في رحلة البحث عن الغاز والمازوت: خيبات كثيرة وشبكات فساد!

في رحلة البحث عن الغاز والمازوت: خيبات كثيرة وشبكات فساد!

أثناء سعيه للحصول على مادتي الغاز والمازوت، يواجه المواطن ذرائع كثيرة تتحدّث عن ظروف الأزمة والحرب وسواها، حتّى يكاد يصدّق. ولكن، ما إن يبدأ نشاط السوق «السوداء» والمخالفات والسرقات.. الخ، حتّى تنجلي للمواطن حقيقة أن معظم تلك الذرائع ليست سوى غطاء يخفي وجوهاً متعدّدة للفساد.

بات الحصول على عبوة غاز أو «بيدون» مازوت أشبه بلغز لدى الكثير من قاطني العاصمة. تحيط بالمسألة الكثير من الافتراضات: «تسجيل دور لدى البلدية»، وفي رواية جديدة يتم تسجيل الدور لدى «المختار»، أو لدى «موزعي الغاز»!.. مطلوب من هذا الغموض أن يخفي الكثير من أقنية الفساد التي تصب في مستنقع «السوق السوداء».
التبريرات والرشوة
وبالرغم من ذلك، يصمد المواطن في عملية البحث عن «مكان التسجيل الحقيقي» ولكن تواجهه أيضاً الكثير من الذرائع: «لا يوجد غاز.. اذهب ونحن نتصل بك.. الطريق مقطوعة.. انتظر لأسبوعين». وبالنسبة للمازوت، إذا أفلح المواطن في التسجيل على الدور، فببساطة: «قد لا تأتي سيارة سادكوب، إلا في حال دفع الرشوة لبعض القائمين على الأمر»، كما قال أحد المواطنين لـ«قاسيون».
فيما «الطريق النظامية» للحصول على المحروقات وعرة، تقدّم السوق السوداء «خدماتها» على نحو واسع، وفي ظل صمت أو تواطؤ من الجهات المعنيّة بهذا الأمر.
«السوداء».. خدمات على مدار 24 ساعة!
وفي هذا السياق، يقول أبو محمد، أحد قاطني حي ركن الدين الدمشقي، لـ«قاسيون»: «عند موقف الكيكية، وعلى مقربة من الجهات المسؤولة (وزارة التجارة الداخلية، ومخفر الشرطة)، تقف سيارة غاز كبيرة ما بين الساعة الثانية والرابعة صباحاً، وكذلك موزع حارة الشعار في الجبل. كما يوزع الغاز لبعض المعارف فقط وعلى السيارات الصغيرة بسعر 2500 ل.س، لتباع للمواطنين صباحاً بسعر 3000، وفي آخر النهار بـ4000 ليرة سورية».
وفي منطقة دويلعة، يقول أحد موزعي الغاز لـ«قاسيون»: «أبيع العبوة بسعر 2700 ل.س، هذا السعر منطقي بالنسبة لكثيرين، فبدلاً من التدافع على الطوابير، والانتظار لأسابيع طويلة دون فائدة، يشتري المواطن راحة باله بنحو 1450 ليرة زيادة عن السعر المحدد (1250)».
أما عن «أرباحه» فيضيف الموزّع «أنا أربح نحو 200 ليرة، وهذا رقم متواضع قياساً بالتجار الذين يستولون على مخصّصات الناس ليأخذوا ربح 1250 ليرة سورية».
التواطؤ وهويات الاستثناء
ويتابع حديثه قائلاً «الناس تفترض أننا نحن من نرفع سعر العبوة، لأنها تحتك معنا مباشرة. لكن تجّاراً بعينهم هم جوهر المشكلة لأنهم يبيعون الغاز لنا بـ 2500 ليرة، فيما الجهات المختصة تتواطأ معهم. وبالنسبة لنا فنحن نفضّل بيع الغاز بالسعر النظامي وبكميات كبيرة كما في السابق فذلك أربح».
أما من يجتهد للحصول على عبوة غاز عبر المراكز المخصصة، بالسعر النظامي، فعليه أن يستعد لكل الخيبّات التي ترتدي عباءة الذرائع الفضفاضة، تروي سيدّة من شارع الأمين لـ«قاسيون»: «أثناء توزيع الغاز، تبرز الاستثناءات الكثيرة من خلال الهويّات الملونة (لجان شعبية، عسكريون، حزبيون.. الخ)». وتتساءل: «هل عليّ أن أضم أحد أولادي لأحدى تلك الاستثناءات؟ وهل من الصحيح أن يكون المواطن في آخر القائمة؟!..».
وللمازوت حكاية..
من الممكن الحصول على المازوت في السوق السوداء بمنتهى السهولة. لكن، بسعر يبدأ بـ150ل.س للتر الواحد. هذا أرخص الأسعار في تلك السوق، فما هو أكثرها غلاءً؟!
يروي طبيب، تقع عيادته في منطقة القصور، لـ«قاسيون» كيف أنه اضطر في إحدى المرات لشراء المازوت بسعر 320 ل.س للتر الواحد. ويقول «كان من الضروري أن نحصل على المازوت لتشغيل التدفئة في المركز الطبّي، واضطررنا لشرائه بهذا السعر الفلكي لكي يستمر المركز بالعمل. حتّى الجانب الإنساني بات مادةً لاستغلال تجار السوق السوداء في ظل غياب أية رقابة».
أما في حالات أخرى فيجري بيع لتر المازوت بـ 215 ليرة (بالقرب من مدخل جرمانا). وبدوره، يفرض ارتفاع سعر المازوت في السوق السوداء ارتفاع بعض تكاليف المعيشة على المواطنين، يظهر هذا الأمر جليّاً في تعرفة ركوب السرفيس في العاصمة، حيث أصبح النقل العام في كثير من الأحيان مسرحاً للصراع بين السائقيين والمواطنين حول مشروعية رفع التعرفة.
منشار الرسمي والسوداء
وفي هذا السياق، يقول سائق سرفيس لـ«قاسيون»: «يرفع المسؤولون أسعار المازوت، بينما نتقاتل نحن الفقراء حول تعرفة النقل العام، وكأن أحد الطرفين (السائقون والركّاب) يملأ جيوبه بالملايين».
وحول آلية حصول السائقين على المازوت، يضيف: «نحصل عليه غالباً من السوق السوداء، أما في حال حصلنا عليه من مراقبي خطوط النقل العام، المتعاقدين مع سادكوب، فلا بد من دفع 2000 ليرة شهرياً كأتاوة لهؤلاء».
تستمر معاناة المواطنين في البحث عن مادتي الغاز والمازوت، ولا يحصلون من الجهات الحكومية والرقابية سوى على كثير من الوعود، بينما على الأرض لا يرون سوى تغاضٍ صريح عن نشاط السوق السوداء وشبكات الفساد الكثيرة، وتسهيلات في بعض الأحيان.