«العولمات الثلاث»4| العولمة الثانية الكينزية
توماس بالي توماس بالي

«العولمات الثلاث»4| العولمة الثانية الكينزية

  • صياغة نظرية للعولمات الثلاث: ثلاث نظريات لثلاث عولمات:

تشكّل كلّ حقبة عولمة ظاهرة متمايزة منفصلة لها سماتها التجريبية المختلفة بعضها عن بعض، ولهذا تستدعي كلّ واحدة منها صياغة نظرية مختلفة. إنّ لإدراك هذا الأمر آثار جذرية.

تعريب وإعداد: عروة درويش

إنّ التجارة مشمولة في النظريات الثلاث. لكن حيث الاقتصاد التجاري قادر على شرح أوّل نمطي عولمة، يتم شرح العولمة الثالثة عبر الاستراتيجية الصناعية للشركات في الاقتصادات المتقدمة. كانت التجارة التقليدية ذات الاتجاهين في جوهر أوّل نمطي عولمة، لكنّ التجارة كانت عاملاً ثانوياً في العولمة الثالثة بمعنى أنّها كانت أداة لغرض استراتيجي آخر. نرى في العولمة الثالثة بأنّ الزيادة في التجارة والتغيّر في التكوين الجغرافي للتجارة قد تمّ دفع كليهما من قبل إعادة التنظيم الصناعي الاستراتيجي، وذلك بدلاً عن نظرية الإتجار ذات النفع المتبادل التقليدية.

  • وفورات الحجم والتنوع: صياغة نظرية للعولمة الثانية – الحقبة الكينزية:

يمكن شرح عولمة الحقبة الكينزية (1945 – 1990) إلى حدّ كبير عبر نظرية التجارة البينيّة-صناعية التي طورها كروغمان (1979). إنّ المنطق الاقتصادي هنا هو كالتالي: يوسع فتح التجارة حجم السوق، وهذا يتيح إدخال أنواع إضافية تزيد تنوع البضائع وهو ما يزيد من نفع المستهلك.

يتوضـح لنا هذا المنطق في الشكل رقم 10. يظهر لنا من القائمة اليسرى بأنّ الأسعار مساوية للزيادة على متوسط تكلفة الشركات الممثلة، وهو الذي يهبط مع زيادة المُخرجات. وتظهر لنا القائمة اليمنى بأنّ «الحدود السعرية المتنوعة PVF» تواجه الاقتصاد بمفاضلة بين الأسعار الأدنى والأكثر تنوعاً. كلّ شركة تنتج نوعاً واحداً من البضائع. فكلما زاد التنوع كلما نقصت حصّة الشركة من السوق ومن «وفورات الحجم Economies of scale = وهو التوفير النسبي في التكاليف عبر زيادة مستوى الإنتاج»، ممّا ينتج عنه معدل وسطي أعلى للتكاليف والأسعار. يعتمد التوازن على تفضيل المستهلك للأسعار الأدنى مقابل التنوع الأكبر. يزيد الانفتاح التجاري حجم السوق، وهو ما يعكس «الحدود السعرية المتنوعة» للأسفل. يجعل تحوّل «الحدود السعرية المتنوعة» المواطنين في حال أفضل كونهم يملكون كلا الاختيار بين الأسعار الأدنى والتنوع الأكبر.

الشكل رقم 10:

في حالة الاكتفاء وحظر الواردات «autarky»: تنتج كلّ شركة «Y-autarky» وأسعار البضائع هي «P-autarky» وعدد البضائع المتنوعة هو «V-autarky». وعند الإتجار «Trade»: تنتج كلّ شركة «Y-trade» وأسعار البضائع هي «P-trade» وعدد البضائع المتنوعة هو «V-trade». وعليه فإنّ الشركات المفردة تتوسع في الحجم (Y-trade > Y-autarky) وهو ما يمكنها من تحقيق وفورات في الحجم وتقاضي أسعار أزهد (P-trade < P-autarky). وعند الافتراض بأنّ التفضيل طبيعي (مثال: أن يقع الطلب على كلا الاستهلاك والتنوّع على البضائع العادية)، فإنّ التنوع يزداد (V-trade > V-autarky). لكنّ إنتاج التنوع مقسّم بين البلدان ولهذا فإنّ عدد الشركات في كلّ بلد قد ينخفض، لكنّ الشركات التي ستبقى ستكون أكبر دون أدنى شك. ويتضـح لنا ذلك عبر النظر إلى صناعة السيارات. فتجارة السيارات الدولية قادت إلى إغلاق الكثير من شركات صناعة السيارات، لكنّ الصانعين الذين بقوا هم أكبر بكثير، وهناك كذلك تنوّع أكبر داخل كلّ بلد تبعاً لوجود أصناف مستوردة متنوعة.

بعد فتح التجارة، سيعتمد مزيج انخفاض الأسعار وزيادة التنوع على تفضيل المستهلكين للأسعار الأكثر انخفاضاً (مثال: زيادة الكمية) مقابل التنوّع الأكبر. وإن كان لدى المستهلكين توق شديد للتنوّع، فعندها في الغالب سيتم استغلال حجم السوق المتزايد لدعم التنوّع المتزايد. وإن كان لدى المستهلكين توق أقل للتنوّع، فعندها على الغالب سوف يتم استغلال حجم السوق المتزايد لدعم الأسعار الأكثر انخفاضاً.

وبهذا تزداد المكاسب التي يتم تحقيقها من التجارة إذا ما أدّت المنافسة من شركات أكثر إلى خفض عمليات الربح أكثر أو إلى زيادة الإنتاجية. وإذا ما تحققتا معاً فستولد هذه الآثار مكاسب هائلة من التجارة. والطرق لذلك هي الزيادة في وفورات الحجم وزيادة التنوّع وزيادة الإنتاجية وتخفيض هوامش الربح. يشرح هذا سبب النتائج النافعة «للاتفاقية العامّة للتعرفة الجمركية والتجارة – GATT» التي ساهمت في إنفاذ أجور حقيقية أعلى وحصّة أجور أعلى وتحسين توزيع الدخل. وكما حصل في العولمة الأولى الفيكتورية، فقد انتفع العمّال من عولمة الحقبة الكينزية، ومن المرجح بأنّ العولمة الثانية قد ساعدت في تخفيف اللامساواة عبر تخفيضها لهوامش الربح.

 

يتبع