الحراك الشعبي يجب أن يسير إلى الأمام ويتعلم من دروس الماضي!
ريم عيسى ريم عيسى

الحراك الشعبي يجب أن يسير إلى الأمام ويتعلم من دروس الماضي!

الجوهر الحقيقي للاحتجاجات اليوم هو ذاته جوهر الموجة السابقة، وهو عدم الرضا عن الوضع القائم ورفض الاستمرار بالاتجاه الذي تذهب فيه البلاد بما تبقى فيها من الشعب، وفي كافة المناطق.

اليوم، وبالرغم من تقطع أوصال البلاد، إلا أن مصيرها ومصير شعبها مرتبط ببعضه البعض، وبما وصلت إليه الأمور من تنفّذ تجار الحرب ومنظومات الفساد والنهب بأشكالها المختلفة في كافة أنحاء البلاد، وهناك إدراك لدى غالبية الناس بارتباط استمرارية الوضع القائم والتدهور المتسارع باستمرار قدرة أولئك في التسلط على كافة مفاصل الحياة، وبتجلياتهم المختلفة في المناطق السورية المختلفة.
تميزت هذه الموجة من الحراك الشعبي بأنها في بدايتها توجهت مباشرة إلى المطالب المرتبطة بالوضع الاقتصادي من خلال التركيز على الوضع المعيشي المتردي ومعها مطالب سياسية، بالتحديد تطبيق القرار 2254. وكان هذا مؤشراً إيجابياً بالتوجه مباشرة إلى المطالب ذات الطابع السياسي، والذي يعني ضمناً رفض كافة الأطراف بشكلها الحالي وتحميلها مسؤولية الجلوس على طاولة واحدة والحوار للوصول إلى توافقات تؤدي إلى حل سياسي شامل، ما يعني أيضاً أن المطالب تستهدف جذور المشكلة التي أدت إلى ما آلت إليه الأمور في البلاد في كافة جوانب الحياة.
ولكن سرعان ما بدأت تظهر شعارات مكررة تستحضر للذاكرة شعارات طغت على الموجة التي بدأت في 2011، والتي في النتيجة تحولت آنذاك إلى الانقسام بين معسكرين تحت شعاري «الإسقاط» و«الحسم» وشعارات أخرى مرتبطة بكل منهما، وكل من هذين المعسكرين كان يهدف إلى إلغاء الطرف الآخر، ما يعني بالضرورة العمل بالضد من الحوار وبالضد من الحل السياسي، وبلغة اليوم: ضد 2254!
هذا يوجب توخي الحذر لضمان عدم المضي في هذا الطريق، لأن هذا سيؤدي في حال استمراره إلى تهيئة البيئة المناسبة لأعداء التغيير وأعداء الحل السياسي للعمل على الدفع بالحراك نحو الانقسام على نفسه، أي العودة إلى محاولة تقسيم الشعب على خطوط الثنائيات الوهمية من نوع موالي-معارض. وبالرغم من أن الظروف اختلفت عما كانت عليه قبل 12 عاماً، وقد لا يحدث الزخم ذاته في الانضمام لهذا النوع من التصنيفات والثنائيات، إلا أن الانعكاس الأخطر لذلك سيكون أن الغالبية العظمى من الشعب اليوم، أي الغالبية المنهوبة، لن تجد مكاناً لنفسها في حراك يرفع شعارات لا تطمئن لها على أقل تقدير، وسوف تنأى بنفسها عن هذا الحراك، الأمر الذي يمكنه أن يسبب تخامداً وخيبة أمل لدى من يتحركون الآن بشكل نشط.
في الوقت ذاته، وضمن الظروف التي وصلت إليها البلاد، فإنّ هنالك مستوى غير قليل من التعاطف مع أي حراك يهدف إلى إحداث تغيير حقيقي، والجزء الأكبر من الشعب جاهز للانخراط والمشاركة في الحراك عندما يرى الشعارات التي تمثله والمطالب التي ستؤدي إلى الحلول التي ستأخذ البلاد والشعب إلى بر الأمان من خلال حل جذري للأزمة. على الرغم من ذلك، ما زال جزء كبير من الناس غير مشارك بشكل مباشر بعد، ما يجعل من الأهمية بمكان تطوير هذه الموجة من الحراك الشعبي عبر تنظيم صفوفها وعبر انتقادها بشكل صريح وصادق، ومن داخلها.
الاستمرار بالتركيز على المطالب الاقتصادية الاجتماعية، والسياسية المتمثلة بتطبيق القرار 2254، والعمل المواظب وبإصرار وحذر على توعية صفوف الحراك وتنظيمها هو مهمة وطنية بامتياز، لأنها ستعيد الحراك على الطريق باتجاه المخرج من الأزمة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1137
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 22:00