الافتتاحية كان اسمه «اليمن السعيد»..

منذ لغز أحداث 11 أيلول 2001، وإعلان جورج بوش الابن الحرب المفتوحة على شعوب الشرقين الأدنى والأوسط، تحت شعار «الحرب على الإرهاب»، لم يعد أي بلد ذو موقع استراتيجي أو لديه ثروات إستراتيجية في هاتين المنطقتين بمنأى عن العدوان الأمريكي- الصهيوني، سواءً بشكل مباشر أو عبر ممارسة تسعير الخلافات العرقية والدينية والقبلية فيه، وخلق المناخ المواتي لتفجيره من الداخل عبر الاقتتال بين مكوناته الديموغرافية.

من هنا، علينا البحث عن العلاقة بين الوضع المتفجر في أي بلد عربي (العراق، الصومال، اليمن، السودان...)، وبين الوجود العسكري الأمريكي كقوة احتلال غير مسبوقة في التاريخ من أفغانستان إلى العراق والخليج والبحر الأحمر، وصولاً إلى شرق المتوسط عبر الثكنة العسكرية المتمثلة بالكيان الصهيوني.

ولا شك أن من بين أهم العوامل التي ساعدت العدو الإمبريالي- الأمريكي على تفجير الأوضاع الداخلية في البلدان المقصودة، هو الطبيعة القمعية للغالبية الساحقة في النظام الرسمي العربي، والذي هو بالأساس صنيعة الخارج وأكبر أدواته عند وضع المخططات العدوانية موضع التنفيذ.

اليمن.. وبعد أن كان اسمه «اليمن السعيد»، تطالعنا أجهزة الإعلام الغربية والعربية في الآونة الأخيرة بأخبار القتل والمعارك المستمرة فيه منذ 11 آب الماضي، وعلى مساحة كبيرة من أراضيه، بين جيش يستخدم كل ما لديه من عتاد ثقيل ومتوسط، بما في ذلك الطيران، وبين مجموعات غير قليلة من السكان مسلحة تثبت أن لديها قدرات غير عادية في القتال الفاقد لبوصلته، لأن المحصلة النهائية ستكون في مصلحة أعداء الخارج، والأمريكي أولهم. فمنذ 11 آب وحتى الآن، تطغى لغة الحسم العسكري بين كلا المتقاتلين، ولم تفلح أية اتفاقات سابقة (اتفاق الدوحة)، ولا أية إجراءات داخلية في تجنب استمرار الحرب الأهلية في اليمن.

إن تحليل أسباب ما يجري في اليمن «غير السعيد» يقودنا إلى الاستنتاجات والوقائع التالية:

-     من المطلوب أمريكياً على المستوى البعيد تسعير واستمرار حالة الاقتتال الداخلي في اليمن، وصولاً إلى تقسيمه في الوقت المناسب على خلفية التقسيم الطائفي والمذهبي لبلدان المنطقة، الواحد تلو الآخر. وقد سبق للرئيس مبارك أن أطلق الشرارة التي تخدم المشروع الأمريكي عندما شكك بولاء طائفة بعينها من العرب لأوطانهم، وعلى النهج نفسه صرح الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بأن «الحوثيين يتلقون الدعم من إيران ومن التيار الصدري في العراق..»!

-     خلق بؤرة توتر جديدة تخدم المشروع الأمريكي والتمهيد لتدويل المسألة اليمنية وتوسيع الانتشار العسكري البحري الأطلسي في خليج عدن والبحر الأحمر والسيطرة المباشرة على مصادر الطاقة وطرق إمدادها، بكل ما يحمله ذلك من أخطار كبيرة جداً على بلدان هذه المنطقة وشعوبها ووحدتها الوطنية.

-     السيطرة اللاحقة على منطقة القرن الأفريقي وترتيب وضع الأنظمة في الصومال وأريتيريا وأثيوبيا والسودان، الذي بدأ الحديث فيه منذ الآن عن انفصال الجنوب الغني بالنفط عن جسم السودان الأم في أواخر 2011.

-     وأخيراً، استغلال الاقتتال الداخلي في اليمن، لتطويق إيران على أرضية ما يسمى بالفالق المذهبي في المنطقة، والتهيئة لإدخال الكيان الصهيوني في تحالف صهيوني- أمريكي- رجعي عربي، ليس فقط لضرب إيران، بل لاستكمال مشروع تفتيت المنطقة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، ماقبل وطنية.

وبالعودة إلى النتائج المباشرة على الشعب اليمني جراء الحرب الأهلية الجارية، تكفي الإشارة إلى أن ما يصرف على الحرب في أسبوع يكفي- حسب بعض المحللين اليمنيين- لبناء مدارس في كل قرى ومدن محافظة صعدة، وقد جئنا على ذكر المدارس لأن في اليمن «غير السعيد» ما يزيد على خمسة ملايين أمي حسب إحصائيات اليونيسكو، 62% منهم نساء. ناهيك عن أن 75% من الشعب اليمني تحت خط الفقر.. وعندما يجتمع الجهل والفقر والقمع في بلد عربي، لابد من السؤال عن طبيعة النظام فيه، وهنا يجب التنويه أنه قد سبق للنظام اليمني أن قدّم خدمات غير مشكورة لواشنطن تحت يافطة الحرب على  الإرهاب.

 

ومع استمرار الحرب الأهلية في اليمن سيكون مطلوباً منه المزيد، وقد حذر الشيخ عبد المجيد الزنداني أحد زعماء الائتلاف الوطني المعارض من أنه في ظل وجود الأساطيل الأجنبية في خليج عدن تحت شعار محاربة «القرصنة»، هناك خطر جدي من المخططات الأمريكية الرامية إلى احتلال منابع النفط والسواحل الجنوبية والغربية للبلاد، عندما تؤول الدولة اليمنية إلى السقوط.