جنيف2 والإرهاب.. ملاحظات أولية

جنيف2 والإرهاب.. ملاحظات أولية

على خلفية الحدث الآني في جنيف2 الذي انتهت الجولة الأولى من فعالياته، برز النزاع حول الأولويات، من طرح النظام  المختزل لكل الأزمة الوطنية العميقة بالإرهاب وحده من جهة، ورفض ائتلاف الدوحة لذلك بداية، وتمسكه باختزال الأزمة إلى «نقل السلطة» إليه، ثم انتقاله تالياً إلى المنطق الأمريكي-السعودي بأنّه إن كان لا بد من طرح الإرهاب، فليكن طرحاً مشوهاً مفيداً لمحاولة الانتقام من المقاومة من جهة، واستمرار الغطاء السياسي للتكفيريين لأطول أمد ممكن، لصالح الجزء الفاشي من الإدارة الأمريكية وأدواته الإقليمية وعلى رأسها السعودية، بوصف هذا لجزء اليوم رأس حربة الإمبريالية المأزومة والمخنوقة بشدة، مقابل صعود قطب الشعوب المناهض لها.

اختلفت الآراء المتعلقة بالإرهاب وما هيته، ومكوناته، ودوره في الأزمة السورية وموقعه في سلم الأولويات وكيفية القضاء عليه...فالبنسبة للنظام:  

- الحديث عن وجود الإرهاب، منذ انطلاق التظاهرات السلمية الأولى، بوصفه المبرر لقمعها، والمعزز لفكرة «المؤامرة» بالصيغة التي يطرحها النظام، وعدم التمييز بين الاحتجاج السلمي كحق مشروع وبين القوى الدخيلة عليه كأول أشكال التدخل الخارجي العسكري برعاية أمريكا وأدواتها الإقليمية، ابتداءً من إدخال «الجهاديين التكفيريين» من الخاصرة الشمالية للبلاد.

- الحديث عن الإرهاب وكأنه ظاهرة «عسكرية» بحتة متعلقة بمشكلة بنية فوقية متخلفة ومحاولة فصله عن الجوهر والأساس الاقتصادي- الاجتماعي المولد لكل من الإرهاب والتطرف والتخلف، ولاسيما المرتبط بنتائج السياسات الليبرالية الجديدة (اقتصاد السوق الاجتماعي) التي بدأتها الحكومات السورية منذ مطلع القرن الجديد، واشتدت بخاصة من العام 2005، وما أنتجته من فقر وتهميش كبيئة حاضنة لكل أشكال التطرف.

- والأخطر هو تحجيم خطر «الإرهاب» من خلال اختزاله بالوهابية، ما يعني عدم التركيز بالقدر الكافي على الفاشية الأمريكية المولدة لكل إرهاب، وما يعني أيضاً تحجيماً لقراءة الصراع العالمي الحقيقي باتجاه صراع إقليمي ذي إحداثيات شكلية طائفية..  

المعارضة والإرهاب

بالمقابل وقفت المعارضات السورية مواقف متباينة من مسألة «الإرهاب»:

- فائتلاف الدوحة وقبله مجلس اسطنبول، اللذان تم إنشاؤهما أصلاً كغطاء سياسي لتمرير التدخل الخارجي الأمريكي - الغربي، بأدوات إقليمية، بدأا بإنكار وجود الإرهاب بالمطلق في بداية الأمر، ثم الاعتراف بأشكاله مع محاولة إسناد مضمون غير إرهابي لها بحجة أنها «دعم للثورة» ومكمل للقوة «الذاتية الداخلية» للعنف المسلح الداخلي، وفي أحسن الأحوال اتهام النظام بأنه السبب الوحيد لكل إرهاب وبالتالي تأمين تغطية للإرهاب الدولي بأيادي «سورية».

- ثم الاعتراف بالإرهاب التكفيري، وطرح المفاضلة بين تنظيماته في لعبة تبادل الأدوار، لإظهار أحدها «معتدل» بالنسبة لآخر «متطرف»، لتبرير الدعم المالي والعسكري المستمر لهذا الفصيل أو ذاك..

- وعندما لم يعد ممكناً الاستمرار في التغطية والتبرير لجرائم تلك التنظيمات ومجازرها، التي بدأت تتصاعد ضدها مظاهرات شعبية داخل المناطق الساخنة المحاصرة نفسها، أخذ الائتلاف يحاول النأي الشكلي بنفسه عن ذلك الإرهاب، والرد على الاتهام بمثله، وليحصر الإرهاب بـ«داعش» بما يفيد غض النظر عن كونها إحدى أشكال الإرهاب الدولي العديدة.

- اقتناص فرصة تدخل حزب الله للعب على الوتر الصهيوني-الأمريكي الخليجي القديم في الخلط بين المقاومة والإرهاب، إرضاءً للمعسكر الراعي للائتلاف.

أما هيئة التنسيق فظلت فريسة مواقفها متناقضة بين «لا للعنف» مع غض نظرها عن عنف «الجيش الحر»!، و«لا للتدخل الخارجي» مع «لا للفيتو الروسي-الصيني»!

في حين أصر «ائتلاف قوى التغيير السلمي» المعارض على أنّه لا يمكن الانتصار على الهجمة الإرهابية ضدّ سورية الوطن والشعب، بوصفها نوعاً من الفاشية الجديدة، المدفوعة من القوى الإجرامية لرأس المال المالي العالمي، سوى عبر التحلي بالمسؤولية الوطنية العالية، لرصّ الصف الوطني الداخلي بكافة مكوناته الشعبية والسياسية (المعارضة والموالية) ضدّ الإرهاب الخارجي، الأمر الذي يتطلب في نفس الوقت العمل على إيقاف العنف الداخلي بين السوريين. ومن هنا كانت نظرته هي أن الذهاب إلى المؤتمر الدولي خيار ضروري ووحيد لفتح الباب أمام إنجاز هاتين المهمتين، اللتان يرى أنهما بدورهما شرطان أوليان ضروريان لانطلاق عملية سياسية سلمية تفضي إلى التغيير الوطني الجذري الحقيقي.