مخيمات «الإقامة القسرية» مهجرون ولاجئون.. تعددت الأسماء والمعاناة واحدة

مخيمات «الإقامة القسرية» مهجرون ولاجئون.. تعددت الأسماء والمعاناة واحدة

ما تعرض له الشعب السوري، نكبةٌ كبيرة شملت كل جوانب وجوده وحياته، وصلت إلى حدود الكارثة الإنسانية، خاصةً بعد أن خفّضت منظمة الإغاثة العالمية سابقاً ما نسبته 40% من مهماتها نتيجة نقص التمويل الدولي، ومؤخراً، رفعت الإغاثة عن مليون و700 ألف لاجئ سوري، في الوقت الذي تصرف مليارات الدولارات على السلاح ومناطق الاشتباك والتوتر.

وقائع وأحداث كثيرة يرويها القاطنون في مخيمات اللجوء و«الإقامة القسرية» في تركيا لـ«قاسيون» تكشف وتبيّن بالملموس الشروط اللاإنسانية لواقع حالهم والظروف الكارثية لأوضاعهم المعيشية والاجتماعية. وفيما يلي عينة من هذه الشهادات:
معسكرات العمل الإجباري
تحدث «أ.ج» عن السوريين الموجودين في المخيمات التركية، التي ما زالت تستقبل اللاجئين ويخصص لكل فرد 85 ليرة تركية، وفق بطاقة تسمح له أن يشتري بها من المخازن (المولات) بأسعار سياحية.
وأردف قائلاً «وهي لا تكفي مهما تقشفت الأسرة، فربطة الخبز 8 أرغفة حجم متوسط بليرتين، وكغ لبن 4،5 وكغ خيار 2، والفروج 9 ليرات، مما يضطرهم للعمل خارج المخيم كعمال زراعيين في قطاف القطن من 4 إلى 8 ساعات بأجر ما بين 15 و30 ليرة... للحصول على موردٍ إضافي، أو العمل في المدن القريبة مما يضطرهم للمبيت خارج المخيم بعيداً عن الأسرة لمدة أسبوعٍ أو أسبوعين وحتى شهر، لتأمين الحاجات المعيشية فقط».
وتابع «لقد تغيرت معاملة الأتراك معنا، وهي تسير من سيئ إلى أسوأ، وفي تراجعٍ مستمرٍ.. كما أن الخدمات داخل المخيم أصبحت سيئة جداً، فإذا تعطل شيء داخل الخيمة أو الكارفان، يقوم مكتب الصيانة بالإصلاح، لكن على اللاجئ دفع التكاليف وقيمة الأدوات والقطع، كما أنّ الأدوية التي كانت توزع مجاناً أول أيام اللجوء لم تعد متوفرة، مما يضطر اللاجئون لشرائها من صيدليات تابعة لمقيمين في المخيم بأسعار مرتفعة جداً، وهذا ينطبق أيضاً على اللباس الشتوي والصيفي..». وأضاف «70% على الأقل من اللاجئين يعيشون بظروف سيئة جداً، مما دفع حتى النساء للعمل في الخياطة والتدريس والخدمة وتنظيف الصالات وغيرها.. وحتى خبازات..!!».
وبدوره يقول «م.م»، وهو من أهالي دير الزور، «هربت من ريف دير الزور الشرقي لأنقذ أسرتي وخاصةً أولادي من العقلية التكفيرية التي هيمنت، وقد خسرت بيتي وأثاثي، واضطررت لبيع سيارتي التي نعتاش منها بمليون ليرة سورية، وبقيت خارج المخيم مدة شهر حتى سمحوا لي بالدخول، وصرفت نصف ثمن السيارة 500 ألف خلالها، وصرفنا الباقي في المخيم لأن المساعدات الإغاثية غير كافية والآن أبحث عن أي عمل لي ولأولادي للاستمرار في الحياة على الأقل ولا نعرف إلى متى تستمر معاناتنا..!!».
الحلقة الأضعف
الأطفال والنساء هم الحلقة الأضعف من المدنيين، والأكثر تعرضاً للعنف والاستغلال سواء في سورية عند الاشتباكات، ويكونون هم الضحايا وكثيرون منهم تشوهوا وفقدوا أعضاءهم، أو في المخيمات ومناطق التهجير.. ناهيك أنهم حرموا من التعليم، ويضطرون للعمل ويجري استغلالهم فيه..!
وفي هذا السياق، يقول الفنان «م. ش»: «(أبي: لماذا تركت رجلي في سورية.. لماذا لم تحضرها..!). هذه العبارة أبكتني جداً من طفل عُمره أربع سنواتٍ في إحدى المشافي..! وغالبية من بترت أعضاؤهم، هم أطفال بعمر الورد وشابات عمرهن ما بين 16 و20 وأقصاها 30عاماً، وكثيرون ممن بترت أعضاؤهم نتيجة نقص الكادر والمستلزمات الطبية للمعالجة، خوفاً من النزيف الذي قد يودي بحياتهم، ولو توفر ذلك لما بترت..! والمؤلم أنهم محرومون من التعليم منذ ما يقارب أربع سنوات..!».
وبدوره قال «أ.م»، مستغرباً، «في تركيا يدرسون مئات الأطفال في المعهد الشرعي الإسلامي باستانبول مدة 4 سنوات، وهو معهد مغلق ومدرسوه سوريون وأتراك...!؟».
أما «أ.ج» فأردف قائلاً «انتشرت الدعارة بسبب الفقر والتفكك الأسري، وكثرة الأرامل ومشاكل الطلاق واستغلال الأتراك لذلك..! ولعل الأخطر اجتماعياً أيضاً حالات الجنون وانتشار الأمراض النفسية عند النساء والأطفال، بالإضافة للأمراض المرافقة لها من سلس البول والبهاق والرعاش والتأتأة والتهاب الكبد نتيجة الخوف والرعب..!».
الهجرة ونزيف الشباب والعقول
تشكل هجرة الشباب والكوادر العلمية والفنية أكبر استنزاف متعمد وغير متعمد لقدرات الشعب السوري، كما أنهم يعانون الأمرين أثناء هجرتهم وكثيرون فقدوا حياتهم قتلاً وموتاً وغرقاً..!
وفي هذا السياق، يقول «أ.م»: «الشباب الذين هاجروا من داخل سورية أو من المخيمات أنواع: القسم الأكبر من كانوا مشاركين في الحراك ومطلوبين للنظام، أو مطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية. وقسم مطلوبين لداعش وأخواتها. وبعضهم ممن استفادوا من الأزمة ونهبوا أموالاً كبيرة وهربوا ليتنعموا بها، وقسم خسر عمله وممتلكاته ودراسته.. وغالبيتهم من الشباب في سنّ العطاء وجامعيين وأطباء ومهندسين وخبرات فنية، وعددهم يصل إلى مئات الآلاف.. وتتراوح كلفة الهجرة ما بين 5 و10 آلاف يورو حسب الدولة التي يذهبون إليها، ولكل شاب قصة في هجرته».
وأردف قائلاً «عصابات المافيا تجار البشر، تتولى الموضوع من تركيا، في الطائرة 10 آلاف يورو بجواز سفر مزور، وغالباً أوروبي ليسهل الدخول عبر المطارات، والتسعيرة تختلف من دولةٍ إلى أخرى، وبراً وبحراً إلى الدول الاسكندينافية 7 ألاف يورو، وإلى ألمانيا براً مشياً على الأقدام مدة شهرين 4500 يورو، وهناك طريق آخر بحراً عبر ليبيا وايطاليا 5 آلاف يورو. هذه التكاليف ناهيك الابتزاز من عصابات المافيا وعصابات مقدونيا وصربيا».
وتختلف المعاملة من دولة إلى أخرى، فمعاملة البوليس الصربي سيئة جداً فيها ضرب وتعذيب، لكن غالبية الدول الاسكندنافية وهولندا وكندا، تقدم تسهيلات الإقامة للسوريين وهم مرغوبين ولهم معاملة خاصة، كونهم شباب وكفاءات علمية وفنية، كما يستقبلون الأطفال، وخاصةً الذين لا أسر لهم. ومن التسهيلات: منحهم إقامة مدة ثلاثة سنوات، بعد الخروج من أماكن التجمع وتعليم اللغة مجاناً، ومنحهم سكناً جيداً وراتباً 400 يورو، ولباساً وتخفيضاتٍ بالأسعار.
وبدوره أكد «أ. ج» بأن «قسماً كبيراً من المهاجرين من الأجيال الشابة وبينهم كوادر علمية وفنية، حيث تبلغ نسبتهم أكثر من 40% حسب بعض التقديرات».
وتابع «هناك مكاتب تنشط من أجل ذلك، عبر معابر تل أبيض وباب الهوى وباب السلام ونصيبين في سورية، ويأخذ المهرب السوري على الشخص 1500 ليرة تركية، وفي تركيا أيضاً 1500، و500 للسيارة، الذي يتركه فيما بعد ليمشي عشرات الكيلومترات وهو يحمل أغراضه، كما يدفعون للنقاط العسكرية التركية».
ما هو الحل..؟
يقول «أ.ع»: «غالبية شرائح اللاجئين ترى أنّ الشعب السوري الذي خرج يريد حقوقه الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، وأبسط حاجاته المعيشية والإنسانية، أصبح كمن خرج من تحت الدلف لتحت المزراب.. أو كما يقال (صار كالمستجير من الرمضاء بالنار)، وأن الكثيرين تعرضوا لخدعةٍ كبيرة وأكلوا مقلباً كبيراً من القوى والشخصيات التي تدعي الدين وتدعي المعارضة، لكنهم اكتشفوا ذلك متأخرين في منتصف الطريق، وفي مكانٍ حرج جداً، لكن بعد فوات الأوان، حيث صاروا أمام خياراتٍ صعبة، وكلها أسوأ من بعض على الأصعدة كلها».
وأردف قائلاً «إن الحل الأمثل هو التغيير السلمي الديمقراطي والناس أجمعت عليه وأصبح قناعة راسخة.. وهناك طائفةً ما زالوا مصدومين مذهولين من حجم العنف من كافة الأطراف، وعقلهم يكاد يطيش، ويغلب عليهم اليأس والقنوط ولا يرون حلاً قريباً في الأفق، وأنّ سورية تأفغنت وتصوملت، وتحتاج لعشرات السنوات للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الشعب وحاجاته الأساسية..!!».
وتابع «قلّةٌ قليلة جداً ما زالت تكابر وترفض الاعتراف بجهلها وترفض الحل السياسي، وتراهن على القوى التكفيرية وترى فيها (الحل الإسلامي) المنشود، وهم يحقدون على كل البشرية، ويحاولون إلقاء شباكهم على الشباب والعقول القاصرة، ويعتبرون أفعالها وجرائمها من ذبح وسبي وقتل هو (الإسلام الحقيقي)..!؟».
وختم حديثه بالقول «أعترف صراحةً وأنا إسلامي.. التكفير خطر على الجميع ينبغي العمل على استئصاله والاستماع إلى الآراء المتوازنة والمنطقية في حل الأزمة حلاً سلمياً».