. لكن المؤسسة العسكرية والأمنية في المملكة، التي يحتل جيش المستعمرة/الكيان الموغل بدمويته وقتله للشعب الفلسطيني والأردني والعديد من أبناء الأمة، جزءاً من أراضيها: الضفة الغربية وضمنها القدس الشرقية، التي ضمها القصر لأراضيه في بداية خمسينيات القرن الفائت، لا تكتفي بإدارة ظهرها لتلك الأرض، بل يعتقل كل مواطن يحاول اجتياز نهر الأردن ومنطقة الأغوار لمقاتلة العدو الغازي. والجندي العربي البطل، أحمد الدقامسة، الذي أطلق النار على مجموعة من المستعمرين الذين كانوا في زيارة لمنطقة الباقورة، حينما دنسوا الأرض واستفزوا، بشكل مقصود، مشاعره الوطنية والدينية والقومية، أثناء نوبة حراسته، مازال يقبع في سجونه القمعية، منذ 12/3/1997.

الجيش في الأردن لايقوم بالمهام الوطنية التي تقوم وتبنى على أساسها هذه المؤسسة، بل هو يقدم، بالإنابة، خدمات مدفوعة الأجر، للأنظمة المرتبطة بالسياسة الأمريكية، وينفذ مايكلفه به البنتاغون: قواعد تدريب لتخريج ضباط وجنود لممالك وإمارات وكيانات أخرى، ومعسكرات تأهيل عسكرية وسياسية وأمنية لعناصر مرتزقة تقاتل تحت أسماء كتائب وجبهات وألوية، للتخريب والقتل في الدول التي تعتبرها واشنطن «مارقة» أي معادية لها ولكيان العدو في فلسطين المحتلة. لهذا، وجدنا ضباطاً وجنوداً من المؤسسة العسكرية والأمنية الأردنية، موجودين في أفغانستان وهايتي والبحرين. ولاحقاً، طيارين وطائرات أردنية في قوات «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة، تنفيذاً لنداء/بيان «ويلز» الذي أعلنه أوباما في أيلول/سبتمر 2014 لمحاربة «الإرهاب» وتحديداً «داعش» في العراق وسورية.

التحالف وإدارة الإرهاب

تبدو نكتة سخيفة وسمجة، أن يتحدث قادة الدول الإرهابية في العالم عن مقاومتهم لـ «داعش»، وكأن هذا التنظيم الدولي، تكوَّنَ ونما وتسلح وقتل وحرق، خارج منظومة الدعم اللوجستية التي وفرتها الإدارة الأمريكية وتوابعها عالمياً وإقليمياً: تدريباً وتسليحاً وتمويلاً وعبوراً، من أجل استكمال العملية التي تستهدف إسقاط النظام في سورية وتدمير الجيش السوري رمز الوحدة الوطنية، وعلى تفكيك المجتمع إلى مكونات طائفية ومذهبية، متقاتلة. واللافت في إعلان «ويلز» إصرار «أوباما» على وجود دول عربية داخل التحالف. لهذا كان الأردن، أحد أبرز المكونات الرسمية العربية التي انخرطت بالمعركة. لكن المشاركة الواسعة من دول «التحالف» مع ضباط وخبراء من حكومات تابعة للمركز من الأطراف، وضباط من جيش القتلة الصهاينة في غرف عمليات في الشمال الأردني وعمّان والمختصة بالجنوب السوري، تفضح الإدعاءات عن محاربة «داعش»، لأن ماتقوم به تلك الغرف هو: تأمين التدريب العسكري، والدعم التسليحي والمالي لإرهاب موازٍ، تحت مسميات أخرى. فكيف ينطلي هذا التضليل على شرائح واسعة في الشارع الأردني؟ 

ارتدادات حرق معاذ

استطاعت عقلية النظام (القصر والمؤسسات)، توظيف «فورة الدم» الغريزية لدى عائلة وأهل الفقيد والعشائر لتحديد الرد بـ«الثأر لمعاذ». وقد استطاع النظام الذي حافظ على وجوده من خلال التبعية للمركز الإمبريالي، والاعتماد على العشائر وولائها من خلال انخراط أبنائها بالوظائف التي يوفرها الإنضمام للجيش ولفروع المؤسسة الأمنية: المخابرات العامة والشرطة والدرك، أن يستغل الحادث لإعادة لملمة الأوضاع الاجتماعية المأزومة والمحتقنة، خاصة في المحافظات الجنوبية، نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة التي أدت إلى «تضخم الفساد وارتفاع أسعار المواد الأساسية والتهميش والفقر والبطالة والغلاء وفقدان التنمية».

نجح القصر ومؤسساته الأمنية والعشائرية في ضبط حركة الاحتجاجات في الشارع من خلال الغرائز المنفلتة من أي تفكير ورؤية. ولم تنجح، بالتالي، كل نداءات القوى والشخصيات السياسية الوطنية، ذات المصداقية العالية والاحترام الشعبي، في الوصول لآذان وعقول الساخطين على «داعش»، وليس على داعميها و مصادر تمويلها. وقد اعتقد النظام أن تنفيذ حكم الإعدام الصادر منذ سنين بحق «الريشاوي والكربولي» هو خطوة أولى نحو تبريد الغليان العشائري والشعبي، مستتبعاً ذلك بضربات جوية لبعض المواقع «المفترضة» للتنظيم في الرقة والموصل، لتنفيس احتقان الغضب. 

التفرد الملكي بالرد المزلزل!

رغم إدراك الجميع، بأن ضربات طائرات التحالف، مجتمعة، لاتعدو كونها، عملية جراحية موضعية في بعض المناطق التي يسيطر عليها «الداعشيون». إلاّ أن مسؤولي النظام هددوا بأشد العبارات تنظيم «داعش»، وحركوا عدة طائرات لضرب بعض مراكز التنظيم، في تأكيد جديد على قدرة الجيش «سحق» التنظيم! لكن المخاطر المحدقة بالأردن تزداد مع الإقدام على مواجهة منفردة مع التنظيم، والذهاب بعيداً للحديث عن دور أساسي للجيش في أي عمليات برية، ستتحملها- في حال حصولها- قوات من الدول التابعة وليس من جيش المركز الأمريكي. إن إرسال أبناء الشعب لمغامرات عسكرية خارج الحدود أمر ترفضه قطاعات واسعة من الشعب الأردني، خاصة وأن إعادة ضبط الوضع الداخلي هي المسألة المركزية في الوضع الراهن.

النظام وسياسة إغماض العين

إن الخبراء الأمنيين في المؤسسة الأكثر سطوة ومراساً في الداخل، يعرفون أن مواجهة حقيقية للموجة الدموية التكفيرية التي يقودها «داعش»، تتطلب برامج عمل ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية، داخل الأردن، أولاً. لأن امتدادات التنظيم لم تعد خلايا نائمة فقط، فشوارع معان والزرقاء وعدة مناطق ومراكز تجمعات، شهدت مظاهرات عديدة ترفع شعارات التنظيم، مما يؤكد على قدرة تلك العناصر التكفيرية «الجهادية» على زعزعة الوضع الداخلي وخلق الفوضى في أكثر من مكان. 

كما أن العديد من خطباء المساجد يطلقون أفكار وفتاوي التنظيم، ومناهج وزارة التربية والتعليم- التي يهيمن على وضعها أعضاء بارزون من التيار الإسلامي- وفرت التربة التي نبتت وازدهرت فيها الأفكار الجامدة والغيبية، التي أدت لهيمنة فكر منغلق يرفض التطور المعرفي والعلمي بآفاقه الرحبة. كل هذا الشحن الديني والتعليمي يجري أمام الأعين الأمنية! كما أن الأوضاع الاقتصادية المتردية، وزيادة عدد الطفيليين من «القطط السمان» ساهم بإيجاد دوافع دائمة للغضب والنقمة والتمرد.