مزيد من عوامل الضغط على طلاب الشهادة الثانوية!

مزيد من عوامل الضغط على طلاب الشهادة الثانوية!

ليس عجيباً أن تعجّ العملية التعليمية والتربوية بالمشكلات والإخفاقات، خاصة مع سياسات وزارة التربية والحكومة من خلفها بما يخص تخفيض الإنفاق المجحف، وليس انتهاء بإجراءات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة لقطاع التعليم، التي أورثت المزيد من التردي والتراجع والانهيار فيه!

لكن الأكثر مدعاة للعجب أن يتم تكريس هذه المشكلات في أهم حلقة من حلقات التعليم وأكثرها حساسية بالنسبة للطلاب، وهي الشهادات (التعليم الأساسي والثانوي)، أما الأكثر شذوذاً فهو أن يصل الإهمال واللامبالاة إلى حد الضرر المتعمّد ليطال مستقبل أبنائنا!

طلّاب الشهادة الثانوية ضحايا قرارات التربية للمرة الثالثة!

أصدرت وزارة التربية مطلع الشهر الحالي برنامج امتحانات الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي لعام 2024، ووفق البرنامج المعلن تبدأ الامتحانات بتاريخ 26 أيار وتنتهي في 13 حزيران، وبمعدل 3 مواد كل أسبوع!
اللافت بداية هو تقديم موعد الامتحانات عمّا كان مُعتاداً!
ففي العام الماضي على سبيل المثال بدأت الامتحانات بتاريخ 7 من حزيران، أي بعد ما يقارب الشهر من موعدها الحالي!
إضافة إلى تقليص المدة الزمنية بين مواعيد امتحانات المواد بحسب البرنامج الامتحاني المقرر، مما شكّل عامل ضغط إضافي على طلاب الشهادة الثانوية، الذين وقعوا ضحية تخبطات وزارة التربية المتلاحقة خلال الأشهر القريبة الماضية، ما بين اعتماد الأتمتة ثم إلغائها، وبين إلغاء التكميلية وإعادة اعتمادها، ليأتي البرنامج الامتحاني ويزيد الطين بلّة!
وقد برر وزير التربية محمد عامر مارديني عبر صحيفة تشرين تقريب موعد الامتحانات بموعد عيد الأضحى الاستثنائي حيث قال: «إن عيد الأضحى سيأتي هذا العام في موعد استثنائي، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة الانتهاء من الامتحانات قبل حلوله بيومين أو ثلاثة، ليتسنى للجميع السفر والنقل والانتقال قبل العيد... بالإضافة إلى إقرار الدورة الثانية هذا العام، بالتالي فإن عمليات التصحيح اليدوية ستكون محكومة بالوقت لإصدار النتائج!»
فأبسط ما وصفت به قرارات وزارة التربية لهذا العام هو التخبّط والعشوائية دون مراعاة الواقع المعيشي والخدمي السيِّئ الذي يعيشه الطالب وذووه!
فبدلاً من حل مشكلات الطلبة العديدة، ومراعاة ظروفهم السيئة في واقع انعدمت فيه سبل الحياة، تقوم وزارة التربية بوضع السكين على رقابهم وتضيّق الخناق عليهم أكثر فأكثر!
فالأمر الذي يثير الكثير من التخوّفات المشروعة هو إمكانية استكمال المقررات والمناهج الدراسية، هذا إن استكملت، ليُترك الطالب أمام خيار المعاهد الخاصة، أو المدرسين الخصوصيين، أو ما تسمى بالجلسات الامتحانية، وما يترتب على ذلك من أعباء وتكاليف إضافية تثقُل على ذوي الطلاب!
فواقع الحال يقول سلفاً إن بعض المناهج لا يتم استكمالها في الكثير من المدارس لأسباب عديدة، أهمها هو عدم توفر الكادر التدريسي لها، مثل مواد الرياضيات والكيمياء والفيزياء، حيث تعاني الكثير من الثانويات من نقص حاد بهذه الاختصاصات، ما يعني عدم التمكن من استكمال منهاجها المقرر!
تضاف إلى ذلك فترة الانقطاع المدرسي لطلاب شهادة التعليم الثانوي، التي تسبق عادة المواعيد الامتحانية بمدة تتراوح بين 15 يوماً إلى شهر، مع التشجيع غير المعلن على ذلك من قبل بعض الإدارات، ما يعني فعلاً العجز عن استكمال المناهج!
فكيف سيتقدم هؤلاء الطلاب إلى الامتحانات، المصيرية بالنسبة لمستقبلهم في ظل هذا الواقع البائس المفروض عليهم، وخاصة ما يتعلق بالعجز عن استكمال المناهج؟!

على حساب مستقبل الطلاب!

سبق أن تم الطلب من وزارة التربية إنهاء العمليات الامتحانية لشهادة التعليم الثانوي وإصدار نتائجها قبل وقت كافٍ، وذلك كي تستكمل وزارة التعليم العالي إجراءاتها بما يخص مفاضلات القبول الجامعي!
ولعل تقريب موعد الامتحانات لمدة شهر تقريباً عن موعدها المتعارف عليه، بغض النظر عن مبررات وذرائع وزير التربية أعلاه، هي نتيجة للتنسيق بين وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وذلك من أجل الانتهاء من عمليات إصدار النتائج الامتحانية مبكراً، كي يتسنى للمعنيين الوقت الكافي لإجراء عمليات المفاضلة للقبول الجامعي، في تناغم تنسيقي على حساب مصلحة الطلاب، الضحايا لهذا التنسيق على حساب مستقبلهم!

تساؤلات مشروعة تفرضها الوقائع بلا إجابات عنها!

هل نضيف إلى ما سبق الكثير من التساؤلات حول المشكلات الأخرى التي تنعكس سلباً على العملية التعليمية، وعلى مستقبل الطلاب؟!
فماذا عن استنكاف العديد من المدرسين عن التدريس في المدارس الرسمية، وتسربهم إلى المعاهد والقطاع الخاص، بسبب تدني الأجور وقضم الحقوق؟
وماذا عن نقص الكادر التدريسي المزمن في الكثير من المدارس؟!
وماذا عن عدم توفير مستلزمات العملية التعليمية في المدارس؟!
وماذا عن تكريس الفرز الطبقي لاستكمال العملية التعليمية، بين من يملك ومن لا يملك؟!
وماذا عن البرد والعتمة في الشُّعَب الصفية بسبب عدم توفر مازوت التدفئة وانقطاع التيار الكهربائي؟!
وماذا عن الاكتظاظ المدرسي الذي تصبح معه العملية التعليمية مستحيلة؟!
وماذا عن التسرب المدرسي الذي ترتفع نسبته، وصولاً إلى الحلقة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي بسبب الفقر والعوز، والكثير من عوامل التطفيش الأخرى؟!
وماذا عن الإهمال الممنهج في التعاطي مع الحالات الصحية مثل متحور كورونا الجديد، وانتشار الآفات كالقمل والجرب في المدارس؟!
وماذا عن بعض حالات الحساسية والتسمم التي تم رصدها في إحدى المدارس نتيجةً لتلقي أحد اللقاحات؟
وماذا عن قصة الطالبة «تسنيم» الضحية، مع أقرانها وشبيهاتها الكثيرات، بسبب جملة من الأسباب المتراكمة، والظروف الشاذة التي فرضت على هذا الجيل؟!
وماذا عن دور الكادر التدريسي والإداري في الرقابة ومنع وقوع حوادث التنمر والضرب والاعتداء؟!
وهل لا تزال المدارس مكاناً آمناً لأطفالنا بعد كل ما يرد إلى مسامعنا مما يجري فيها؟!
وهل هناك لا مبالاة واستهتار أكبر من ذلك؟!
وأخيراً من المسؤول عن كل ما سبق وغيره الكثير الكثير، ومن سيحاسَب عليه؟!
فواقع العملية التعليمية يسير من سيّئ إلى أسوأ على المستويات كافة، مع الإصرار الحكومي والرسمي على الاستمرار بالسياسات نفسها التي تسم النهج التدميري لهذه العملية، على حساب الطلاب ومستقبلهم، كما على حساب مستقبل البلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1163