من الذاكرة : زالوا... وما زالوا!

من الذاكرة : زالوا... وما زالوا!

أسماء كثيرة تتزاحم ملء الخاطر والوجدان ثم تتوارى خلف ستار النسيان، أسماء لامست قلوبنا متصدرة- حينها- أخبار المجتمع... أسماء قد لا تعني شيئاً مهماً لمن لم يعاصرها، ومنها كمثال:

لورد كاش وماري جبران وإيليا بيضا وسري طنبرجي... أو أفاديس وعزت قرشاي ومروان دردري... ومحمد الزول وصائب العظم و... أسماء لفنانين ورياضيين ومفكرين وغيرهم وبالإضافة إلى ذلك، فلكل واحد منا أسماء لأصدقاء ومعارف، وسأقصر حديثي اليوم على ثلاثة أسماء من محيط الجيران في «الزينبية» وهي حارتنا على سفح جبل قاسيون، وأحسب أن لدى القراء الأعزاء أسماء «مشابهة» من حاراتهم ستثير بعضاً من ذكرياتهم القديمة:
- جارنا أبو خلف بجسده الضخم وقنباره الواسع ورجله العرجاء، ولسانه القادر على الأخذ والرد، يعمل ببيع القماش في دكانه التي كانت أشبه بمكتب استعلامات لمعرفة آخر أخبار السياسة والحرب، خلال الحرب العالمية الثانية، فهو مواظب على الاستماع لمحطة الشرق الأدنى «لندن لاحقاً» فقد كان انكليزي الهوى، وما زلت أذكر وأنا برفقة والدي حماسه للحلفاء ضد هتلر ودول المحور.. في نقاشاته الحامية مع الجيران أمام دكانه!
- جارنا أبو يوسف المكلف بتوزيع المواد التموينية لأبناء الحارة خلال الحرب العالمية الثانية، وأذكر بيته الذي كان مركز عمله ومستودع مواده، وأذكر تقاطر الناس لاستلامها بموجب وثيقة رسمية يحملونها، ومن هذه المواد الخبز المعروف وقتها باسم خبز «الوسيقة» وهو بحجم خبز الأفران إلا أنه «يمتاز» بمحيطه السميك ووسطه المملوء بالنتوءات على شكل رؤوس الأصابع... أما السكر الأحمر فقد كان يوزع شبه سائل ضمن تنكة معدنية، ننشر محتوياتها على شرشف في ساحة الدار ليجف ومن ثم نفركه ونضعه في قطرميز زجاجي.
- جارنا أبو شهاب وهو شاب قصير القامة محدودب الظهر ومع ذلك فهو مليء بالحيوية يلف رأسه «بسولك» أحمر، وشارباه يغطيان نصف وجهه. يبيع «التسقية» شتاءً والليموناده صيفاً... وأخبار رجولته معروفة وبخاصة نخوته في مساعدة لاجئين فلسطينيين وفدوا إلى حارتنا عام 1948. واليوم يتراءى لي وهو يقف أمام جدار حجري قديم وأتذكر عبارة مخطوطة على الجدار «كل حال يزول» وبالفعل فقد زال الجدار... والدكان.. والآثار القريبة وكثير من معالم دمشق وبيوتها الرائعة على أيدي تجار العقارات المدعومين من مراكز الفساد... وزال جارنا أبو شهاب!