كيف ستكون الموجة الثانية من الحركة الشعبية؟
نسيب عبد الله نسيب عبد الله

كيف ستكون الموجة الثانية من الحركة الشعبية؟

بات مؤكداً أنّ العقابيل الاقتصادية للأزمة السورية جلبت زيادة في معدلات الفقر والبطالة، وهي مرشحة للزيادة في ظل استمرارها، واستمرار الفساد وازدياد النشاط التخريبي للفاسدين الكبار مستغلينَ الأزمة، ومتاجرين بضحاياها اقتصادياً وسياسياً، وانعدام أية محاسبة لهم حتى الآن، فضلاً عن الأثرياء الجدد الذين تربّحوا من الأزمة

ومع الأخذ بالاعتبار هذا الاحتقان الاقتصادي-الاجتماعي المضاف عبر عمر الأزمة إلى خزان الغضب الشعبي الموجود أصلاً قبلها، ومع تصوّر المنحى العام لتطور الأزمة الذاهب موضوعياً نحو حلّ سياسي، وانخفاض تدريجي لعنف السلاح، وصولاً إلى توقفه، يجب أن يفكر الجميع جدياً بالسؤال التالي: هل سيعود الناس إلى الشارع في موجة احتجاج جديدة، وكيف ستكون وجهتها؟

إنّ أحد المدلولات والنتائج الخطيرة للإصرار الطويل على نهج «الحلّ» العسكري-الأمني البحت لدى بعض النظام وبعض معارضته، هو أنه يعبّر عن عجز أصحابه عن نفاذ بصيرتهم في مآلات المشهد الاجتماعي إلى أبعد من تصوّر البقاء على قيد الحياة كمطلب أولي للناس المحشورين في عنق زجاجة الأزمة، والمعرضين للقتل اليومي، من باب البقاء حياً بالمعنى البيولوجي البحت. ويتوهّمون بناء على هذه المقدمة المنقوصة بأنّ مستوى الرضى الشعبي، إذا تحقق، يمكن أن يستمر طويلاً فقط بـ «إعادة الأمن والأمان» إلى الجغرافيا عبر «تطهيرها» من النظام، أو «تحريرها» من المعارضة، مختزلين بذلك الحياة البشرية إلى معناها الكمّي البحت، أي استمرار دوران عداد العمر بالأيام، مجرّدةً عن معناها النّوعي، أي مدى جودة هذه الحياة، ومستواها المعيشي وتلبية الحاجات اللازمة للتطور الشامل والمستدام للإنسان السوري مادياً وروحياً، وليس التعامل معه كرقم موصوف لأغراض سياسية ضيقة: شهيد، قتيل، شبيح، مندس، موالٍ، معارض، مسلّح، سلمي، من طائفة معينة أو من غيرها... إلخ.

إنّ العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار في المقارنة بين الموجة الأولى من الحركة الشعبية السورية، وأية موجة لاحقة قادمة، هي مايلي:

- عوامل موضوعية، تتعلق بمستوى تدهور المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية للاستقرار، من فقر وبطالة، ونسب توزيع الثروة بين الناهبين والمنهوبين في المجتمع.

- عوامل ذاتية، تتعلق بمستوى الوعي الاجتماعي والسياسي، ودرجة تنظيم الجماهير.

بالنسبة للعوامل الموضوعية، فإنها في تدهور مستمر، ليس فقط بسبب التأثيرات المباشرة للأزمة المتعلقة بالعامل الخارجي وعدوانه العسكري والاقتصادي، والحصار الأمريكي-الغربي والرجعي العربي المفروض على البلاد، بل وكذلك بسبب بنية الاقتصاد السوري، ومستوى الحريات السياسية، التي لم تكن جاهزة لأزمات كهذا، والتي تعرّضت إلى تخريب ممنهج عبر سنوات الخصخصة ورفع الدعم من جانب الحكومات السورية المتعاقبة التي طبقت اقتصاد السوق الليبرالي المتوحّش، وما رافقه من قمع للحريات بأوسع المعاني، يضاف إلى ذلك الأداء الفاشل في إدارة الأزمة من جهاز الدولة، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، والذي أدى على مدى فترة طويلة من عمرها، إلى مفاقمتها أكثر من علاجها.

العامل الذاتي لدى الحركة الشعبية، يتعلق بمستوى وعيها السابق في بداية الأزمة، وتطوراته اللاحقة، من خلال تجاربها بنجاحاتها وإخفاقاتها، وأعتقد أن عامل الوعي هذا قد تطور نحو الأفضل، وهو يتجه نحو تنظيم أعلى، تتوقف سرعته على مدى سرعة نضوج الحركة السياسية المعبرة عنه، أي على مدى سرعة تشكل الفضاء السياسي الجديد.

ومن التساؤلات المطروحة للنقاش حول أية موجة شعبية قادمة، أنه في ظل هذا التناقض بين تراجع المؤشرات الاقتصادية، وتقدّم الوعي السياسي، هل سترجح الكفة باتجاه اندلاع ما يشبه ثورة جياع وفقراء ومهمشين ومهجّرين؟ أم باتجاه موجة أكثر نضجاً وتنظيماً لحركة شعبية تحمل شحنة تقدمية أكثر منها رجعية؟

أعتقد بأنّ طريقة الحلّ السياسي التي ستتوافق عليه أطراف الأزمة عبر الحوار سيساهم في تحديد اتجاه الحركة الشعبية القادمة، من خلال تفاصيل هذا الحل في القضية الاقتصادية-الاجتماعية ونصيب الفقراء والكادحين من توزيع الثروة، ومدى الجدّية في اجتثاث الفساد الكبير. والقضية الديمقراطية، هل هي حقيقية شعبية لمصلحة المنهوبين، أم منافقة المحاصصة الطائفية بين الناهبين. والقضية الوطنية، هل المراوحة في مكان «الممانعة»، أم التقدم إلى المقاومة الشاملة حتى التحرير، أم النكوص إلى «سلام الاستلام»؟

آخر تعديل على الثلاثاء, 08 نيسان/أبريل 2014 23:35