موسم الحمضيات نسخة محدثة لواقع تراكم الخسارات
عبير حداد عبير حداد

موسم الحمضيات نسخة محدثة لواقع تراكم الخسارات

موسم الحمضيات، سيناريو مكرر في كل عام، وفق نسخة محدثة لواقع الفلاح المتردي والمستمر بالتراجع عام بعد آخر.

فقد بات ذاك المحصول الإستراتيجي رمزاً يحكي قصة خسارات متراكمة وبالجملة يجنيها الفلاح من تعب موسم كامل، وكل موسم، ليخرج منه متوعداً بألّا يعيد الكرة، ولكن ارتباطه بالأرض، وما ورثه عن أجداده من مفاهيم تقدس الأرض والزراعة والعمل، بالإضافة إلى بعض الوعود الحكومية بتحسين واقع الحال خلال الموسم المقبل، يبقيه على مسافة من الأمل الذي يتعلق به، عله ينقذه من غرقه المحتم بالخسارة في كل موسم، وتستمر المعاناة...


موعد قطاف الحمضيات...موعد آخر من الخسارة

بدأ موسم القطاف للعام الحالي، والذي ما زال مستمراً، وبدأت معه الأرقام الإحصائية الحكومية ترصد واقع الإنتاج.
فبحسب تصريح مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة «نشوان بركات» يوم 6 من الشهر الجاري «يبلغ متوسط الإنتاج من الحمضيات لهذا العام حوالي 777 ألف طن بمناطق الزراعة في اللاذقية وطرطوس، بينما يقدر متوسط الإنتاج في البلاد بشكل عام حوالي مليون طن» وخلال التصريح ذاته، يرى مدير مكتب الحمضيات، «أن الموسم الحالي يكفي للاستهلاك المحلي»!
ويرى بركات أن هناك عوامل عدة أدت إلى انخفاض الإنتاج منها انحباس الأمطار منذ شهر نيسان الماضي، وارتفاع دراجات الحرارة خلال مرحلتي الإزهار والعقد، إضافةً إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج على المزارعين!
ومن هذا التصريح، نلمس اعترافاً مباشراً على تقصير وزارة الزراعة، التي من المفترض أن تقدم الدعم الكافي لإتمام دورة إنتاج سليمة تعود بالخير الوفير، على المنتج والمستهلك، كما على الاقتصاد الوطني.
لكن ما حصل ويحصل كما جرت العادة، يُترك الفلاح ليواجه الصعوبات منفرداً، بلا حل فعلي، يسعفه لتخطي مشكلاته وصعوباته، في ظل قتامة الظروف الاقتصادية الذاهبة من سيّئ إلى أسوء.


خسارة تلي خسارة ومن المسؤول؟!

رغم أن المسؤول الأول عن عملية الإنتاج وتأمين كافة مستلزماتها تقع على عاتق وزارة الزراعة، والتي تكتفي بوضع الخطط «المتكاملة» لتقديم الدعم «الكامل»، وحث الجهات المعنية لمتابعة الصعوبات التي تواجه القطاع الزراعي، والتأكيد على أهمية الاستماع لمشكلات المزارعين والفلاحين، وتقديم الحلول التي تذلل الصعوبات، لكن وفي نهاية المطاف نرى أن ما يجري بالضد تماماً من تلك الخطط المتكاملة، وبالعكس من التصريحات والتأكيدات.
أما المزارع فعليه تحمل أعباء تكاليف مستلزمات الإنتاج المستمرة بالارتفاع بفضل تقويض الدعم الناجم عن القرارات الحكيمة المستمرة.
فالدعم المقدم من سماد وأدوية ومحروقات، كما يقول المثل «من الجمل أدنو»، واستجرار المياه عبر المضخات يحتاج إلى الوقود، وتكاليف الحصول على الوقود من السوق السوداء باتت مرتفعة جداً بعد الارتفاعات العديدة التي شهدتها المحروقات خلال العام الجاري، كبديل لا غنى عنه يغطي عبره المزارع غياب الدعم الحقيقي لاستجرار المياه التي تحتاجها الحمضيات بكميات كبيرة، ما يعني تكاليف إضافية كبيرة على المزارع، والتي تزداد فاتورتها مع شح الهطولات المطرية.
أضف إلى ذلك تكاليف الحراثة وأجرة العمال لقطاف الموسم، وارتفاع تكاليف النقل «سواء بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، أو عبر البقشيش والإتاوات التي تفرضها الحواجز ونقاط التفتيش»، بالإضافة إلى تكاليف العناية بالأشجار من تقليم وتطعيم، كل ذلك ارتفع خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، وعلى وجه الخصوص خلال العام الحالي.


سوء تخطيط التسويق خسارة المزارع الأكبر

تأتي خسارة المزارع بسبب سوء تسويق المحصول، الذي يقع على عاتق وزارتي الاقتصاد وحماية المستهلك، بالدرجة الثانية.
حيث عقد يوم 11 من الشهر الجاري اجتماعاً ضم كل من وزير الزراعة ومحافظ اللاذقية ومديري عدد من الجهات المعنية بالقطاع الزراعي وتسويقه في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث أشار الوزير أن وفداً تجارياً عراقياً سيزور سورية قريباً للبحث في مجال تسويق الحمضيات وتسهيل إجراءات نفاذ المحصول إلى الأسواق العراقية، وعدم مبادلة الشحنات على الحدود وتخفيض رسوم النقل، لافتاً إلى الجهود التي تبذلها الحكومة لتسويق المحصول داخلياً عبر السورية للتجارة التي بدأت باستجرار المحصول قبل أسبوع.
ووفقاً لتصريح مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة يوم 11 من الشهر الجاري، «أن الفرع باشر خلال هذا الأسبوع بتسويق المادة من المزارعين مباشرة وطرحها في صالات المؤسسة في عدد من المحافظات، مبيناً أنه حتى الآن تم تسويق حوالي 90 طناً إلى محافظة دمشق، منوهاً إلى أن المؤسسة توفر على المزارعين كلف النقل وثمن العبوة والكمسيون».
إن التسويق الداخلي المتواضع الذي تقوم به السورية للتجارة هو ذاته، فلا جديد طرأ على الآليات المتبعة للتسويق الداخلي كمحاولة جدّية لتقليل الخسارة التي يتكبدها المزارع رغماً عنه، ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن آليات التسويق المتواضعة تلك ممنهجة وفق خطط تخدم المتمترسين على أبواب عمليات التسويق الداخلي والاستيراد والتصدير، فوفق معلومات الموسم الماضي، تم تسويق ثلث الكمية داخلياً، متبعين مع المزارع سياسة كساد المحصول لديه، ليتم فيما بعد شراء ثلثي المحصول المتبقي، من قبل تجار أزمات «الاستيراد والتصدير»، ويتم الشراء وفق أسعار زهيدة، ليجد المزارع نفسه أمام خسارة أخف مرارة من كساد المحصول لديه في ظل غياب الحلول الجدّية، وهذا ما سيحصل فعلياً مع الموسم الحالي.
فوفقاً لتصريحات الوزير، الوفد الحكومي العراقي سيزور سورية لبحث آليات الاستيراد، ما يعني أنه حتى موعد التعاقد والاتفاق على الآليات والبدء بسريان مفعولها، سيكون موسم حصاد الحمضيات قد انتهى، يعني بصورة أوضح أن الفلاح سيضطر إلى بيع محصوله من الحمضيات بأرخص الأسعار، وأسباب تأخير فتح باب التصدير، باتت معروفة «مرتبطة بتجار الأزمات».
وليس مصادفة أن يمنع استيراد الموز طوال السنة، والذي إن توفر تجد أسعاره حلقت إلى ما يفوق 15 ألف ليرة، وفي غمضة عين تفتح الحكومة الموقرة باب استيراد الموز في كل سنة من ذات التوقيت المتزامن مع موسم الحمضيات وبأسعار لا يحلم بها المواطن خارج تلك الفترة التنافسية، وإن عرف السبب بطل العجب، فالخطة الكامنة وراء ذلك، كسر الأسعار وضرب موسم الحمضيات لشرائه من قبل تجار الأزمة بأرخص الأسعار من المزارع الخاسر بكافة الأحوال.


معمل العصائر الحكومي المنقذ الحقيقي وغير موجود!

في ظل رفع الدعم المستمر، وسوء تخطيط التسويق سواء الداخلي أو الخارجي الممنهج والمستمر على حساب خسارة المزارعين المتتالية، يبقى الأمل الوحيد لتخفيف الأعباء الملقاة على عاتقهم هو إحداث معمل عصائر حكومي.
وحسب تصريح رئيس فرع اتحاد الفلاحين باللاذقية يوم 11 من الشهر الحالي، «فإن كل أصناف الحمضيات تعتبر عصيرية ووجود معمل للعصائر يسهم في استجرار المحصول والتخفيف من أعباء المزارعين».
وفقاً للتصريح أعلاه، فإن إمكانية إنشاء معمل عصائر قائمة، طالما أن أصناف الحمضيات السورية عصيرية، وبالتالي إحداثه سيحقق جدوى اقتصادية عالية، وهذا ما ينافي تصريح وزير الصناعة يوم 24 آب الماضي، خلال اللقاء الحكومي مع أعضاء المجلس المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال، الذي أكد عدم الجدوى الاقتصادية من إنشاء معمل العصائر الحكومي، والمبرر الذي أطلقه أن أغلب إنتاج الحمضيات في الساحل لا يصلح للعصر وإنما هو للمائدة فقط!
وأد معمل العصائر الحكومي، يشابه حكاية تخفيض الدعم المستمرة، كما يشبه سوء تخطيط التسويق «الداخلي والخارجي» الممنهج، ويشبه خطة فتح باب استيراد الموز المتزامن مع موسم الحمضيات وبأسعاره التنافسية، وكل ذلك يصب في مصلحة من؟
فليس خافياً على أحد أن ما يجري دوماً، هو خدمة لمصالح حيتان الفساد وتجار الأزمات، فالقرارات تفصّل على مقاساتهم، آخذين بعين الاعتبار مصالحهم الضيقة لزيادة موارد نهبهم على حساب جيب المواطن، وعلى حساب الاقتصاد الوطني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1044
آخر تعديل على الخميس, 18 تشرين2/نوفمبر 2021 15:28