الدولة المدنية سبيل الخروج من الأزمة
شاهر أحمد نصر شاهر أحمد نصر

الدولة المدنية سبيل الخروج من الأزمة

تشهد البلدانُ العربية ثوراتٍ تاريخية هامة، ستترك آثاراً على مستقبل المنطقة، وربّما العالم أجمع. ويجمع أغلب الباحثين على عدم توقع حصول هذه الثورات مسبقاً؛ إذ كانت الأنظمة العربية المتغطرسة تتغنى بالاستقرار، وتماطل، وتتعالى عن إجراء أبسط الإصلاحات التي طالبت شعوبُها بها! فما الذي فجّر هذا البركان الثوري في تونس، ومصر؟! وما الذي جعل رياحه تهب على ليبيا، واليمن، والشام؟! مع أخذ التباين في الشكل الذي يكتسبه بين دولة وأخرى!

 

لفهم طبيعة وآفاق هذه الثورات من الضروري دراسة التناقضات الحادة التي تعتمل في أعماق مجتمعاتنا، والتناقضات بين البنية التحتية، والأنظمة الحاكمة، تلك التناقضات التناحرية الحادة الشاملة والعميقة، والتي أوصلت المجتمعات العربية إلى أزمة شاملة لم تتم معالجة مسبباتها، فأدت إلى نشوب هذه الثورات.

 

التناقضات الداخلية

 تعود التناقضات الداخلية إلى الفروقات الحادة في توزيع الثروة، واحتكار السلطة، وتحويلها إلى خادمة لطغم المال الطفيلي المحدث، والمتغول، والمهيمن على صانعي القرار من السياسيين والعسكر، وتهميش غالبية أبناء المجتمع بحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية، ومن حقهم في ممارسة السياسة. وتجلى ذلك اقتصادياً في سورية، على سبيل المثال، بتعثر عملية النمو الاقتصادي منذ ثمانينيات القرن الماضي، وازدياد هذه العملية تباطؤاً لتصل إلى حوالي 2-3 % في السنة في التسعينات، وبداية القرن الواحد والعشرين.. وتراجع معدل الاستثمار العام والخاص من27% من إجمالي الناتج المحلي عام1995 إلى 9.2% عام2001، وانخفضت حصة مساهمة القطاع الخاص في مجمل الاستثمارات من 56% في عام1995 إلى 12% في عام2001، وانخفض إلى 10،9% في العام 2002. وانخفض معدل النمو في العام2002 إلى 3،2%، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط.. وأخذت معدلات التضخم تتراوح منذ منتصف التسعينات في حدود3-4% في العام، وزيادة في معدل البطالة الذي وصل إلى 30% حسب دراسة صادرة عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ومنظمة العمل العربية، في حين يقدرها البنك الدولي بحوالي 37%. ونتج عن ذلك تدهور في مستوى المعيشة ومعاناة أكثر من ثلث السكان من شظف العيش تحت خط الفقر، وللتستر على ذلك جرت عملية فبركة ومقصودة لإدخال مفاهيم ومصطلحات اقتصادية هدفها تضليل الرأي العام، والتأثير في الوعي الاجتماعي، مثل مفهوم خط الفقر للناس الذين لا يموتون جوعاً، فضلاً عن القيام بعمليات إحصائية مفبركة تعطي النتائج التي يريدها الدارس، ومنها تلك التي قامت بها هيئة تخطيط الدولة في سورية بالتنسيق مع منظمات تابعة للأمم المتحدة، والتي توصلت إلى أنّ نسبة من يعيشون دون خط الفقر 9% في عام 2004 على اعتبار أن كل مواطن يزيد دخله عن 1331 ل.س، أي أقل من دولار واحد يومياً، لن يموت من الجوع... للإيهام بأنّ غالبية المجتمع تعيش فوق خط الفقر.

ومع ازدياد الفقراء فقراً أخذ الأغنياء يزدادون غنى، وأضحت فئة لا تتجاوز 5% تحوز على أكثر من 80% من مداخيل البلاد، حسب العديد من الدراسات الاقتصادية... مما زاد التناقضات الاجتماعية والطبقية في المجتمع حدة، وخلق شريحة فقيرة أغلبها من الشباب المتعلم العاطل عن العمل جاهزة للانفجار.

وعانى مجتمعنا، فضلاً عن التناقضات الطبقية، من مشاكل سياسية اجتماعية، بعد أحداث السبعينيات، وبداية الثمانينيات، التي أخذت طابع العنف من جانب بعض التنظيمات المسلحة القريبة في توجهها الفكري من جماعة الإخوان المسلمين، راح ضحيتها الكثير من الضحايا، وخلقت جواً اجتماعياً ونفسياً ضاغطاً، وقوبلت برد فعل عنيف، خلّف جراحاً لم تندمل، وتسبب في تهجير، وهجرة الآلاف إلى خارج الوطن... وأُصدر في تلك الفترة المرسوم رقم 49 عام 1980... مما أدى إلى تراكم أحقاد وتناقضات دفينة جاهزة للانفجار إن لم تعالج بشكل سليم، وكان من الطبيعي أن يشكل المهجرون قوى معارضة تضاف إلى التناقضات التي عانى المجتمع والسلطة منها...

كما ترك إحصاء عام 1962 معاناة ومظالم حقيقية لدى فئة واسعة من أبناء المجتمع السوري، ألا وهم الإخوة الأكراد، نتيجة حرمانهم من حقوق المواطنة، فضلاً عن الحقوق الثقافية، والطبقية. وأضيفت تلك المعاناة إلى التناقضات الجمة في المجتمع السوري... والتي لم تجد معالجة...

وساهمت في ازدياد حدة التناقضات بين البنية الفوقية والبنية التحتية، البنية السياسية السائدة، المغلقة دستورياً وسياسياً بتكريسها سلطة اللون الواحد، وعبادة الفرد، وهيمنة الركود على البنى والأحزاب والمؤسسات الاجتماعية...

التناقضات الخارجية

التناقضات الخارجية في أغلب المجتمعات العربية، يكمن أساسها في عجز البنية السياسية المهيمنة، على مناهضة المشروع الصهيوني... مما زاد شكوك شعوب البلدان العربية وهواجسها حول الشعارات المناهضة للمشروع الصهيوني، مع تعاضد أصحاب الرساميل العربية المحدثة، والمهربة إلى الخارج مع الرساميل التي طالما وصفت بالمعادية... ولمّا كانت بيتوات المال الصهيونية تهيمن على أغلب تلك المصارف، فقد حصل تحالف غير معلن بين أصحاب الرساميل الداعمين لذلك المشروع، والداعمين في الوقت نفسه لحلفائهم الجدد من أصحاب الرساميل العربية الطفيلية المحدثة، بل حصل تعاون مباشر، كما هو الحال في مشروع إمداد إسرائيل بالغاز المصري، ونتيجة لمعرفة الرأسماليين العرب المحدثين بقوة حلفائهم الجدد، وهيمنتهم على مراكز القرار العالمي، فقد ازدادوا غطرسة وانفصالاً عن الواقع المحلي، بفضل ذلك الدعم، داعين إلى تطبيق مبادئ الليبرالية الجديدة التي عانت المجتمعات الغربية نفسها منها، وعلى الرغم من ذلك تمسك بعض الاقتصاديين العرب بضرورة تطبيقها في مجتمعاتنا، مما زاد التناقضات حدة في هذه المجتمعات التي تعاني من الفقر والحرمان، التي سُدّت الآفاق أمامها.

كما ازدادت التناقضات، في الوقت نفسه، بين البنية السياسية المهيمنة والمفروضة على المجتمعات العربية، ومتطلبات التطور التاريخي المعاصر، إذ امتازت تلك البنية بالجمود والانغلاق، والكبت، بينما ازدادت أهمية وضرورة الحرية في هذا العصر؛ عصر الثورة المعلوماتية والذي من أهم ميزاته: «التنوع، والحرية، والتغيير السريع والمستمر...».. وقاد تشبث الأنظمة الحاكمة بتلك البنية المغلقة ورفضها الإصلاح والتغيير إلى ازدياد حدة التناقضات بينها وبين متطلبات التطور التاريخي، وجعلها تدفع الشعوب للعيش خارج التاريخ... وأوصلت مجتمعاتها إلى أزمة خانقة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

بين تطور الأحداث في مصر،  أن مفكري وممولي المشروع الصهيوني في المنطقة سعوا تاريخياً لإقامة ومساندة أنظمة أساسها تحالف طغم عسكرية ورأسمالية فاسدة، تفرض هيمنتها في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية ترعب بواسطتها شعوبها، في محاولة للقضاء على أية جذوة مناهضة للصهيونية في داخلها، ووجدوا في مثل تلك الأنظمة كالنظام المصري، خير وسيلة لحماية إسرائيل من غضب الشعوب العربية وثوراتها... ومع هيمنة وطغيان الأجهزة الفاسدة في هذه البلدان ازداد الرأسماليون الجدد غنى، وغطرسة واستكباراً وتعنتاً، كما بينا، وازدادت، في الوقت نفسه الفروقات الطبقية حدة، وأخذت البطالة تزداد في صفوف الشباب... وفي المقابل، ساهم التطور التكنولوجي العالمي، وانتشار شبكة الانترنت الدولية في نشوء ثقافة جديدة في صفوف هؤلاء الشباب تتجاوز ثقافة الخنوع، وساهمت حالة البطالة وهذه الثقافة في تشكل فئات جديدة في المجتمعات العربية ذات ثقافة جديدة عالية، ولا تملك شيئاً، وبالتالي لا يوجد لديها إن ثارت ما تفقده، مما جعلها من حيث لا تدري فئة ثورية بامتياز، أشبه بنوع جديد من بروليتاريا ماركس الثورية... وأدى تعنت وفساد الطبقات الغنية الفاسدة الحاكمة، وانفصالها عن شعوبها، وعدم قبولها أية نصيحة للقيام بالإصلاحات السياسية الضرورية لمواكبة متطلبات العصر، وازدياد الفروقات الطبقية حدة، وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي إلى خلق حالة ثورية حاملها الأساسي شبيبة مثقفة متنورة ثورية تدعو إلى العدالة الاجتماعية، والكرامة، ومكافحة الفساد والمفسدين، وحرية الرأي والتعددية السياسية الفعلية، وبناء المجتمع على أسس متحضرة سليمة... وأدى تجاهل الحكومات لدعوات ونصائح الغيورين على الوطن لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، إلى اندلاع لهيب الثورة...

الأزمة.. التراكم التاريخي

... أسباب الأزمة التي تعصف بمجتمعنا، كما الدعوة لمعالجتها، ليست حديثة، فقد أخذت ترتفع أصوات العقلانيين الغيورين والمهتمين بمصالح الشعب والوطن منذ أواخر القرن الماضي، منادية بضرورة إصلاح البنية السائدة لمعالجة الأزمة التي تكبل المجتمع، أما الرد على تلك الأصوات العقلانية الغيورة، وعلى متطلبات الإصلاح فقد اتصف بالتالي:

ـ تجاهل تلك النداءات جميعها، وتجاهل وجود أزمة، والعنجهية والغطرسة في التعامل مع دعاة الإصلاح، والتسويف، واللعب على الوقت، والممارسة العملية التي تتناقض مع التصريحات، والمماطلة في إصدار القوانين الضرورية للإصلاح. لنأخذ على سبيل المثال كيفية اللعب على مسألة إصدار قانون الأحزاب السياسية؛ فمن المعروف أنّه جرى الحديث عن ضرورة إصدار قانون الأحزاب منذ عام 2001، ولكنّه لم ير النور إلا بعد انفجار الأزمة في عام 2011. وهكذا أخذت تنعدم الثقة شيئاً فشيئاً بين المواطن وبين الجهات الرسمية..

ـ شُنّت حملة شرسة ضد المنادين بالإصلاح، واتهموا بـ«التخريب»، والخيانة والعمالة وخدمة المشروع الصهيوني.. بحجة أن من يدعو للإصلاح والتغيير سيتسبب في انهيار الأنظمة التي تواجه المشروع الصهيوني!!

ـ وجرى التمسك بحالة الطوارئ والقوانين والأحكام العرفية، لتخلق أجواء الرعب والخوف في نفوس المواطنين، وتم التعامل بأسلوب عنيف مع من يدعو لإلغائها.

  ولم تخفق هذه الإجراءات والتصرفات في معالجة التناقضات الداخلية في المجتمع، ولم تحل الأزمة، فحسب، بل زادتها تفاقماً وأججتها...

وتكاتفت مجمل الظروف والعوامل الداخلية والخارجية والتاريخية، ومنها تداعيات رياح الحرية والتغيير في تونس ومصر، لتخلق بيئة وعوامل جديدة تساهم في تعزيز الروابط بين القوى الكامنة في المجتمع، والمتضررة من السلطة المطلقة، وتمنحها القوة والجرأة للتعبير عن نفسها، فنشأ حراك شعبي ذو طابع ديمقراطي ثوري، يطالب بتغيير البنية المغلقة، وإشاعة أجواء الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية...  

اعترفت الجهات الرسمية بشرعية مطالب الحراك الشعبي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولما كانت هذه المطالب المشروعة تهدد مصالح المتضررين من الإصلاح والتغيير، فقد أخذوا يسعون بكل ما أتوا من قوة لوقف هذه المطالبات والالتفاف عليها، مما زاد في تفاقم الأزمة وعمق حدتها...

وأدى التباطؤ في إعلان القوانين والإجراءات الإصلاحية، التي عرقلتها القوى المتضررة من الإصلاح، فضلاً عن استشهاد العدد الكبير من أبناء الوطن من المدنيين والعسكريين، إلى زيادة أهمية وضرورة الدعوة لإعمال العقل، ولتعزيز عوامل الغيرة الوطنية للتسريع في العملية السياسية التي تقود إلى التغيير والخروج من الأزمة.

الخروج من الأزمة

ويبقى السؤال الأساسي والجوهري: ما سبيل الخروج من هذه الأزمة، وكيف يمكن إنقاذ الوطن؟ وفي هذا المجال نرى ما يلي:

ـ تكمن المهمة الأساسية في إنقاذ الوطن، وحماية أرواح أبنائه، ومقدراته ـ والتي لن تلبى بالتمني ـ في الإقرار بوجود أزمة، والاعتراف بجميع الأطراف الفاعلة فيها، وإعادة الثقة بين أطراف المجتمع والدولة، واعتماد إجراءات عملية ملموسة لمعالجة التناقضات التناحرية الحادة التي تعصف بالمجتمع والدولة، فالمهمة الأساسية للدولة القانونية هي معالجة التناقضات في المجتمع ومنع وصولها إلى الحالة التناحرية؛ ولا يتم ذلك إلاّ بأيدي أبناء الوطن سلمياً، وليس باستخدام السلاح، ويتم ذلك سياسياً وليس أمنياً، ولا بالتدخل الخارجي...

إن معالجة أسباب الأزمة أمر ضروري للخروج منها. ولمّا كان تلك الأسباب متعددة: اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، ويكمن جوهرها في البنية السياسية القاصرة عن تلبية متطلبات العصر والتي تعيق التطور والتقدم، فمن الضروري مع الإقرار بوجود أزمة، تبني خطة مشتركة تشارك المعارضة في وضعها مع جدول زمني للبدء بتغيير البنية السياسية، لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وأن تعلن صراحة المبادئ التي تقوم عليها الدولة المدنية القانونية؛ والتي أساسها رضا وقبول أبناء المجتمع، والتداول السلمي لها، والمساواة القانونية والحرية، وتسمح لمؤسسات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات بالتفتح والتطور، كي تبنى دولة لجميع أبنائها، في بنية سياسية تعددية وحرة. ومن البديهي أنّ رضى وقبول أبناء المجتمع بالسلطة الحاكمة ركن أساسي من أركان الدولة، ولا تستطيع أية دولة أن تفرض سلطتها بالقوة من غير رضى أبنائها، ومن الخطأ القيام بذلك...

ـ وتتطلب مسألة معالجة الأزمة المحدقة بالبلاد الإعلان عن مرحلة انتقالية لمدة محددة تسود خلالها أجواء الحرية، وتعيد الثقة بين جميع الأطراف في المجتمع والدولة، ولإعادة هذه الثقة من الضروري أن تقر السلطة أنّ الحرية وعملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية هي حجر الزاوية في معالجة الأزمة التي تعصف بالبلاد، وهي مسؤولة عن تأمين وضمان وحماية هذه الحرية، ويعزز إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، ومعتقلي الحراك الشعبي الذين لم يستخدموا السلاح، وفسح المجال أمام جميع أبناء الوطن في الخارج أن يعودوا إلى الوطن، ومعالجة قضاياهم بشكل عادل، يعزز تلك الثقة، مع التأكيد على أنّ الفضل في رؤية المستقبل المشرق لسورية، وتحويل هذه الرؤية إلى مشروع عمل يعود إلى الحراك الشعبي الذي بدأ في 15 آذار، وأنّه لا مجال للعودة إلى الوراء، ولا سبيل للدعوة إلى إيقاف هذا الحراك، ولا إيقاف التظاهر السلمي، قبل تحقيق متطلبات التغيير الأساسية. كما أنّه من الضروري الإقرار بأنّ الحل الأمني تعبير عن فشل النهج السياسي، ولن يحلّ الأزمة السياسية الراهنة، بل تكمن في طياته مخاطر جمة. ومع التأكيد على إدانة استخدام السلاح ضد المدنيين والعسكريين من أية جهة كانت، فإن الوفاء لدماء الشهداء من الشعب والجيش يتطلب تشكيل لجان تحقيق نزيهة ومحايدة تضم في صفوفها ممثلين عن الحراك الشعبي، لإجلاء الحقيقة، ومعاقبة المتسببين، ولردع من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية. ومن الضروري معالجة قضية اللاجئين إلى خارج البلاد بالتنسيق معهم وتلبية طلباتهم المشروعة. وفي سبيل كبح الأساليب والتصورات الطائشة والسكرى، لابد من إعلاء صوت العقل والضمير الوطني الغيور، ولن تحل الأزمة حتى يسود صوت العقل. 

 ـ ومن الضروري أن تدشن المرحلة الانتقالية بإلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تقيد النشاط السياسي لجميع فئات الشعب، بما فيها المرسوم 49 لعام 1980، وتلك القوانين التي تحمي أية جهة أمنية وغيرها وتمنع مساءلتها القانونية عن الإساءة للمواطنين، أي "تفكيك الدولة الأمنية"، كما يقول الدكتور طيب تيزيني، ومن الضروري أن يعلن في هذه المرحلة تعليق العمل بمواد الدستور التي تعيق التعددية السياسية...

ـ من الضروري أن تعلن جميع الأطراف بشكل صريح عن أهمية وضرورة وجود المعارضة، واحترام جميع مكوناتها الوطنية، وأنّ المعارضة عنوان الأوطان، يسمح لها أن تتشكل بشكل حر، ولا يحق لأية جهة التدخل في شؤونها، وتفتح أمامها وسائل الإعلام والنشر لتعبر عن ذاتها، والإقرار بأهمية وضرورة المعارضة يعني الافتراق نهائياً مع عبادة الفرد، وما يرافق ذلك من شعارات، وممارسات، وغيرها، والتعود على قبول النقد، وسماع الرأي الآخر الذي قد لا يروق للكثيرين... كما أنّه من الضروري الاعتراف في المرحلة الانتقالية بأهمية الحراك الشعبي السلمي الذي يعد شكلاً من أشكال المعارضة السلمية، يعود إليه الفضل في إقرار السلطة بضرورة القيام بالتغيير السياسي نحو الدولة المدنية الديمقراطية، وهو أحد ضمانات التغيير السياسي، والتأكيد على حماية هذا الحراك الشعبي ذي الطابع السلمي حتى تتحقق متطلبات الانتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة. وعدم تقييده خلال المرحلة الانتقالية بأية قيود غير الالتزام بالطابع السلمي. ويتم في هذه المرحلة تشكل التنظيمات والأحزاب السياسية بشكل حر، وسلمي دون أية قيود...

ـ ومع تبلور وتشكل وتنظيم القوى، والتنظيمات الوطنية المعارضة، تُطرح مسودات مشاريع القوانين، ودستور الدولة المدنية الديمقراطية للنقاش العام؛ ويشمل هذا النقاش تعديل قانوني: الأحزاب، والانتخابات اللذين صدرا منذ مدة قريبة.

ـ تتوج المرحلة الانتقالية بتشكيل جمعية تأسيسية مؤقتة، تشرف على تنظيم شؤونها والدعوة لعقد اجتماعاتها لجنة يحدد أعضاؤها من قبل قوى المعارضة، وممثلي الحراك الشعبي، وممثلي الحكومة، معاً وبالتساوي، وتقوم هذه اللجنة بتحديد أعضاء الجمعية التأسيسية المؤقتة، لتضم ممثلين عن قوى المعارضة، وممثلي الحراك الشعبي، وممثلي أحزاب الحكومة بالتساوي، وتعقد هذه الجمعية اجتماعاتها في نهاية المرحلة الانتقالية، وتعتمد  مشروع الدستور الجديد ومشاريع قوانين الدولة المدنية الديمقراطية وعرضها على الاستفتاء العام. ليتم إجراءات الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساسها، بعد مدة يتفق عليها من تاريخ إقرارها، وتنتهي مهام الجمعية التأسيسية مع انتهاء عملية انتخاب البرلمان الجديد.

هذا هو سبيل التغيير والانتقال السلمي إلى بنية الدولة السياسية الاقتصادية العادلة الجديدة التي يطمح الشعب في الارتقاء إليها.

• (مقتطفات من نص محاضرة ألقيت في مبنى اتحاد الكتاب العرب بطرطوس بتاريخ 10/10/2011)