نتنياهو يشكل الحكومة الأكثر يمينية وهشاشة
حلمي موسى حلمي موسى

نتنياهو يشكل الحكومة الأكثر يمينية وهشاشة

في مشهد سوريالي، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من هنأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على نجاحه في تشكيل الحكومة الجديدة، التي تستند فقط إلى تأييد 61 نائباً، وتعتبر الأشد يمينية وهشاشة في تاريخ إسرائيل.

ورغم الأحاديث عن احتمالات انضمام حزب «العمل» إلى الحكومة الجديدة في وقت لاحق، إلا أن زعيم الحزب اسحق هرتسوغ أعلن أنه لن يقوم «بتسليك المجاري» المسدودة أمام حكومة نتنياهو. ومن جهة أخرى، بدأت الصراعات في «الليكود» وداخل الحكومة من ناحية حساب التكلفة الباهظة للحكومة الجديدة على الوضع الاقتصادي العام.

وهكذا فور انتهاء نتنياهو من مساعيه لتشكيل الحكومة الجديدة تلقى رسالة تهنئة من البيت الأبيض، مفادها أن الإدارة الأميركية تنظر باهتمام للعلاقات مع إسرائيل والعمل مع حكومتها، وأنها «تنتظر التشاور في الشأن النووي الإيراني، وفي حل الدولتين». وهناك من يعتقد أن مسارعة البيت الأبيض للتهنئة والتذكير بحل الدولتين والشأن النووي الإيراني في نوع من الربط بينهما، يحمل بين ثناياه تحذيراً مبطناً.
وفي بلاغ نشره مجلس الأمن القومي على «تويتر» جاء أن الرئيس الأميركي «يهنئ الشعب الإسرائيلي، ورئيس الحكومة نتنياهو والائتلاف لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة. وينتظر الرئيس أوباما أن يعمل مع رئيس الحكومة وحكومته. كما ننتظر استمرار المحادثات حول سلسلة طويلة من القضايا الإقليمية، بينها المفاوضات الدولية بشأن منع السلاح النووي عن إيران وأهمية حل الدولتين». وأضاف: «كما سبق لأوباما أن شدد في الماضي، ترى الولايات المتحدة أهمية فائقة في التعاون مع إسرائيل في ميادين الجيش، الاستخبارات والأمن».
والواقع أن نتنياهو أعلن عن حكومته، أمس الأول، قبل ساعة ونصف الساعة من موعد انتهاء المهلة الأخيرة له، ما دفع الصحافة الإسرائيلية للقول إنها فعلاً أعلنت في «الدقيقة التسعين من وقت المباراة».
لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك أن الإعلان سبق حتى توقيع الاتفاق رسميا مع «البيت اليهودي»، وهو ما تم فقط يوم أمس. وذهب كثيرون في «الليكود إلى اعتبار تنازلات نتنياهو من أجل نيل رضى «البيت اليهودي» خضوعاً لابتزاز سوف يعملون على جباية ثمن له من نفتالي بينت وحزبه لاحقاً. ومعروف أن «البيت اليهودي»، بنوابه الثمانية في الكنيست، نال ثلاث حقائب وزارية، هي التعليم والزراعة والعدل ونائب وزير الدفاع، فضلاً عن رئاسة لجنة الدستور في الكنيست والإشراف على دائرة الاستيطان. وكان من أهم ما نال حزب بينت العنصري ضمانات من نتنياهو بتمرير قانون «بريفر» الذي يقضي على جانب كبير من ملكيات العرب البدو في النقب بحجة تسوية أوضاعهم.
وواضح أن ما ناله بينت يشجع منافسين له في الحكومة، مثل «شاس»، التي تملك سبعة مقاعد، و «كلنا» برئاسة موشي كحلون على المقارنة بين ما نالوه وما ناله «البيت اليهودي». وبين هذا وذاك هناك شماتة بنتنياهو، كون من أجبره على تقديم التنازلات كان مجرد موظف في مكتبه، وخاضت عائلته حملات شديدة من أجل إبعاده عن مراكز النفوذ. وهذا يسري ليس فقط على نفتالي بينت وإنما أيضاً على وزيرة العدل الجديدة أييلت شاكيد التي كانت طردت من ديوان نتنياهو. لكن الغيرة الأكبر هي في «الليكود» الذي شعر الكثير من أعضائه أنه لم يبق لهم سوى الفتات، رغم بقاء وزارتي الخارجية والدفاع مع اثنين منهم.
في كل حال، وبعد إزالة العقبة الأخيرة، صار بوسع نتنياهو ادعاء الانطلاق في حكومته الرابعة التي تعتبر الحكومة الـ34 في تاريخ اسرائيل. وتستند الحكومة الجديدة إلى «الليكود» (30 نائباً) و «كلنا» (10 نواب) و «يهدوت هتوراه» (ستة نواب) و «شاس» (7 نواب) و «البيت اليهودي» (8 نواب)، ما يعني استنادها إلى 61 نائباً، هم فعلاً النصف زائدا واحدا من الكنيست التي تضم 120 نائباً.
وأكد زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ أنه سيقود المعارضة، ولن «ينقذ» نتنياهو من الحكومة الضيقة التي شكلها. وقال: «إذا كان نتنياهو يظن أن بوسعه التلويح بهذه الحقيبة أو تلك، فإنه يخطئ بشكل مرير»، فالحكومة الجديدة ستواصل، في نظره، الجمود والعزلة السياسية. وشدد على «أننا لن نكون دولاباً خامساً، ولن أكون من يسلك المجاري له»، مضيفاً: «إنني سأقود معارضة محاربة مبلورة، قوية وحازمة، لا تبقي حجراً على حجر وتفرض حظر التجوال في الكنيست».
وأشار هرتسوغ إلى إدارة نتنياهو للمفاوضات الائتلافية من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، قائلا: «نتنياهو ذكرنا بأنه ليس زعيماً كبيراً ولا ساحراً، وهو ببساطة قام ببيع تصفية. فإذا كان يدير مفاوضات ائتلافية هكذا، فكيف سيدير المفاوضات مع الفلسطينيين؟ مع القوى العظمى؟ لقد خضع لضغوط بينت، وأثبت أن بقاءه السياسي أهم عنده من حقوق مواطني إسرائيل».
وقبل أن تعرض الحكومة على الكنيست جرى التشديد على النواب من «الليكود» بوجوب الحضور للتصويت الاثنين المقبل، من أجل تعديل القانون الأساس للحكومة، الذي كان يقيد قوامها بـ 18 وزيراً من دون رئيس الحكومة. وبديهي أن ما يسري على أعضاء «الليكود» يسري أيضاً وبشدة أكثر على أعضاء الكنيست من الكتل الائتلافية. ويأتي إقرار هذا التعديل من أجل السماح بعرض حكومة نتنياهو، التي قد يصل عدد وزرائها إلى 22. وبديهي أن هذا يعني زيادة الأكلاف على الميزانية العامة التي ستغطي نفقات إدارية وعقارية لعدد أكبر من الوزراء.
ويناقض أول قرار في الكنيست للائتلاف الجديد كل الدعاوى الانتخابية للأحزاب. فحزب «كلنا» دعا إلى عدالة اجتماعية، و «شاس» دعت إلى إنصاف المحرومين، لكن هذا القرار سيمتص من الميزانية عشرات الملايين من الشواكل لتغطية أكلافه. وقد اعتبر زعيم «هناك مستقبل» يائير لبيد قرار زيادة الوزراء بأنه «سطو في عز الظهيرة على المال العام. فالأمر يكلف مئات الملايين من الشواكل التي كان ينبغي أن تذهب للتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي وليس لترتيب عمل لأشخاص عدة».
وتبدو حكومة نتنياهو المقبلة وكأنها حكومة «الألف مستحيل» بسبب الأعباء المالية الناجمة عن الاتفاقات الائتلافية. وقد لخص أحد خبراء الاقتصاد هذه التبعات بأنها لا تقل عن تسعة مليارات شيكل، سواء ما تعلق منها بزيادة مكافآت جنود الخدمة الإلزامية أم تخفيض ضريبة القيمة المضافة على المواد الأساسية.

 

المصدر: السفير