إخوان مصر بداية حكم ونهاية نفوذ
جبران الجابر جبران الجابر

إخوان مصر بداية حكم ونهاية نفوذ

لا غرابة أن تسفر الانتخابات في مصر عن تقدم حزب الحرية والتنمية وغيره من الأحزاب التي تقدمت إلى الشعب المصري باعتبارها أحزاباً دينية لخصت توجهاتها وبرامجها بشعار «الإسلام هو الحل».

 

قديم حزب الإخوان المسلمين (الحرية والتنمية)، ومر بمحطات كثيرة خلال عشرات السنوات. وكانت سنوات السادات ومن بعده مبارك أفضل سنوات للازدهار والانتشار، أفي ذلك مجانبة للحقيقة ومصر فيها الأحكام العرفية وأجهزة الأمن والدكتاتورية؟ وهل كانت الجماعة خارج مناخات العلاقات السياسية المبنية على الأحكام العرفية وقانون الطوارئ؟ إن ظاهر الأموروسطحيتها تقدم أمثلة على أن الجماعة لوحقت وسجن منها قادة وأعضاء وحوكموا ناهيك عن الملاحقة.

إن الواقع الموضوعي في أبعاده الجوهرية يضع الأمر بصورة أخرى، ويقدم التاريخ أمثلة عديدة على أن الحلقة الأساسية في النشاط السياسي تكمن في امتلاك السبل المباشرة أو غير المباشرة للوصول للجماهير الشعبية، وقد قدمت الكثير من الدول الإسلامية البرهان على أن الدعاية الدينية والأنشطة الدينية المتنوعة تظل خارج مفاعيل حالة الطوارئ والقوانين العرفية،وشكل ذلك المناخ الملائم لنشاط الجماعة.

كان السادات مهادناً مع الجماعة وكثيراً ما كان متصالحاً معها، ولم يقف الإخوان المسلمون في مصر موقف المعارض الحازم ضد اتفاقية كامب ديفيد وكثيراً ما لاذت الجماعة خلف الأدعية واختصار الأمور بترداد أن «الإسلام هو الحل»، وأسهم السادات في عراكه مع القوى الوطنية واليسارية في تشكيل ارضية اجتماعية مناسبة للإخوان المسلمين، وكانت الحملاتالدعائية على مرحلة عبد الناصر مادة مساعدة في النشاط الجماهيري لإضعاف الناصرية وصرف الجماهير عنها.

وقبل هذا وذاك كانت نكسة عام 1967 أيام عبد الناصر مادة دعائية في أن مواجهة «إسرائيل» لا تصح دون الإيديولوجية الدينية، وذهبوا في البرهان على ذلك باتجاه تعميم فكرة أن الصهيونية حركة تعتمد الإيديولوجية «اليهودية» أو «التوارتية» وأن الانتصار عليها يتطلب الاستناد إلى الإيديولوجية الإسلامية.

أما حسني مبارك فاتبع استراتيجية «لا مصالحة ولا عداء» مع الجماعة وشكل ذلك أساساً لسياسة «الزيق زاق» التي تمثلت بهجمات واعتقالات ومحاكمات أحياناً والسماح للجماعة بالنشاط السافر في النقابات والانتخابات، كان ذلك التكتيك الذي تمسك أجهزة الأمن بخيوطه يخلق مساحات الانفراج للتحرك في الأوساط الاجتماعية، كما كان له دوره في تطوير التنظيم، كيف لاوالجماعة تؤثر في أوساط جماهيرية متنوعة؟ وقد قابل الإخوان مرحلة مبارك بما يمكن تسميته باستراتيجية «الكر والفر» فحينا هجوم على الوضع ثم مشاركة في الانتخابات، وحينا إدانة لأعمال الإرهاب وتبرئه منها، وأحياناً دفاع يندد بالآراء القائلة إن الجماعة تفرخ الإرهاب.

كان العامل الآخر في تعزيز دور الجماعة إحكام الطوق على الأحزاب اليسارية والناصرية فهي في مواجهة الأحكام العرفية وأجهزة الأمن بصورة مباشرة كما أنها مستهدفة بصورة دائمة من الجماعات التكفيرية وقد انتجت تلك الحالة وضعاً مناسباً لسياسة الحزب الحاكم الذي كان همه القيود المتلاحقة على قادة تلك الأحزاب مع تقديم وجبة السم بالدسم حيث مثل هذا الحزبأو ذاك في مجلس الشعب وفي مجلس الشورى، وقد أدت الأحكام العرفية وحالة الطوارئ إلى مزيد من تهميش تلك الأحزاب وتعميق عزلتها الجماهيرية. أما الأحزاب المعارضة فقد أبعدتها العقود العديدة المتلاحقة والممتلئة بمختلف صنوف التعذيب والسجون والملاحقة، أبعدتها وغيبتها عن الجماهير الشعبية.

كان استفحال الأزمات المعاشية والاقتصادية واستشراء الفساد وتزايد الفقر والتشرد والبطالة عاملاً أخر دفع جماهير واسعة نحو فكرة استحالة حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، وانتصبت تلك الظواهر وكأن معالجتها ليست شأن العقل، إنها معجزات وألغاز وظواهر لا يستطيع العقل مواجهتها وإيجاد الحلول لها، كان ذلك المناخ مصدر قوة للجماعة التي أكثرت مننشر شعار «الإسلام هو الحل» وكانت آراء الجماعة تصدر باعتبارها ذات خاصية إلهية. وأن الأحزاب الأخرى عاجزة لأنها لا تأخذ بالحل الإسلامي، ولم تبخل الجماعة بالأساليب الدعائية التي توحي أنها المخولة إلهياً بحل المعضلات، وتعتمد دعايتها في الأوساط الاجتماعية الفقيرة على موضوعة تكفير الآخرين من السياسيين والشخصيات الوطنية.

لقد أجادت الجماعة الجمع بين الدعاية السياسية والأنشطة الاجتماعية سواء عن طريق الجمعيات الخيرية الدينية أو عن طريق الأطباء والمحامين وغيرهم.

وهكذا فالجماعة لم تواجه استراتيجية التصفية واستفادت من الظواهر الطائفية التي كانت خلفها أجهزة حسني مبارك. أنضيف أن خصائص تاريخية لفعالية وتأثير الدين كانت سنداً للجماعة في دعايتها وقدمت نفسها باعتبارها قوة للدفاع عن الإسلام ونشره وركزت على الفكر القومي العربي؟

وكانت طروحات الحركة تعتمد فكرة أن الفكر القومي فشل وبعيد عن الموروث التاريخي، وأن الإسلام هو الموحد. أما الوحدة العربية فإنها لا ترقي إلى مكانة هامة في الفكر الاعتيادي المصري ناهيك عن أن الأفكار الدينية أقدم من الأفكار القومية في تاريخ البشرية قاطبة، وليست قليلة المشاكل العصية على الوعي الاعتيادي والتي تكتسب خاصية الدفع نحو التيارات الدينيةباعتبارها الحامل للفكر الديني. وفكرة عميقة أخرى هي إن الفكر الميتافيزيقي قديم في فعالياته وسيادته على الوعي الاعتيادي. ومن البدهي القول إن عداء الحركة للاشتراكية وأحزابها في مصر قديم وكثيراً ما اكتفى دعاة الحركة بالقول إن الكفر هو سبب سقوط الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وغيره.

أرض الكنانة وعرة وصعبة المسالك، وهي أقرب ما تكون إلى حالة النار والجمر، وعندما يراد أن يعجم العود يعرضونه للنار التي تفصح عن رائحته، أما وقد تقدمت الجماعة في الانتخابات فذلك محك لها أمام الشعب المصري، وبذلك دخلت مرحلة الانتقال من الربيع إلى الخريف ومن مرحلة الوعظ والتجريدات والبرامج الانشائية إلى مرحلة الممارسة، وفي هذه المحطة لايدخل المرء في رهان. فالجماعة تقدس علاقات الإنتاج الرأسمالية وتعتمد مكانة خاصة للتجارة.

إن معضلات مصر عصية على الأحزاب الدينية، والوضع يتعدى ترداد كلمات الديمقراطية والحرية، وسرعان ما تكشف الأشهر القادمة بدايات عجز الأحزاب الدينية، وفي ذلك يكمن الخطر حيث يدفع العجز في معالجات القضايا الاقتصادية والاجتماعية، يدفع نحو احتمال جدي للنكوص عن الديمقراطية والتوجه نحو مهام اجتماعية كالحجاب وتصحيح مسارات التعليم فيالجامعات وغير ذلك من القضايا الاجتماعية ويجري الانصراف عن مشاكل التنمية التي ستشكل الميدان لفعالية ودور رؤوس الأموال الأجنبية والعربية.

ليس في التاريخ حلقة غير ضرورية ونضجت الظروف أمام سنوات تحكم فيها الأحزاب الدينية رغم أنها جاءت إلى الثورات و«الربيع العربي» إما متأخرة أو ركبت موجة أو أنها ساهمت بمجموعات شبابية وظلت قيادة الحركة بعيدة عنها خشية «افتضاح أمر الاحتجاجات» أو إخفاقها، أنضيف أن خبرة الحركة في التعاون الجاد مع الأحزاب الأخرى ضعيفة ولا تمتلك أساساًفكرياً نظرياً لموضوعة التحالفات؟ ومن نافلة القول إن التشققات في الحركة ستكون ظاهرة متطورة وعميقة، ويكمن الخطر الآخر في التناحر بين الأحزاب والمجموعات الدينية. وقد تؤسس تلك الحالة إلى تدابير رجعية سافرة تحت ضغط التباري باتجاه كسب معركة «الأكثر» تديناً وعندها تفتح الأبواب والنوافذ أمام السلفية ومجموعات التكفير. إن الموروث الاجتماعي فيمصر وإنكار الحركة الإخوانية أنها ذات طبيعة طبقية وتلطيها خلف مشاريع البر والإحسان كل ذلك وغيره يبعد أمر المقاربة بين حركة الإخوان المسلمين والأحزاب الدينية من جهة وبين حزب أردوغان التركي، الذي تعود جذوره الفعلية إلى سنوات نشوء وتكون البرجوازية التركية وإنهاء مرحلة الإقطاع، ناهيك عن أن الجذور التركية لتأثير الدين ودوره كانت في عمليةيمكن أن يقال فيها إنها عملية ترويض الأحكام والتعاليم الدينية وإخراجها بقوالب قانونية مدنية وذلك لا تستقيم أموره مع الكثير من الأحزاب الدينية في البلدان العربية.