أجهزة GPS.. حققت وفراً لم يُستفَد منه.. وأرباح مضمونة لمحظيي استيرادها!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

أجهزة GPS.. حققت وفراً لم يُستفَد منه.. وأرباح مضمونة لمحظيي استيرادها!

مضى على مساعي تعميم استخدام أجهزة التتبع الإلكتروني GPS على آليات ووسائل النقل أكثر من سنة حتى الآن تقريباً، وقد كانت الغاية المعلنة من ذلك هي مراقبة عمل الآليات لمنحها كميات من الوقود تتناسب مع عملها الفعلي وفقاً للمسافات المقطوعة لكل منها، وبما يحد من ظاهرة الإتجار بالمخصصات في السوق السوداء.

وبحسب بيانات شركة محروقات فإن عدد الأجهزة المركّبة على آليات النقل العام حتى منتصف الشهر الماضي بلغ 23601 جهاز من أصل 38500 ألف مخطّط تركيبها على الآليات وبنسبة 67% لمحافظات دمشق وريف دمشق وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس، وهي المحافظات التي تمت المباشرة بتركيب أجهزة التعقّب لآلياتها، وذلك بحسب ما أوردته صحيفة الثورة بتاريخ 4/5/2023.

الوفر المحقق كبير

أظهرت بيانات شركة محروقات انخفاض كمية المحروقات المخصّصة لآليات النقل الجماعي بنسبة لا تقل عن 30% بعد تطبيق آلية GPS، وفي التفاصيل فإن هذه النسبة تمثل في دمشق أكثر من مليوني ليتر، وفي ريف دمشق مليون ومئتي ألف ليتر، وفي حماة نحو مليون ليتر.
ولا شك أن هذا الوفر سيكون أكبر مع استمرار تركيب الأجهزة على بقية الآليات المستهدفة، سواء في المحافظات التي بدأت بذلك، أو في غيرها من المحافظات لاحقاً، وبنسبة لن تقل عن 33% إضافية بحسب البيانات أعلاه.

محافظة دمشق تدعو إلى الالتزام مع التهديد بوقف المخصصات!

ورد على الصفحة الرسمية لمحافظة دمشق بتاريخ 4/5/2023 ما يلي: «استكمالاً لتركيب أجهزة التتبع الإلكتروني لوسائل النقل والآليات لضبط توزيع المحروقات تدعو محافظة دمشق أصحاب سيارات الأجرة «التكاسي» والآليات السياحية الأخرى إلى الاشتراك بخدمة منظومة التتبع الإلكتروني قبل نهاية شهر حزيران المقبل. كما تدعو أصحاب المعدات والآليات الثقيلة والمولدات التي تحصل على المشتقات النفطية من لجنة المحروقات بدمشق إلى الاشتراك بخدمة منظومة التتبع الإلكتروني قبل نهاية شهر حزيران المقبل.. وتبين المحافظة أنه سيتم إيقاف التزود بالمحروقات للآليات والمعدات التي يتأخر أصحابها عن الاشتراك بعد التاريخ المذكور».
من الواضح أن دعوة محافظة دمشق أعلاه لم تشمل سيارات الأجرة «التكاسي» فقط، بل شملت أيضاً السيارات السياحية الأخرى، الأمر الذي كان مستغرباً من قبل أصحاب السيارات السياحية، خاصة مع التهديد بوقف التزود بالمخصصات!
أما الأكثر استغراباً فقد كان بسقف المدة المحدد بنهاية شهر حزيران القادم!
فبغض النظر عن مبررات وذرائع تركيب هذه الأجهزة على السيارات السياحية الخاصة، والتكاليف الكبيرة التي سيتكبدونها لقاء ثمن الجهاز ورسمه الشهري، فإن الأعداد المستهدفة من الآليات كي تركب الجهاز الإلكتروني كبير على مستوى محافظة دمشق بالمقارنة مع المدة المسقوفة أعلاه، ما يعني الضغط والازدحام على الجهات المعنية بتنفيذ ذلك (مديرية هندسة المرور والنقل في مجمع الخدمات بكفرسوسة- فروع المصرف التجاري المعنية باستلام ثمن الجهاز مع رسم الاشتراك).
فبحال التخلف عن التركيب بسبب الازدحام، أو لأي سبب كان، فإن ذلك سيكون ذريعة لوقف المخصصات، وهو ما يمكن أن تعتبره المحافظة وفراً وفقاً لحساباتها أيضاً، لكن على حساب المواطنين!

من المستفيد من الوفر المحقق؟

بيانات شركة محروقات تبين أن حجم الوفر المحقق نتيجة تعميم تركيب أجهزة التتبع على الآليات كبير، وهذا الوفر سيتزايد مع استكمال تركيب هذه الأجهزة بحسب الاستهدافات، وهو أمر إيجابي دون أدنى شك.
لكن يتبادر للأذهان الكثير من التساؤلات وإشارات الاستفهام!
فالوفر المبين أعلاه لا يقتصر على ما تحقق من خلال مراقبة حركة الآليات وتوزيع المخصصات استناداً للمسافات المقطوعة من قبلها فقط، بل هناك وفر تم تحقيقه من خلال تباعد الفترة الزمنية بين مواعيد تسليم المخصصات أيضاً، وهو ما لم يظهر كتفصيل في حسابات الوفر أعلاه!
أما الهام فهو أن هذا الوفر (ملايين الليترات) لم ينعكس إيجاباً على مستوى زيادة توفر المشتقات النفطية، وخاصة بحال الحديث عن وفر مادة المازوت بكل محافظة حسب مخصصاتها، فإن هذا الوفر كان من المفترض أن ينعكس إيجاباً على مستوى زيادة حصة توزيع مخصصات مازوت التدفئة للمستحقين بالحد الأدنى، إلا أن ذلك لم يتم، فالكثير من المستحقين لم يستلموا مخصصاتهم المحدودة البالغة 50 ليتراً فقط لا غير، فأين توجه هذا الوفر ولمصلحة من بالنتيجة؟!

السوق السوداء على حالها!

بالإضافة إلى كل ما سبق تبين بالواقع الملموس أن موجودات السوق السوداء من المشتقات النفطية ليست محصورة بتهريب جزء من مخصصات الآليات اليها بحسب ادعاءات الكثير من الجهات الرسمية فقط، بدليل أنه رغم رقم الوفر الكبير أعلاه كنتيجة لتركيب أجهزة التتبع الإلكتروني، فإن المشتقات النفطية ما زالت متوفرة في السوق السوداء وبسعرها، وبأية كميات كانت للمحتاجين المضطرين للجوء إليها، بما في ذلك أصحاب الآليات التي لا تكفي مخصصاتها!

المستفيد الأكبر!

وبالحديث عن الوفر والاستفادة تجدر الإشارة إلى أن المستفيد الأكبر من تعميم تركيب أجهزة التتبع الإلكتروني، وزيادة عدد الأجهزة المركبة على الآليات، بما في ذلك الآليات الثقيلة والمولدات التي تحصل على المشتقات النفطية، هو مستورد هذه الأجهزة المحظي!
فالجهاز عندما تم الإعلان عن تركيبه خلال عام 2022 كان مسعراً بمبلغ 350 ألف ليرة، والأعداد المستهدفة هي 38500 آلية بحسب البيانات أعلاه في المحافظات المذكورة فقط، على ذلك فإن قيمة هذه الأجهزة كمجموع ستكون 13,475 مليار ليرة بحدها الأدنى، سيقتطع منها المستورد المحظي نسبة أرباحه من رأس الكوم، مضافاً إليها نسب وهوامش ذرائع العقوبات والحصار، كحال غيرها من المستوردات طبعاً!
فبحال كانت نسبة ربح المستورد المحظي بحدود 40% فقط، فإن الحديث يدور عن 7,26 مليار ليرة، هي عبارة عن أرباح سهلة وسريعة لمصلحته، هذا بحال بقي سعر الجهاز على ما هو عليه، ولم يزِد بفعل عوامل التضخم خلال عام، مع العلم أن الأجهزة سبق وتم استيرادها وهي موجودة بالمستودعات، بدليل وضع سقوف زمنية لاستكمال تركيبها!
فالسقوف الزمنية الموضوعة لتركيب الأجهزة التتبع الإلكتروني، بالإضافة إلى أنها تعني بالترجمة العملية تحقيق الكثير من الوفر بالمشتقات النفطية دون أن تنعكس إيجاباً على المواطنين، إلا أنها أيضاً تعني استثمار عامل الزمن بالنسبة للمستورد، كي يحصل على أرباحه بسرعة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1121
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 أيار 2023 11:00