ترامب يقرّب أوروبا من روسيا
أنطون زوييف أنطون زوييف

ترامب يقرّب أوروبا من روسيا

في الفترة الأخيرة قامت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدة خطوات على الصعيد السياسي والاقتصادي أثارت استياء لدى دول أوروبية كبرى على حدة والاتحاد الاوروبي ككل.

ومع أن الاتحاد الأوروبي كان ولا يزال من أكبر وأهم حلفاء الولايات المتحدة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد، يبدو أن نقاط خلاف جدية بدأت تبرز بين بروكسل والعواصم الأوروبية الكبرى مثل باريس وبرلين من جهة، وبين واشنطن من جهة أخرى.

ومن أهم تلك المسائل قضية الرسوم التجارية الأمريكية على الصلب والألمنيوم وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وعزم واشنطن فرض "أقوى العقوبات في التاريخ" على طهران، الأمر الذي أثار مخاوف الأوروبيين بشأن مصير تعاون شركاتها مع الجمهورية الإسلامية.

"مشكلة حقيقية" و"التخلص من الأوهام"

واعتبر النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس أن الإدارة الأمريكية الجديدة تمثل "مشكلة حقيقية" بالنسبة إلى أوروبا، مشيرا إلى أنها "الإدارة الأمريكية الأولى التي تعتقد بأنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تكون أوروبا منقسمة وليس موحدة".

كما صرح رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، وهو من أكبر مؤيدي الشراكة الأطلسية، بأنه على أوروبا أن تعبر عن امتنانها للرئيس ترامب لأنه ساعد الأوروبيين في "التخلص من الأوهام"، والآن عليهم أن يكونوا مستعدين لاتخاذ خطوات مستقلة.

وبمثابة ضربة أخرى لوحدة الصف الأوروبي – الأمريكي جاء قرار إدارة ترامب الانسحاب من الصفقة النووية مع إيران، والذي أعلن عنه ترامب بعد اتصالات حثيثة مع الشركاء الأوروبيين ولقائه كلا من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وفيما توافقت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على ضرورة ردع الطموحات الإيرانية في المنطقة والحد من برنامج طهران للصواريخ البالستية، لم تتحدث أي دولة عن إلغاء الصفقة النووية، بل دعت للحفاظ عليها، مشيرة إلى التزام إيران بكافة الشروط.

والآن يواجه الأوروبيون شروطا إيرانية لبقاء الجمهورية الإسلامية ضمن الاتفاق، بالإضافة إلى مسألة العقوبات الأمريكية ضد إيران التي ستطال مصالح الشركات الأوروبية.

ماكرون وميركل... إلى أين الآن؟

وأكد الاتحاد الأوروبي استعداده للتحرك في إطار منظمة التجارة العالمية لحماية الشركات الأوروبية من تأثير العقوبات الأمريكية التي سيعاد فرضها على إيران في الوقت القريب.

وبعد أيام من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي التقت ميركل ماكرون في مدينة آخن الألمانية، وأعربت عن خيبة آملها من السياسات الأمريكية وتحدثت عن ضرورة أن "تقرر أوروبا مصيرها بنفسها".

كما أعرب عن الفكرة ذاتها إيمانويل ماكرون، مضيفا: "نحن لن نغير نهجنا بسبب عدم التزام بلد واحد بوعوده" في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.

وخلال أقل من شهر زار كل من ميركل وماكرون روسيا، حيث التقيا الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي وبطرسبورغ على التوالي.

وبحثت ميركل مع بوتين مشروع "السيل الشمالي 2" لتوريد الغاز الروسي إلى ألمانيا، والذي تعارضه بشدة الولايات المتحدة وأعربت أكثر من مرة عن رغبتها في إيقافه. واعتبرت ميركل علاقات جيدة مع روسيا "من المصالح الاستراتيجية" لبرلين.

أما ماكرون، فتحدث على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي على معارضته للعقوبات الأمريكية ضد إيران وضرورة حماية الشركات الفرنسية.

ومن اللافت أن ماكرون امتنع عن الحديث حول النقاط الخلافية لدى موسكو وباريس، مثل استخدام السلاح الكيميائي المزعوم في سوريا والأزمة الأوكرانية. وبدلا من التركيز على الخلافات تحدث عن التنسيق للتسوية في سوريا وأهمية إطار "رباعية نورماندي" واتفاقيات مينسك للمسألة الأوكرانية، كما رحب باستعداد روسيا للتعاون بشأن التحقيق في كارثة طائرة "بوينغ" الماليزية بشرق أوكرانيا.

ويأتي ذلك بعد شهر فقط من تفاقم الخلافات بين روسيا والغرب بشأن سوريا وقضية تسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا، التي قامت الدول الأوروبية بطرد عدد من الدبلوماسيين الروس على خلفيتها.

وسبق لماكرون أن صرح في حديث لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش" في أوائل مايو الجاري بأنه "يرغب في إجراء حوار استراتيجي وتاريخي مع فلاديمير بوتين، وإقامة الاتصال بين روسيا وأوروبا والحيلولة دون انعزالها".

واعتبر مدير مركز الأبحاث السياسية التابع للجامعة المالية لدى الحكومة الروسية، بافيل سالين، في حديث لـ RT أنه "اليوم من جهة تحتاج أوروبا إلى الحفاظ على العلاقات مع روسيا باعتبارها أحد الشركاء في الشرق. ومن جهة أخرى، هناك الأمريكيون الذين يضغطون على الاتحاد الأوروبي لتحقيق مصالحهم. وبالتالي تقف أوروبا أمام تحد جدي بالفعل. ويقوم الأوروبيون بحل مهمة عدم الإساءة لعلاقاتهم مع الأمريكيين لا مع روسيا"، مضيفا أن البلاد التي ستتمكن من حل هذه القضية ستستطيع أن تطمح إلى الدور الرائد في أوروبا.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على السبت, 26 أيار 2018 12:34