لكي تبقى راية فلسطين مرفوعة
                                             مروان البرغوثي مروان البرغوثي

لكي تبقى راية فلسطين مرفوعة

 يشرفني أن أشارك أبناء شعبنا العظيم عامة، وأبناء حركة "فتح" خاصة، في إحياء الذكرى الـ33 لاستشهاد القائد الوطني والفتحاوي الكبير ماجد أبو شرار، وأذكر للمناسبة أنني كنت في قسم العزل في سجن طولكرم عند استشهاده في 9 تشرين الاول 1981، حيث وقع هذا الخبر وقع الصاعقة على الأسرى، لما كان للشهيد القائد من حب وتقدير واعتزاز في صفوف المناضلين وأبناء شعبنا، وقد قرأت رواية الشهيد أبو شرار "الخبز المر" في ذلك الوقت.

من خلال متابعتي للمسيرة النضالية للقائد الشهيد، عرفت أننا أمام هامة كبيرة وعالية ومتميزة، شكلت ظاهرة خاصة في حركة "فتح" وقيادتها، وهذا المثال الأبرز للمناضل المثقف المنتمي، مثال للمناضل الذي ينخرط في صفوف الثورة ولا يكتفي بتقديم المواعظ والإرشادات من برج عاجي أو من مقهى على رصيف شاطئ هذه المدينة أو تلك، لأن المثقف الثوري هو ذلك الذي يقدم إنتاجاً علمياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً، وفي الوقت ذاته يقاتل بسلاحه في صفوف شعبه من أجل الحرية والعودة والاستقلال.
لقد قدم لنا أبو شرار مثالاً وقدوة للمثقف الثائر والفدائي المخلص الوفي المؤمن بقضية شعبه والمستعد للتضحية في سبيله، وقد كان أبو شرار مثالاً للجيل الشاب والتغيير في حركة "فتح"، فهو الرجل الذي آمن بضرورة تسليح الرأس قبل تسليح الأيدي، والذي آمن بروح العمل الفدائي من خلال سلوكه الثوري، واليد النظيفة التي تتعفف عن مد يدها على مال الثورة والشعب، والتي تعيش حالة من التقشف، لأن حياة المناضلين يجب أن تكون بعيدة عن كل مظاهر البذخ والترف والحياة المرفهة، فهذا قدر الثوار والمناضلين الذين يختارون طريق الثورة والمقاومة وطريق الاستشهاد والتضحية، طريق الفداء والنضال والكفاح، والذين يكرّسون حياتهم كاملة لقضية شعبهم ووطنهم.
قدم أبو شرار لأبناء "فتح" نموذجاً وقدوة، وواصلنا السير على خطاه وخطى كل شهداء شعبنا العظيم، يتقدمهم أبو عمار وأبو جهاد وأبو اياد وسعد صايل وأبو صيري وغسان كنفاني والشقاقي وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى والجعبري وثابت ثابت ورائد الكرمي ومهند أبو حلاوة ووفاء إدريس ودلال المغربي وآيات الأخرس وغيرهم.
اننا نحيي هذه الذكرى لا لذرف الدموع، ولا لنستذكر الشهداء فقط ونترحم عليهم، بل من أجل أن تكون مناسبة لتجديد العهد والوفاء لذكرى الأعظم والأكرم منا جميعاً، هؤلاء الشهداء الذين يمثلون ضمير وروح هذا الشعب وهذه الأمة، ومن أجل أن نجدد القسم بالسير على خطاهم فأنبل تكريم للشهداء هو مواصلة طريقهم، طريق النضال والمقاومة، طريق الحرية والشهادة، طريق النصر القادم لا محالة.
اننا نحيي ذكرى القائد الكبير أبو شرار في وقت خاض فيه شعبنا قبل أسابيع قليلة واحدة من أعظم معاركه الوطنية، حيث سجل شعبنا في قطاع غزة صموداً أسطورياً، وقدمت المقاومة أداءً قتالياً رفيعاً، يجعلنا أمام معركة الكرامة الجديدة، حيث فشلت حكومة الإرهاب الصهيوني في حربها وعدوانها على قطاع غزة، وتكبدت خسائر بشرية ومادية ومعنوية وأخلاقية غير مسبوقة، وان هذه المعركة تؤكد صحة خيار المقاومة، وأهمية تدعيم وتعزيز إمكانيات المقاومة في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأن هذا العدو لا يفهم لغة المفاوضات، ومعنى السلام، إلا عندما يتحول الاحتلال والاستيطان إلى عبء ثقيل لا يمكن احتماله، وهذا لا يتحقق إلا من خلال استراتيجية فلسطينية شاملة، تقوم على وحدة الشعب والقضية والوطن، ووحدة الفصائل والسلطة، وتعزيز ومساندة حكومة الوفاق الوطني، وإنهاء كل مظاهر الانقسام، وإطلاق أوسع حملة دولية لمقاطعة إسرائيل وعزلها، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها، وإطلاق أوسع مقاومة شاملة في الضفة والقدس، تحظى بمساندة شعبنا في الشتات والمنافي وبلاد الاغتراب، والاستناد كذلك إلى وثيقة الأسرى للوفاق الوطني، باعتبارها وثيقة القواسم السياسية والنضالية المشتركة، وباعتبارها البرنامج الجامع لكل فصائل شعبنا، والتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية، ولعضوية المجلس الوطني، ومن أجل تطوير وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، الذي يعيش حالة من الوهن والعجز في السنوات الأخيرة.
مرة اخرى نجدد العهد والقسم لشهداء شعبنا في كل مكان أن تبقى راية المقاومة وراية فلسطين التي سقط الشهداء وهم يحملونها، أن تظل مرفوعة عالية خفاقة في أيادينا، وأن نواصل نضالنا على هدى مبادئهم وأفكارهم، وأنا على ثقة بأن دماء الشهداء الطاهرة ستعبد الطريق إلى القدس وإلى الحرية والعودة والاستقلال، وان مسيرة شعبنا ستنتصر طال الزمن أم قصر، وأن زوال الاحتلال بات مسألة وقت، وان مصيره كما النازية والفاشية والعنصرية والاستعمار إلى مزبلة التاريخ.
في النهاية أقول في ذكرى شهيدنا وقائدنا الكبير والمعلم ماجد أبو شرار، لقد كتبت بيان نعيك للمناضلين في السجن في 9/10/1981، وها أنا أكتب اليوم، بعد مرور 33 عاماً هذه الكلمة في زنازين الاحتلال الصهيوني، وهذا يؤكد أننا نوفي بالعهد، وأن الأجيال لن تفرط بالحقوق التاريخية الأصيلة في بلادنا أرض الآباء والأجداد.

أخوكم
مروان البرغوثي (أبو القسام)
سجن هداريم زنزانة (28)

 

الشهيد القائد ماجد أبو شرار
(1936-1981)

ولد ماجد محمد عبد القادر أبو شرار في قرية دورا قضاء الخليل في عام 1936، ترعرع وأنهى الإبتدائية في بلدته، وهو الأخ الأكبر لسبعة من الأبناء الذكور، انتقل مع والده الى غزة في العام 1948، ثم درس ماجد المرحلة الثانوية في غزة، وفيها تبلورت معالم افكاره وتوجهاته الوطنية، ثم التحق في العام 1954 بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية وتخرج منها عام 1958، ثم التحق بأمه وإخوانه الذين كانوا قد عادوا من أجل الحفاظ على أملاكهم إلى قريتهم دورا.

عمل أبو شرار مدرساً في مدرسة "عي" قضاء الكرك في الأردن، ثم أصبح مديرا لها، وتعاقد مع ثري سعودي، فسافر إلى الدمام ليعمل محرراً في صحيفته اليومية "الأيام" سنة 1959، وكان في غاية السعادة حين وجد نفسه يمتلك الوسيلة العصرية للتعبير من خلالها عن أفكاره السياسية والوطنية.

وفي عام 1962 التحق بحركة "فتح"، وتفرغ أبوشرار في صيف 1968 للعمل في صفوف الحركة بعمان في جهاز الإعلام، الذي كان يشرف عليه مفوض الإعلام آنذاك كمال عدوان، وأصبح ماجد رئيسا لتحرير صحيفة "فتح" اليومية ، ثم مديرا لمركز الإعلام، وبعد استشهاد كمال عدوان في العام 1973أصبح مسؤولا عن الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتم اختياره أمينا لسر المجلس الثوري لحركة" فتح" في المؤتمر الثالث للحركة في العام 1971.

ساهم في دعم تأسيس مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة عام 1969 عندما كان يشغل موقع مسؤول الإعلام المركزي ، كما ساهم في تطوير مدرسة الكوادر أثناء توليه لمهامه كمفوض سياسي عام وهو الموقع الذي شغله في الفترة ما بين1973-1978.

أصبح عضواً في الأمانة العامة للإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين منذ سنة 1972، كما كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي.

اختير في المؤتمر العام الرابع لحركة فتح في العام 1980 ليكون عضوا في اللجنة المركزية للحركة .

اغتالته المخابرات الإسرائيلية صبيحة يوم 9-10-1981 بقنبلة وضعت تحت سريره في أحد فنادق روما حيث كان يشارك في مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ونقل جثمانه الى بيروت حيث دفن في مقبرة الشهداء فيها.