التراجع الأمريكي في (قوس التوتر)

التراجع الأمريكي في (قوس التوتر)

أعلنت النيابة العامة في باكستان أن التهم الموجهة للرئيس السابق «برويز مشرّف» تضم الاغتيال والمؤامرة الإجرامية للإقدام عليه والمساعدة في تنفيذه، هذه الاتهامات المرتبطة باغتيال رئيسة الوزراء السابقة «بنظير بوتو» في 2007 والتي تجدد فتح ملفها مؤخراً إثر عودة «مشرّف» شهر آذار الماضي بعد 5 سنين في المنفى.

لحادثة اغتيال «بوتو» أهمية كبيرة في الأحداث الدامية التي شهدتها باكستان على مدى السنوات الماضية وما نتج عنها من تحولات حتى اليوم.
باكستان - البلقان
يذكر البروفيسور «مايكل شوسودُّفسكي»* في مقالات وتقارير عدّة عن تاريخ التآمر الأمريكي على باكستان -من ضمن المخطط الذي يشمل أفغانستان وإيران والهند ومنطقة قوس التوتر- الذي يعود إلى بداية السبعينيات، إذ تهدف الولايات المتحدة بشكل واضح ووفق تقارير من «المجلس الوطني للاستخبارات NIC» و«الاستخبارات الأمريكية المركزية CIA» إلى ضرب «الدولة» الباكستانية وتفكيك البلد للسيطرة على هذا البلد الغني بكل شيء، المعادن والطاقة البديلة وحتى النفط والغاز، ناهيك عن الدور المطلوب من باكستان لبسط الهيمنة الأمريكية على أغنى منطقة في العالم من الصين إلى روسيا.
اغتيال «بنظير بوتو» كان ضمن المخطط المعد في حينه لأخذ باكستان إلى السيناريو التقسيمي الذي حققه الأمريكيون في يوغوسلافيا-البلقان- عبر إشعال الفوالق الطائفية والمناطقية، واستخدام طالبان كعامل تفجير دائم تحت الطلب لخلق حكومة عسكرية فاشستية مقابل مجموعات مسلحة محلية، مع إشعال الصراع مع الهند وأفغانستان لتصبح باكستان في تنازع مستمر يقضي على مستقبل هذا البلد نهائياً.
التوازن الجديد - الشعوب من جديد
اليوم تدعو الحكومة الباكستانية المسلحين للحوار وإنهاء النزيف المستمر منذ سنين، وقد أعلن رئيس الوزراء المنتخب مؤخراً «نواز شريف» أن إشكالية المسلحين في باكستان لها جذر عميق اقتصادياً واجتماعياً، كما لها ارتباط وثيق بعلاقات باكستان الخارجية، ومن هنا تعمل باكستان لإنهاء عناصر النزاع مع الهند من ناحية ومع أفغانستان من ناحية أخرى.
يذكر «بِبِ إسكوبار»* أن خط الغاز الإيراني الباكستاني يجعل من الفالق «السنّي-الشيعي»، المصنّع أمريكياً، مهزلة! أي إن أحد أكبر الفوالق التي عملت على صنعه الولايات المتحدة بات مهدداً بالزوال مع وعي هذه الحكومات لمصالحها الوطنية العليا.. من هنا يمكن القول إن قدرة الباكستانيين اليوم، كما غيرهم من شعوب العالم، على التقدم اتجاه مصالحهم الحقيقية ترتبط مباشرة بتراجع الأمريكان على مستوى العالم والذي يحدث بوضوح واضطراد، وتضعف بالتوازي إمكانية الأمريكيين على التحكم وإدارة الصراع في المناطق الحساسة عالمياً وفق سيناريوهات الصراعات الوهمية التي خلقتها الولايات المتحدة، لهذا تطرح الحكومات اليوم تحت ضغط شعوبها ملفات لطالما كانت مغيّبة ومحرّمة كالحوار مع المسلحين وفض الخلافات مع الجيران في الهند وأفغانستان.

هوامش:
مايكل شوسُدُّفسكي: بروفسور في الاقتصاد بجامعة أوتاوا وحائز على عدة جوائز كمؤلف. مؤسس ومدير «مركز بحوث العولمة».
بٍبٍ إسكوبار: محقق صحفي وكاتب برازيلي، منذ التسعينيات تركّزت أعماله حوله الشرق الأوسط وقلب آسيا.