غليون.. يكرهني!

غليون.. يكرهني!

منذ أشهر فقط كتبت على الستاتوس الخاص بي على الفايسبوك: «إن معركتنا في الداخل سلمية وفي الخارج مسلحة»..  أنا شخصياً لم أعرف برهان غليون لكن يبدو أنه متنغص مني شخصياً!! ومشكلته معي شخصية!! ورغم أننا لم نلتق ولسنا أصدقاء على الفايسبوك، إلا أنه أصر أن يعارضني على طريقته، فبينما كنت أروج لسلمية الحراك الشعبي وأقول إن السلمية آلية عملية أكثر من كونها التزاماً أخلاقياً.. أصر غليون على استقبال رياض الأسعد قائد ما يسمى الجيش الحر، وتبنى أفعاله بطريقته الدبلوماسية..

 

وبينما كان هو ورفاقه يتحدثون عن العقوبات الاقتصادية كأداة للضغط على النظام، كنت أتحدث عن أن العقوبات ستجعل الشعب السوري أكثر كرهاً للنظام، ولكنها لن تجعله أكثر حباً لمحاصري البلد.. صاغ غليون برنامج مجلسه دون أن يلحظ السوريين الواقفين بالطوابير على دور جرة غاز أو 20 ليتر مازوت، ففي البرنامج السياسي المصاغ للمجلس الوطني يتحدث حول الفقراء الذين ستنتشلهم تنميته وعدالته، طبعاً بكلام ناعم لا أكثر، ليردفها لاحقاً بتصريحه لوول ستريت جورنال متحدثاً عن الاستثمارات العربية والخليجية الموعودة والتي لن نتمكن من بناء دولتنا القادمة دونها.. يضيف في ذلك اللقاء أيضا أن النظام السوري وإيران وحزب الله وحماس كانت أسبابا بعدم استقرار المنطقة ليطمئن الغرب بأن المنطقة ستغدو (حبابة) جداً، لا (زعران) لا سلاح لا مقاومة.. هكذا إذا أرادها غليون سلمية مع الخارج، فالجولان سيستعاد بالمفاوضات مع أصدقائه الأوروبيين والأميركيين!! ووصف الأصدقاء له وليس لي.. أي أنه ناكفني بمقولتي الافتتاحية ليرد بأنه يريدها سلمية مع الخارج، ولا ضير في عنفها في الداخل ولهذا أرى أنه يحقد علي شخصياً!!

كم يشبه غليون مبارك في حديثه عن التنمية والعدالة في توزيع الثروة في خطابه الأخير أمام مؤتمر حزبه (الوطني) البائد.. بينما كان الفقراء يقتتلون على أرغفة الخبز.

كم تشبه يا غليون أحمد الجلبي الذي كان حجة الغرب في الديمقراطية وحقوق الإنسان، كلنا نتذكر زعاقه عشية الحرب على العراق وحديثه عن الاستبداد المترافق مع ذريعة الغزو المنسية، أي أسلحة الدمار الشامل التي اختفت فجأة رغم تقارير المراقبين الدوليين (البرادعي رئيسهم السابق).. وتلك التطمينات التي أغدقها على الغرب باسم الشعب العراقي وهو يعدهم بأن العراق سيغير سياسياته تجاه أميركا والصهيونية

كم يشبه برهان غليون الملك السعودي، المؤتمن الحالي على الديمقراطية ودماء المسلمين..  ولا أدري ما تعريف المسلمين عند هؤلاء الملوك؟! كلنا نتذكر ما قاله الراقص مع بوش عن حزب الله وأنهم مجموعة من المغامرين..   

 تناسى فجأة كثير من الناس بفعل الدم النازف و الشحن الطائفي والذي من المفترض أن يكون (السياسي و العلماني) غليون منزهاً عن دنسه، تناسى بعضهم أن السنيورة بكى أمام الغرب على بلاده ليس تصعيداً ضد «إسرائيل» بل لإرسال قوات اليونيفل إلى بلاده وسعياً منهم إلى تأديب (زعران) المنطقة ونزع سلاحهم وتسليمها لجعجع وآل الحريري وجنبلاط، أما «إسرائيل» فهي شيئ آخر، هي كائن انفعالي جداً وعلينا كعقلاء أن نستوعبه..

كم تشبه يا غليون جماعة 14 آذار الذين صاغوا فكرتهم الساذجة (لبنان أولاً) وها أنت تقول اليوم سورية أولاً.. يبدو أن الغليون صدّق حديث جماعة الحريري على أنهم ملهمو الربيع العربي بثورة الأرز التي لم تترك عميلاً إسرائيلياً إلا وجمعته في صفوفها.

كم تشبه محمود عباس في حديثه عن استعادة الأرض  بنظرية لا بديل للمفاوضات إلا المفاوضات. أبو مازن الذي أنتج تياراً للعمالة في سياق أوسلو ولأول مرة في تاريخ الحركة الفلسطينية والذي صفّى ما صفاه في سجونه من المقاومين أو المغامرين كما يحب البعض أن يسميهم.. كم يشبه برهان غليون عصام العريان زعيم الإخوان في مصر عندما تحدث عن إمكانية إلغاء كامب ديفيد إذا أراد الشعب المصري، وإن لم يرد؟!

 كان هزيلا ودنيئاً ذلك الحديث، فمن التواطؤ أن تتعامل القوى السياسية مع شعب مصر العظيم بهذا المنطق الموارب، فهل كان يشك عصام العريان بوطنية الشعب المصري؟ أم أنه تهرب من استحقاق جدي يزعج الأسياد ليصيغ خطابه بأسلوب براغماتي مائع حول القضية الأساسية لمصر.

كم يشبه برهان غليون الدردري ويوسف الأحمد وليبراليي  النظام وأصحاب الأموال والناهبين و(القمّيعة) أصحاب نظرية فتح البلد في العقد الأخير بحجة الانفتاح نفسها التي يدعو لها غليون اليوم، آنذاك سُخرت الاستثمارات العربية للمضاربة على الأراضي من خلال المصارف، ونهبت الثروات وشفطت الدماء السورية الى بورصات المتاجرة في الخارج، وكدست في دولهم ليزدادوا غنىً ونزداد فقراً، ودفعت الكومسيونات التي ستدفع لاحقاً لغيرهم. كانت الذريعة حينها هي ذاتها ذريعة غليون الحالية بأننا نريد الاستثمارات ولا نستطيع العيش بمعزل عن أشقائنا العرب، وكأن المشكلة الأساسية هي في وجود الموارد وليست المشكلة  في نهبها وتكديسها.. حذار يا غليون حتى لا يكون للعرب مؤامرتهم اللاحقة في دولتك المنشودة!!..

واهمٌ إن كنت تظن أن الناس ستلعن النظام كونه مسؤولاً أساسياً عن معاناتهم دون أن يلعنوك وأسياد البترول، فالجوع لن يعمي بصيرتهم كما أعمتك رغباتك المتملقة بخسة لدماء السوريين، لتبتز مقاومتهم ذات الدماء الطاهرة وتساومها على حريتهم والتي تحمل نفس فصيلة الدم.. كم  تشبه كل الزائلين!! كم  تشبههم جميعاً وكم كلهم لا يشبهون الشعب السوري الباقي إلى الأبد.. صارخاً حرية وكرامة وعدالة اجتماعية ومقاومة..