أوهام «الحسم- الإسقاط».. واستعصاء جنيف

أوهام «الحسم- الإسقاط».. واستعصاء جنيف

على مدى جولتين، لا يزال «التفاوض» في مؤتمر «جنيف-2» منفصلاً عن الواقع، وعن الشعب السوري. فبالإضافة إلى الخلل الذي جاء مع انطلاق أعمال هذا المؤتمر، والمتمثّل بغياب المعارضة الوطنيّة عنه، يستمرّ الطرفان المتقابلان في محاولة وأد حل سياسي حقيقيّ للأزمة السورية، من خلال السعي لاختزال هذا الحلّ بأحد الجانبين: إمّا «مكافحة الإرهاب» أو «مرحلة انتقالية» ! 

في البداية، لا بدّ من التذكير بأن الحياة، أو الواقع الموضوعي، هي التي فرضت عمليّة «جنيف-2»، وعرّفتها كثلاث عمليات مترابطة، تشكّل الأدوات المتكاملة للحل السياسي للأزمة السورية، وهي: وقف العنف، ووقف التدخل الخارجي، وإطلاق العمليّة السياسية. وجاء هذا التعريف بعد سلسلة محاولات وتجارب طويلة ومؤلمة لحلّ الأزمة السورية بالطرق العسكرية، بأحد الاتجاهين: «الحسم العسكري» أو «إسقاط النظام». ونتيجة لفشل هذين الطريقين في تحقيق اهدافهما، جاء الحل السياسي مخرجاً إجبارياً ووحيداً من الأزمة السورية. وبالتالي من الضروري التنبّه إلى أنّ النظام والمعارضة الخارجية قد ذهبا إلى الحل السياسي، الذي أنجبه الواقع، ولم يقم أياً منهما بابتداعه أو فرضه على الطرف الآخر..

واليوم، وبعد انعقاد جولتين من مؤتمر «جنيف-2» في مدينة مونترو السويسرية، يشي سلوك وخطاب وفدي الحكومة وإتلاف الدوحة بأن الطرفين لم يتخليا عن برنامجيهما في طريق الخروج من الأزمة، بمعنى أن عقلية الحلول العسكرية لا تزال مسيطرة على ما يطرحانه، ولكن الأمر المختلف هذه المرّة هو أن تلك البرامج تطرح اليوم على طاولة المفاوضات، التي كان مزمعاً أن يطرح عليها برنامج الحل السياسي، بنقاطه الثلاث المتكاملة و المذكورة آنفاً. أما  قيام كل طرف بالتشديد على نقطة محدّدة من بيان «جنيف-1» دون النقاط الأخرى، فلا يزال الوفد الحكومي يشدّد على بند «مكافحة الإرهاب» مع مواصلة إرسال الإشارات السياسية والإعلامية، الضمنيّة والمعلنة، التي ينفي فيها، أو يقلل، إمكانية الذهاب إلى العمليّة السياسية. في حين أنّ يقوم وفد ائتلاف الدوحة بعملية معاكسة، فيصر على بند «السلطة الانتقالية» رافضاً مناقشة مسألة وقف التدخّل الخارجي أو حتّى إدانة أو الإشارة إلى إرهاب الجماعات التكفيرية، التي يشكّل المسلّحون الأجانب قوامها الأساسي.

«مكافحة الإرهاب» بدون عملية سياسية

لا نعتقد أ نه يمكن النجاح في مكافحة الإرهاب بدون أن تترافق مع عملية سياسية جدية، يكون المجال مفتوحاً فيه أمام السوريين – كل السوريين – بما فيه المسلحين الراغبين بالحل السياسي، لابل يمكن القول انه من غير الممكن مواجهة قوى الارهاب والتكفير القادمة من الخارج دون عملية سياسية تدكون مدخلاً لانخراط كل السوريين بما فيها المسلحين ضد تلك القوى، وبالتالي تتكامل المعطيات الكفيلة بلجم الارهاب، وتتهيء الإرضية المناسبة للانتصار على الإرهاب القادم من الخارج، فمن جهة إيقاف الدعم والتمويل الخارجي، ومن جهة تأمين أوسع وحدة وطنية بين السوريين.  

«مرحلة انتقالية» بدون وقف تدخّل خارجي

يرفض وفد ائتلاف الدوحة وقف التدخّل العسكري الخارجي للإبقاء على الأقنية التي لطالما شكّلت له الرافعة والوزن السياسي، الذي يفتقده في أوساط الشعب السوري، فضلاً عن أنّه ينفّذ بذلك الخط الذي رسمته له أمريكا. وإذا تحقّق شعاره «مرحلة انتقالية» قبل توقف التدخّل الخارجي في الأزمة السورية، فإن ذلك يعني استمراراً لترجمةً الصراع الدولي العسكري والسياسي على الأراضي السورية، وبقاء ملف الأزمة السورية في إطار التدويل، بما يعني فعلياً بقاء الأزمة السوريّة بدون حلّ، ولاسيما مع استمرار تجاهل الاعتراف بالجهة الحاملة الشرعية والوحيدة للسلاح، أي الجيش العربي السوري، وغضّ النظر عن ضرورة مواجهة وطرد المسلّحين الأجانب والمتشدّدين. كل هذا يعني أن لا عملية سياسية، بل محاولة إدخال شعار «إسقاط النظام» من شباك «جنيف-2».