الخيار.. النهج المقاوم

لن يُرضي خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الأخير بما تضمن من عودة للثوابت والمواقف الوطنية والقومية وإعلان المقاومة خياراً بما يعني الخروج من الحصار، أصحاب المواقف المتشنجة ممن اعتادوا الاعتياش من التطفل على قضايا الوطن، وآخرون من جوقة الترداد للمقولات العقلانية المستقدمة من وراء البحار بضرورة الاسترخاء أمام مطالب العالم الكوني الجديد والى الانفتاح والانخراط في أجواء الديمقراطية الأورو أمريكية الإسرائيلية الزاحفة حسب تعبيرهم على العالم،

وأيضا ممن كان يراهن على رضوخ واستسلام القيادة السورية للمطالب المستعجلة لإتاحة تنفيذ سايكس بيكو 2 المعدل للعودة إلى المنطقة بثوب جديد، كما لن تصح في هذه الحالة وبناء على الحيثيات التي أوضحها مضمون الخطاب اتهام القيادة السورية بدفع المنطقة إلى مغامرة جديدة تفضي إلى زيادة معاناة الشعب السوري والى توريطه بالفوضى والاحتلال، بعد أن تبين بما ليس فيه لبس معزز بتصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية المكررة بأنهم وأتباعهم من إقليميين ومحليين، معادين للعروبة يعدون ويدفعون بالمنطقة إلى مصير كمصير العراق.

فلقد تلاحقت الضغوط على المنطقة في صيغها التآمرية منذ ما قبل غزو العراق في آذار 2003، إذ يستحيل إنجاز مخططات الغزو واستتباب الوضع المرجو والقضاء على المقاومة العراقية دون استكماله في غزو العمق السوري اللبناني الفلسطيني.

وكانت قد نشطت ما يسمى المعارضات المتناثرة، في كل من سورية ولبنان وهي في غالبيتها مرتبطة ومعادية للمشروع الشعبي العربي خاصة بعد صدور القرار الدولي 1559 الفرنسي الأمريكي ضد الوجود السوري في لبنان وضد كل أشكال المقاومة لبنانية أو فلسطينية، وضد الحكومة الوطنية الشرعية اللبنانية الممثلة التاريخية حقيقة للأطياف الاجتماعية اللبنانية- حكومة الرئيس عمر كرامي- مما كان يبدو هذا الصخب الهستيري المفتعل بأنه كان تمهيداً لإعداد انقلاب في الساحة اللبنانية على الطائف والتقليد، أتاحت حادثة اغتيال الحريري من فرص تحقيقه، إذ سرعان ما جرى محاصرة قصر الحريري بما يشبه الاحتلال له، وتحويله إلى مقر للمعارضة تصدر عنه البيانات والتصريحات الاتهامية العدائية المهيّجة للشارع اللبناني والعربي على مدار الساعة ولأشهر عبر المساحات الإعلامية الواسعة والمتضمنة تحميل الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية السورية واللبنانية تدبير الاغتيال، مما شلّ هذا التصرف وقتها كل مرافق الحياة اللبنانية وأعدمت أي إمكانية لعمل أجهزة الدولة اللبنانية أو السورية في كشف ملابسات القضية مما أفسح المجال واسعا للتلاعب بالوقائع الجرمية عبر التشكيك بفاعلية القضاء اللبناني بما رتب هذا لاحقا استدعاء لجنة التحقيق الدولية.

إن الشعب العربي في سورية كما في الوطن العربي، كان ينشد دائما ولم يزل الحرية والديمقراطية والعدالة ومجتمع الرفاه، ويتطلع إلى جيش قوي يصون ثروات البلاد ويدافع عن حدود الأوطان ويحمي دستورها ويستعيد ما اغتصب من أرضها، على أن يتأسس هذا على قواعد منهجية تأخذ بعين الاعتبار حالة الأمة- واقعها ومآلها وطموحها- لصياغة منظومة مفاهيم متسقة متماسكة.

يبدو واضحا بان رغبة الإدارات الأورو أمريكية الجامحة للقبض على المنطقة- على عكس ما يروج البعض- لا تعنيها السلطة السورية بشخوصها أوممارساتها، بقدر ما يعنيها الكيان السياسي للشعب والوطن – السلطة ذريعة- وان محاولة الالتفاف على هذه الحقيقة بمقولة إسقاط السلطة السياسية لإنقاذ وحماية الشعب والوطن لا معنى له ولا تؤدي أغراضها، أمام وعي شعبي متنام تتمثل أمامه يوميا وقائع الفواجع في فلسطين والعراق.

وإذا كانت الإدارات الأورو أمريكية وملحقاتها تتحايل وتستغل المجتمع الدولي في موضوع انتساب وامتثال الدولة السورية للمنظومة الدولية وقوانينها بالضرورة للضغط على الدولة عبر حشر سلطاتها ومحاصرتها في الملعب السياسي لابتزازها والتدخل في شؤونها ونزع سيادتها لتؤول شعوبها إلى الفقر الدائم وسقوط لا قيام بعده، فان المجتمع السوري  في هذه الحالة وامتداداته في الأقطار الأخرى وقواه الحية سترفض مثل هذه الضغوط وستبقى خارجها في إطار الموجبات الطبيعية للدفاع عن كيانها المجتمعي، وفي المستقبل عن الانضباط  إذا ما نضجت لديه  انطلاقات لتوجهات ثورية تحريرية محتملة تطال كل الاتجاهات والى مفاجآت خارج التوقعات تخرب كل الحسابات، تضع كل الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية أمام المحاسبة والعقاب.

لذا يبدو من الضرورة في مثل هذه الأجواء الخطرة والمستفزة السماح بإطلاق المبادرات الهادفة إلى تعبئة الجماهير، وإنشاء اللجان الشعبية للمقاومة المسلحة في أحياء المدن والأرياف لتنظيم وتدريب كافة أبناء الشعب على قتال الشوارع وكيفية التعامل مع الأسلحة المتطورة، ورفع جاهزية البلاد، والى العمل على إشراك كل الشعب وقواه ولجانه في كافة الاستعدادات المستقبلية المدنية والتعبوية القتالية، وفي صياغة القرارات لمواجهة الغزو وكل الاحتمالات التي يمكن أن تقدم على فعلها القوى المعادية وجيوشها. 

10112005  

 

■ سليم نقولا محسن «بتصرف»