الموضوعات والقضية الاقتصادية - الاجتماعية.. والبيئة
وسيم الدهان وسيم الدهان

الموضوعات والقضية الاقتصادية - الاجتماعية.. والبيئة

تطرق مشروع الموضوعات البرنامجية المفتوح للنقاش بحساسية مرتفعة لموضوعة «القضية الاقتصادية- الاجتماعية»، ومع التأكيد على أن أياً من النماذج التي جربتها سورية حتى الآن لم يكن الأفضل للخروج بالاقتصاد الوطني من مستنقعي «العطالة» و«التخلف»، تجدر الإشارة إلى عنصر غاب- وإن جزئياً- عن الأذهان يتعلق بمستقبل الوضع الاقتصادي- الاجتماعي في سورية برمته، وهو عنصر البيئة والحفاظ عليها بعيدةً عن التدهور وسط نظام عالمي يدفع بالكوكب كله إلى حافة الكارثة.

يلفت الانتباه إلى هذا الأمر وأهميته جملة التحذيرات الهائلة التي ما انفك العلماء يطلقونها أملاً في وقف احتضار الكوكب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك تحذير ضمني أطلقه مؤخراً علماء أمريكيون من اختفاء نحل العسل بالجملة من مختلف أنحاء العالم لأسباب مجهولة حتى الآن، وأشار العلماء في تقديمهم لبحثهم المثير للهلع إلى قول ألبرت آينشتاين: «إذا اختفى النحل عن وجه الأرض، تبقى للبشرية أربع سنوات قبل فنائها. فدون نحل لا يكون تلقيح، ودون تلقيح لا يكون نبات، ودون نبات لا يكون حيوان، ثم لا إنسان». وللسخرية فإن الأسباب المقترحة لفهم أسباب اختفاء نحل العسل لا تتعلق مباشرةً بالتغير المناخي- وهو الظاهرة الأكثر ارتباطاً بجشع النظام الرأسمالي- وإنما قد ترتبط بآليات الزراعة المستحدثة (التعديل الوراثي) وبمنتجات الصناعة الصغيرة (الهواتف الجوالة) وغيرها.

والحال هذه، فإن أي إهمال في التفاصيل، مهما صغر حجمه، قد يؤدي إلى خلل كامل في المنظومة المتوخاة، ولذلك فإن التعمق في اقتراح النموذج الاقتصادي الذي يجب حقاً أن تشارك في حوار صياغته «أوسع الأوساط في المجتمع والدولة»، يتطلب وضع خارطة المستقبل نصب الأعين للنجاة من أفخاخ التقدم التقني الذي يسهّل أحياناً النمو الاقتصادي غير الصديق للبيئة، وذلك بهدف تكريس الارتكاز على البحث العلمي «الذكي» كمقود للتحكم بانتقاء ما هو أفضل للقطاعات الاقتصادية وللمناحي الحياتية المختلفة في البلاد، بما يضمن عدم استنفاد الموارد الطبيعية- البيئية بطيئة التجدد، حتى وإن كان في ذلك خدمة لمنحى التطور الاقتصادي في بعض الأحيان؛ (مثل الأراضي الزراعية التي أنهكها جور الاستثمار في الجزيرة، والمسطحات المائية التي جففها تركز التجمعات البشرية في مناطق دون أخرى).

إن موضوعة القضية الاقتصادية- الاجتماعية تتضمن مؤشرات كبيرة الدلالة على المطلوب تكريسه لبناء واقع اقتصادي- اجتماعي صحي يضمن تشغيل قوى المجتمع الفتية ويصون حقوق العمال ويستثمر القدرات البشرية العلمية الكبيرة الهامة التي وفرها التعليم المجاني على مختلف المستويات خلال عقود. ومن نافل القول الإشارة إلى أهميته في تكريس مبدأ التوزيع العادل للثروة في حال تم إنجازه وفق التصورات الاشتراكية للعدالة، ولكن ما تجدر الإشارة إليه لتفادي أي نقص تفصيلي صغير هو ضرورة أخذ الأبعاد البيئية بعين الاعتبار، فالطاقة التي لابد من تأمينها لذوي الدخل المحدود مجاناً يجب أن تؤمّن بأكبر قدر ممكن من مصادر متجددة، والسكن الذي هو حق للجميع يجب أن يكون بيئياً من الداخل والخارج أيضاً، وأن يكون «خليةً» صغرى تساعد بتأمين الاكتفاء الذاتي من الطاقة لسكانه على الأقل.. أي باختصار يجب أن تكون البيئة أمانةً في أعناق السوريين كلهم، وهناك ضرورة لترسيخ هذا الأمر في الوعي الاجتماعي دون شك.. فلتكن البيئة «نحلة» القضية الاقتصادية الاجتماعية التي تحافظ على وجود هذه القضية في المقام الأول.. وهو أمر انتبه إليه ماركس قبل غيره، ولكن الماركسيين لم يتعاملوا معه بالجدية الكافية، ولم يستخدموه جيداً في الحرب ضد الرأسمالية رغم كل ما كان يمكن أن يحشد حوله من الأصدقاء والحلفاء، ولعلهم عدّوه من الثانويات.