من صاحب الحقّ بقيادة الحراك؟

من صاحب الحقّ بقيادة الحراك؟

يتصرف بعض المحتجين على الأرض بعقلية «مجلس قيادة ثورة»؛ يرسمون الخطوط التي يجب الالتزام بها، ويصيغون الشعارات والهتافات والخطط. يقررون قطع طريق من الطرق، أو إغلاق مؤسسة من المؤسسات. ويصدرون بيانات باسم الحراك، بل وباسم الشعب.

حتى لو افترضنا جدلاً أنّ كل ما يرسمه وما يخططه هذا البعض صحيح بالكامل، وهو ليس كذلك إطلاقاً، فإنّ هذه العقلية وهذه الطريقة من شأنها أن تعزل الحركة وأن تستعدي الناس عليها، فالناس سئمت من العقلية الأوامرية التي تسعى لفرض ما تريد على الناس باسمها ودون اشتراكها.
تنظيم الحركة بشكل حقيقي، يعني فتح باب الحوار والنقاش على أوسع مدى، والاستماع إلى الآراء المختلفة للناس، ليس فقط المشاركين بشكل نشط بالاحتجاج، بل وأيضاً الأغلبية التي ما تزال بين متعاطف وبين متردد وبين متخوف وبين رافض؛ فهذه الأغلبية هي أيضاً من أبناء الـ 90%، المنهوبين. ودون رضا القسم الأكبر من المنهوبين، ودون مشاركتهم الفاعلة، فإنّ أية حركة محكومة بألا تتحول إلى حركة شعبية، بل أن تتحول إلى حالة تنفيس مؤقت لا يمكنه أن يقود نحو التغيير الإيجابي بأي حال من الأحوال، ويمكنها بأسوأ الأحوال أن تقود نحو انقسام داخلي وفوضى وإشكالات ومخاطر وفتح لباب التدخلات من المتشددين ورافضي التغيير في الداخل، والأعداء في الخارج.
أصحاب الحق في قيادة الناس وقيادة الحراك هم من يختارهم الناس أنفسهم، عبر التجربة وعبر النقاش، وعبر العمل اليومي، وعبر اختبارهم واختبار مواقفهم وحكمتهم ووعيهم. عدا ذلك، فإنّ الحراك بأسره يمكن أن يتحول إلى أداة ضد المتحركين أنفسهم، سواء عبر تخييب أملهم بعزل الحركة وإجهاضها، أو عبر دفع الأمور نحو حالات تصعيد لا تفيد عملية التغيير والخروج من الأزمة.
طغيان الشعارات والأشكال العائدة إلى 2011 وفوقها تجريب المجرب نفسه بمسائل قطع الطرق وإغلاق المؤسسات وما شابه، وبالمختصر، العمل وفق منطق نسخ لصق، يشير إلى أنّ الحركة تحتاج إلى فرز قيادات واعية جديدة تستطيع جمع المنهوبين بشكل فعلي، وليس كما يجري الآن بشكل جزئيٍ جداً وإعلامي جداً... هذه ليست مسؤولية المشتركين في الحراك فقط، بل هي أيضاً، وربما بشكل أكبر، مسؤولية غير المشتركين بشكل مباشر، والذين عليهم أنْ يعبّروا عن آرائهم بصدق وبمسؤولية، ودون الخشية من تسلط عقلية «مجلس قيادة الثورة»، أو من سيف التخوين والتشكيك الذي سبق أن استخدمه «ثوارٌ» أظهرت الأحداث أنهم كانوا في الواقع من الأشد عداءً للناس ولحراكهم...
صاحب الحق في قيادة الحراك، هم الناس أنفسهم، وليست فئة أو مجموعة منهم «أكثر حماساً» أو «أعلى صوتاً».. الصوت العالي مطلوب، ولكن العقل المتزن البارد المحمول فوق قلب حار وكفٍ نظيف- وهذه الأخيرة مهمة جداً- هو المطلوب أكثر...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1137
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 22:01