فارس عوض فارس عوض

ثورات الحرية والخبز.. والوضع في سورية

لم  تحمل أي من الثورتين في كل من تونس ومصر, واللتين تكللتا بالنجاح الأولي، أي شعار قومي أو عربي له علاقة بخارج حدود الدولتين ومصالح الجماهير المحلية, ولم تتعدّ الشعارات المرفوعة مطالب الناس البسيطة عن الحرية والخبز.

المظاهرات الشعبية السلمية أسقطت أنظمة ورؤساء على الساحة العربية، وربما تمضي لإسقاط أنظمة أخرى، وربما عروش، ومن المستهجن أن يتهم الرؤساء الذين سقطوا، والسائرون إلى السقوط، إسرائيل وأمريكا والغرب بالوقوف وراء هذه التحركات الشعبية!!.. فبرميل البارود والفتيل والشرارة هي ثلاثي الانفجار في العلوم العسكرية والحروب وتحطيم الخصم, والحال بعد الانفجار غير ما قبله دائماً وفي كل الظروف والمناسبات, من معارك عسكرية بنتائجها, أو بحالات خدمة مصالح مهنية وربما هبات شعبية.. فالانفجار كلمة وفعل كبير, وغالباً غير محسوب النتائج لدى شوارعنا العربية في الهزات الشعبية, إن كان من حيث الانفجار السكاني, أو الجيولوجي البركاني, أو السياسي, كما يجري الآن في عدد كبير من الساحات العربية.

في سورية، كل ما يجري مرتبط بجملته بمحاولات نزع شرارة الاشتعال لفتيل هذا الانفجار على الأرض السورية من جانب السلطة السياسية القائمة, وهو عمل جيد ومهم ومشكورة عليه كثيراً, ولكن المطلوب ليس وقف القدح لإحداث الانفجار,  أو نزع الفتيل, بل العمل على نزع برميل البارود أو تبريده إلى حدود إلغاء قابليته للانفجار, والوصول إلى تفكيكه نهائياً, وإبعاد الآثار المأسوية المحتملة.

كم من زجاجة مهشمة مرمية في هشيم وبيوم صيفي حار أدت إلى حريق, ودون فعل فاعل مباشرة، وإنما بطريق المصادفة وفعل العوامل الجوية وشدة الحرارة؟!.

لم يعد مقبولا أن نكتب على برميل البارود أنه غير قابل للانفجار, أو تجاهله أو تلوينه وتمويهه بكتابات لا تمت إلى حقيقته بصلة, أو أن نحشد الطاقات ونتكبد المشقات بالوقوف حوله خوفاً من الانفجار أو في محاولة لحصر الآثار أو تطويقها.

مناسبة الكتابة, تلك التعليمات المعطاة إلى عناصر وزارة الداخلية وخاصة قيادة الشرطة وأفرادها عن تجنب الاحتكاك مع المواطنين، حتى لو تمت مخالفة بعض القوانين.

والحقيقة أنه ليس بالابتعاد عن تطبيق القوانين تعالج مظاهر التوتر, أو نزع الفتيل, لأن في ذلك إضعافاً لقدرة الدولة أياً كان شكلها عن ممارسة واجباتها وحماية مواطنيها, وهذا يشجع الخارجين على القانون بالتمادي عليه وانتهاكه  بدون خوف من عين الرقيب.. الأفضل هو العمل على تطوير الحراك السياسي والاجتماعي وقيام السلطة ببعض الإصلاحات الأساسية والجوهرية في حياة المواطن اليومية, والبدء بتنفيذ إصلاحات اجتماعية وسياسية تبرد الموقف وتجهض أي ردة فعل على أي حدث قد يطرأ, ولا يكون في الحسبان .

من الضروري والواجب البدء بتشريع الحياة السياسية وحقوق المواطنة وضبط الهدر والفساد, وإن طالبنا في هذه المرحلة بمحاربتهما فنحن نطلب المستحيل أو القبض على الريح في يوم عاصف, لأن ما وصلت إليه حالة الفساد والإفساد من درك وتردّ تحتاج إلى سنوات لمعالجتها جذرياً.

فما آلت إليه الجهات الإدارية على مختلف مواقعها واحتكاكها بحياة المواطن يومياً، تحتاج خلق قيادات شابة وتهيئتها للمستقبل, من أجل العمل لخدمة الوطن والمواطن, فالخطوة الصالحة والصادقة تهيئ لمجتمع واع ومتفاعل ومتواطن مع الحق والعدالة والمساواة, والقبول بالتوزيع العادل للحرية والثروة بين أطياف المجتمع وطبقاته الاجتماعية.

كما يجب البدء بتشريع الحياة السياسية في الترشيح لمجلس الشعب المرتقب, عبر حرية الترشيح وحرية الانتخاب, لأنه المشروع الأقرب لمعرفة نوايا السلطة باتجاه المستقبل..

إن كل خطوة بالتقرب إلى الجماهير اليوم، توفر كثيراً من الجهد والتعب، وربما الدم والخراب في المستقبل, وترفع الحواجز بين المواطن والسلطة عبر طريق واضح وصريح, ومعرفة حدود كل منهما بنزاهة ومسؤولية, فلتكن انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.

من الواجب تفعيل الحياة الديمقراطية والسياسية, وشعبنا كله أهلية لممارسة الديمقراطية, وحرية التعبير, وله عراقة في ممارسة العمل السياسي والحياة البرلمانية الحرة, سيما أنه لا يوجد بيننا في الوطن من يقبل بالمساومة على جولاننا المحتل وعروبتنا وإيماننا بالقضايا العربية، وفي طليعتها قضية فلسطين.