الجزيرة السورية .... حذار من الفتنة!

تفيد الأنباء الواردة من محافظة الحسكة عن ازدياد منسوب التوتر على أكثر من مسار، على الرغم من أن مدن المحافظة وبلداتها لم تشهد أعمال عنف كتلك التي شهدتها مناطق أخرى في البلاد، ذروة هذا التوتر الجديد تجلت في قدوم مجموعات مسلحة من خارج الحدود إلى منطقة رأس العين ومحاولة السيطرة عليها. 

وبالتوازي مع ذلك شهدت بلدات أخرى مثل عامودا وتل تمر والقحطانية والمالكية خروج الأجهزة الرسمية وحدوث فراغ في عمل السلطة الرسمية، وبدء بعض مظاهر الاحتكاك على اساس الانتماء القومي أثناء محاولة ملء الفراغ الناشئ.

 كان واضحاً للمتابع أنه تجري محاولات محمومة من قوى عديدة لتفجير الأوضاع في هذه المنطقة الحساسة في البلاد بحكم موقعها الجغرافي، وبحكم تعددها القومي والديني، وبحكم المخزون الهائل للثروات الاستراتيجية وتأثير كل ذلك على الأزمة العامة في البلاد.

محافظة الحسكة جزء لايتجزأ من سورية ومن الطبيعي أن يؤثر الوضع العام في البلاد على هذه المحافظة، وعلى هذا الأساس كما نعتقد كانت مشاركة كل التلوينات القومية والدينية في الحراك الشعبي السلمي وتوحدها خلفه، وعلى الرغم من ممارسات بعض القوى المتشددة التي حاولت أن تفرغ هذه الحركة من محتواها الوطني والديمقراطي لم تنجر المنطقة إلى العنف. ثمّ دخل السلاح إلى الحلبة، الأمر الذي قد تستفيد منه قوى دولية واقليمية وداخلية للعب بورقة التعدد الديني والقومي، في ظل تراجع إن لم نقل غياب الدور الواقعي للدولة، ومن هنا تحديداً يمكن فهم خطورة الموقف الناشىء في هذه البقعة من أرض الوطن السوري.

إن أبناء محافظة الحسكة أثبتوا عبر التاريخ وحدة المصير، إلا أن ذلك لا يمنع أن تؤثر الأوضاع العامة في البلاد والتدخلات الاقليمية والدولية بشكل سلبي على ذلك، وهذا ما يفترض من القوى الحية – وهم الأكثرية - إيجاد الأدوات المناسبة والضرورية لقطع الطريق على كل من يحاول العبث بالسلم الاهلي أو محاولة الاستئثار و الهيمنة، او الالغاء والاقصاء.

إن العمل على أساس تجاوز الانتماءات الضيقة من قومية وطائفية ودينية اليوم هي المهمة الأولى، وكذلك العمل على إزالة كل المظاهر المسلحة والحواجز داخل المدن والبلدات والقرى مسؤولية كل القوى الوطنية فيها.

ربما يكون من الصعب الحديث عن حل الاشكالات المستجدة القائمة في هذه المنطقة حلاً نهائياً، دون حل عام للأزمة في البلاد، ولكن سلوك القوى المختلفة على الأرض قد يساهم في تأجيج الأوضاع أو تهدئتها.

وضمن هذا الظرف المشحون تنتشر الاشاعات والدعايات المغرضة، ويساهم الاعلام في تهويلها وترويجها وتسويقها، الأمر الذي يزيد من حالة التوتر والقلق في الوسط الشعبي مما قد يخلق الظروف المناسبة لإثارة فتن قومية أو دينية وتصبح المحافظة ساحة لصراعات قوى لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري الحقيقية، وفي هذا السياق فإن الحديث عن المحاصصات على أساس قومي أو ديني مرفوض تماماً لأنه يعبر عن مصالح القوى التقليدية التي تحاول الحفاظ على مواقعها ومصالحها في مثل هذه الظروف، وأي نشاط شعبي غير رسمي حتى يكتب له النجاح يجب أن يكون على أساس وطني، بعيداً عن الفئوية، ويؤسس لواقع جديد يتم فيه تجاوز كل مظاهر التمييز على أساس القومية أو الدين في اطار سعي الشعب السوري من أجل انجاز عملية التغيير الوطني الشامل.

إن دولة المواطنة على أساس تعزيز الانتماء الوطني والهوية الوطنية السورية الجامعة العابرة للانتماءات الضيقة من جهة، والتي تحترم تلك الانتماءات من جهة أخرى، كفيلة بتحقيق مصالح الجميع..

إن استمرار الازمة منذ ما يقارب عشرين شهراً يؤكد عقم الخيارات التي عملت على الحسم العسكري والامني، كما أن هذا الاستمرار يؤدي إلى ظهور وافتعال تناقضات جديدة أو تضخيمها، الأمر الذي يتطلب الاسراع بالحل السياسي.

بالمعنى الموضوعي لا توجد مشكلة عند أي من التلوينات القومية والدينية مع الاخرى، فالوطن السوري هو وطن الجميع ولا يوجد ما يبرّر الانقسام والتخندق على أساس قومي أو ديني تحت أية حجة وأي مبرر، وأي سعي من أي كان في هذا الاتجاه هو سلوك  لا يستفيد منه الا تلك القوى المعادية في الخارج، وقوى الفساد ضمن النظام التي تحاول اجهاض عملية التغيير، وبعض الزعامات التقليدية هنا وهناك، والمتضرر منها هو الشعب السوري بغض النظر عن أي انتماء.