افتتاحية قاسيون 947: تصعيد أعلى  لانسحاب أسرع!

افتتاحية قاسيون 947: تصعيد أعلى لانسحاب أسرع!

يدخل التصعيد الأمريكي في المنطقة طوراً جديداً مع عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفاقه يوم الجمعة الفائت. ورغم كل ما يقال عن الرجل، إلا أنّ ما لا ينكره أعداؤه قبل حلفائه، هو دوره المهم في محاربة الإرهاب في المنطقة، ابتداء من القاعدة ووصولاً إلى داعش. كما لا ينكرون وقوفه في الصف المعادي للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني في مختلف الساحات الإقليمية.

ولكن كما صرّح الإيرانيون أنفسهم، فإنّ العملية «لا قيمة لها بالمعنى العسكري»، ولكن القيمة الأساسية لها هي سياسية الطابع بالدرجة الأولى، وتتعلق بملفات عديدة متشابكة، بينها ما هو أمريكي داخلي، وبينها ما يخص إيران والمنطقة عموماً، وبينها ما يتعلق بالعراق بشكل خاص.

إنّ طبيعة الصراع الداخلي الأمريكي، تعكس في نهاية المطاف صراعاً عميقاً بين اتجاهين إستراتيجيين يرى كل منهما مستقبلاً مختلفاً للدور الأمريكي العالمي؛ أحدهما يعمل على انكفاء سريع في إطار التكيف مع التوازن الدولي الجديد، ولتحضير الداخل الأمريكي لجملة الأزمات الاقتصادية القادمة لا محالة، وهذا يمثله ترامب إلى حدٍّ بعيد. التيار الثاني يسعى إلى إبقاء حالة الاستنزاف وحالة الحرب حول العالم، ويرفض الانكفاء إلى الداخل أيَّاً تكن التكلفة، لأنه يرى مصيره معلقاً بسيادة الدولار التي لا يمكن الحفاظ عليها بغير الفوضى الشاملة. ورغم الانقسام الواضح بين التيارات الأمريكية، إلّا أنّ ما يجمعها هي عملية الأفول التاريخي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية بما يخص وزنها ودورها العالمي.

إنّ عملية الاغتيال هذه، وإنْ كانت من حيث الشكل رفعاً لدرجة التصعيد بشكل غير مسبوق، إلّا أنها وللسبب نفسه، أي لأنها كسر لتوازنات لعبة التصعيد المعمول بها طوال سنوات مضت، فإنها ستشكل ستاراً دخانياً كثيفاً لتغطية عملية انسحاب أمريكي ربما تشمل لا العراق وحده، بل ومواقع أخرى عديدة ضمن المنطقة، وبينها سورية بطبيعة الحال.

يعمل ترامب على جني أرباحٍ انتخابية باستخدام هذا الستار الدخاني، على غرار احتفالاته بقتل البغدادي (بغض النظر عن صحة الأمر من عدمها). ولكن ما هو أهم من ذلك أنه سيستخدمه لتغطية عملية الانسحاب التي باتت تلوح في الأفق القريب.
على صعيد المنطقة، فإنّ بين أهداف عملية الاغتيال هذه، كسر حلقة وصل بين قوى وتيارات تشترك في معاداتها للأمريكان ومحاربتها للإرهاب، رغم اختلافها حول كل  الملفَّات الأخرى تقريباً؛ وذلك للوصول إلى قسمها وإضعاف دورها الإجمالي المعادي للأمريكان.

بين الاستهدافات أيضاً، خلق بلبلة في صفوف الحركة الشعبية في العراق، والتي شبت عن طوق القوى التقليدية والطائفية، ومحاولة قسمها عبر إعادة جزء منها إلى أيدي الزعامات التقليدية.

المحصلة الواضحة لكل ذي نظر، أنّ التصعيد الأمريكي وصل مع عملية الاغتيال هذه إلى قمّةٍ لم يعد ممكناً تجاوزها، وابتداءً من هذه القمة العالية سنرى عملية التراجع والانكفاء تدخل حيزاً جديداً أقرب إلى التدحرج نزولاً... وفي الإطار نفسه، سنرى تنفيذاً للحلول السياسية في أرجاء المنطقة، وفي مقدمتها سورية عبر القرار 2254!

معلومات إضافية

العدد رقم:
947