جميل: كل سياسي جدي لا يركز على إنهاء الكارثة الإنسانية في سورية سيعاقبه الشعب بالنهاية

جميل: كل سياسي جدي لا يركز على إنهاء الكارثة الإنسانية في سورية سيعاقبه الشعب بالنهاية

استضافت قناة «العربية» مساء الثلاثاء 4/2/2014 عبر الأقمار الصناعية من موسكو الرفيق قدري جميل، عضو قيادة ائتلاف قوى التغيير السلمي، ورئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، أمين حزب الإرادة الشعبية، وتناولت في أسئلتها آخر التطورات السياسية في المشهد السوري، ولاسيما تحضيرات الجولة الثانية من المؤتمر الدولي الخاص بسورية، «جنيف2»، حيث كان الحوار التالي:

السيد قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية وعضو قيادة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير ونائب رئيس مجلس الوزراء السوري سابقاً أهلاً بكم معنا في «حدث اليوم». وأبدأ مما كنا نستمع إليه قبل قليل من مراسلنا في موسكو عما جرى من استقبال لوفد الائتلاف الوطني المعارض في قصر الضيافة في روسيا الذي لا يفتح عادة إلا لوزراء الخارجية، و(كذلك حول) الاجتماعات ما بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والائتلاف المعارض والتي استمرت لأكثر من أربع ساعات، والنبرة واللهجة المختلفتين قليلاً، هل نحن أمام تغيّر في العلاقة ما بين الائتلاف المعارض وروسيا؟

نحن يسرنا كجبهة شعبية وائتلاف قوى التغيير السلمي في معارضة الداخل أي تقارب بين الأصدقاء الروس وأي طرف معارض آخر، وما جرى اليوم هي شيء هام جداً حتى ولو لم نستطع تسميته اختراقاً، ولكن عملياً جرى اليوم تنفيذ الدعوة المقدمة من الروس منذ فترة لا بأس بها وهذا شيء جيد. هذا أولاً، وثانياً، أنتم تعلمون العلاقة التاريخية الطويلة بيننا في سورية وبين الروس، وهم يحتفون دائماً بضيوفهم، فنحن مثلاً في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير أتينا مرات عدة وتم استقبالنا مرتين في قصر الضيافة إحداهما بوجود السيد لافروف والأخرى بوجود السيد بوغدانوف، وعادة ما تجري جلسات غداء عمل في هذا القصر، لذلك فأعتقد أن معلومات مراسلكم في روسيا ضعيفة قليلاً فيما يخص التعامل الروسي مع مختلف أطياف المعارضة، ونحن لم نشعر بالغيرة من استقبال وفد الائتلاف في قصر الضيافة بل سررنا لأن هذا الأمر من شأنه أن يضع الأساس لتفاهمات وتوافقات يجب أن تجري في المستقبل المنظور، وأقول هذا لكي تفهمونا بشكل صحيح.

أستاذ قدري، نحن هنا لا نتحدث عن غيرة أو تعامل مختلف، ولكن الحقيقة أنه من المعروف للقاصي والداني بأن موسكو هي حليفة النظام في دمشق، ومن اللافت أن تتعامل بطريقة– بروتوكولياً– كما تتعامل مع وفود رسمية، مع وفد معارض لحليفها السياسي الموجود في دمشق، ما رأيكم بهذا في حزب الإرادة الشعبية؟

إن قراءتي لما جرى هي أن وفد الائتلاف قد عُومل كما عُوملت وفود المعارضة التي أتت سابقاً وهذا شيء جيد ويجب أن يستمر.

كيف يمكننا أن نصنّف وفود المعارضة السابقة سيد قدري؟

ليس السابقة بل التي أتت سابقاً إلى موسكو.

حسناً، لماذا أتت وفود المعارضة السابقة، ألا ترى أن هناك اختلافاً كبيراً جداً ما بين ..

دعني أصحح، أنا لم أقل المعارضة السابقة، المعارضة حالية ونحن قمنا حتى الآن بخمس زيارات إلى موسكو وقلت لك آنفاً كيف تم الاحتفاء بنا، وبالتالي فأنا لا أرى أين تكمن المشكلة في هذا الموضوع، ولماذا يتم التركيز على هذه النقطة!

لا توجد مشكلة سيد قدري، المسألة هي النظر إلى التغيّر في العلاقة ما بين روسيا والائتلاف قبيل الجولة الثانية من المفاوضات في مؤتمر جنيف 2..؟

لقد قام الروس بدعوة الائتلاف إلى موسكو منذ ما قبل مؤتمر جنيف، لذلك.. السؤال يجب أن يُقلب ليصبح: لماذا تغيّر موقف الائتلاف من موسكو؟ وهذا السؤال يجب أن يُسأل للائتلاف وليس لي، كما يجب أن يُسأل للروس لأنهم هم من يجيبون عن أنفسهم.

حسناً، كونك سورياً ومن أحد مكونات الطيف السوري، هل تعتبر أن الائتلاف غيّر بالفعل موقفه من روسيا؟

أعتقد أن جميع الأطراف تُجري اليوم عملية تقييم وإعادة تقييم- وقد قلت سابقاً بأن هذا الأمر مطلوب من الحكومات والأحزاب والفضائيات- لما جرى في سورية. مثلاً القرار الملكي الذي صدر البارحة في السعودية الذي يمنع المقاتلين من العمل خارج الأراضي السعودية ومحاسبتهم أليس هذا تطوراً إيجابياً سيؤثر على مجرى الأزمة السورية؟ والأمريكيون الذي كانوا يريدون أن يضربوا سورية توقفوا عن ضربها عسكرياً. بمعنى آخر، هناك حقيقة تشق طريقها وقد تحدثنا عنها باكراً، وهي أن الحسم العسكري في سورية مستحيل وبأن الضحية الوحيدة لاستمرار العناد في الحسم العسكري عند هذا الطرف أو ذاك هو الشعب السوري الذي يحتاج إلى إغاثة إنسانية، وهذه هي القضية الكبرى التي يجب أن يتم التركيز عليها اليوم.

سيد قدري، إذا كان حزب الإرادة الشعبية يوجّه انتقاداته إلى هذا الطرف وذاك، فما هي رؤيته للحل؟

الحوار والمصالحة الوطنية، لذلك فأنا مع الاقتراح الروسي- وهو بالمناسبة ليس روسياً محضاً- بتشكيل لجان فرعية، لأنه وكما تعلمون فإن أي مؤتمر دولي جدي ولكي يصل إلى نتائج عليه أن يشكل لجانه المختصة لتعميق أي قضية وتحويل الأمور إلى لجان مختصة ومن ثم يؤخذ قرار في الاجتماع العام، لكي لا يبقى الموضوع كلاماً عاماً. وأعتقد أن أهم لجنة يجب تشكيلها في هذا المؤتمر هي لجنة المصالحة الوطنية التي يجب أن تشق طريقها، ونحن أول من رفع رايتها، ونحن مسرورن اليوم بأن قوى كثيرة تنضم عملياً إلى هذا الموقف، هذا أولاً. ثانياً، عندما تم الحديث عن جنيف2 تحدث الروس وأطراف دولية أخرى عن أنه من الممكن أن ينقسم هذا المؤتمر إلى لجان، لذلك فأنا لست أفهم هذه المبالغة وهذا التخوف من الحديث عن موضوع اللجان الفرعية التي يمكن أن تبحث قضايا تخصصية. لدينا موضوع المصالحة الوطنية وموضوع الإغاثة وموضوع المعتقلين وموضوع المختطفين وموضوع الإرهاب من الخارج وعشرات القضايا التي لا يمكن أن تُبحث في مكان واحد وجلسة واحدة، حيث أنها تحتاج لتخصصات، ومن ثم يجري أخذ القرارات بشكل نهائي في الجلسة العامة التي يجب أن تُمثّل بها كل أطياف المعارضة، ونحن اليوم مسرورن أيضاً من أن جميع الذين كانواً يشكّون بضرورة تمثيل كل أطياف المعارضة أصبحوا اليوم قريبين من هذه الفكرة، فالأمريكيون يتحدثون بهذا الموضوع حالياً إضافة إلى المعارضة الخارجية التي كانت تضع «فيتو» على هذا الأمر حيث أن هذا «الفيتو» قد خفّ كثيراً، وبالتالي فإننا نرى حلحلة في الجو عند قوى إقليمية وداخلية، ونرجو أن تسير الأمور بخير وأن يؤدي مؤتمر جنيف المهمة المطلوبة منه.

ربما تُلمس هذه الحلحلة التي تحدثت عنها أيضاً عند الجانب الروسي حليف النظام السوري لناحية الحديث مع المعارضة حول موضوع هيئة الحكم الانتقالية، فهل هذا ما يجري التحضير له؟ أي إن كل هذا الجو من الحلحلة قد يفضي في الجولة المقبلة من المؤتمر إلى هيئة حكم انتقالية تمهّد لرحيل بشار الأسد؟

أولاً، يجب عدم اختصار جنيف1 بهيئة الحكم الانتقالية. ثانياً، يجب تفسير معنى هيئة الحكم الانتقالية لأنها غير مفسرة في نص جنيف1، وهذا التفسير يحتاج إلى توافق. بالنسبة لرأيي الشخصي، يمكن أن تكون حكومة وحدة وطنية مصغرة هي المقصودة في جنيف1، هذا تفسير واجتهادات.

وماذا بالنسبة للصلاحيات؟

طبعاً، فالحديث المقصود هو حول الصلاحيات، وبالتالي فإن المهم ليس الاسم أو العدد، بل الصلاحيات هي المهمة ولذلك فإن هذه القضية بحاجة إلى حديث ولا يمكن أن تجري إلا بالتوافق، والتوافق يعني أن تقدّم جميع الأطراف التنازلات اللازمة للوصول إلى النتيجة المطلوبة وهي إيقاف الإرهاب الخارجي وإيقاف العنف الداخلي والبدء بعملية سياسية جدية توصل سورية إلى التغيير الديموقراطي الوطني الجذري الشامل المنشود. هذه هي مهمات الهيئة الانتقالية وهذا هو المطلوب اليوم.

هناك نقطة جرى الحديث عنها اليوم في موسكو وهي مسألة توسيع وفد المعارضة المفاوض في جنيف، أنتم ما تصوركم لهذه النقطة؟ وما هي مطالبكم؟

نحن تحدثنا ومنذ البدء مع الأصدقاء الروس ومع الراعي الدولي الثاني المتمثل بالأمريكيين وقلنا لهم بأننا ناضلنا خلال سنوات وسنوات لكي تتغير المادة الثامنة القديمة من الدستور السوري والتي كانت تقول بالحزب القائد، أفيعقل الآن أن يأتي إلينا ويُنصّب علينا حزب قائد جديد وزعيم للمعارضة؟! المعارضة في سورية تعددية بطبيعتها، لذا يجب تمثيل كل أطراف المعارضة، وإن احتكار حق تمثيل المعارضة من طرف ما سيؤدي إلى إجهاض مؤتمر جنيف، في حين أن إنجاح مؤتمر جنيف2 يتطلب تمثيل كل أطياف المعارضة.

سيد قدري، هل تعدّون أنفسكم وحزبكم من المعارضة السورية؟

دائماً وأبداً وقبل الأحداث بعشر سنوات، وإذا لم تكونوا تروننا بكاميرا «العربية» فهذا لا يعني بأننا لسنا معارضة، إن الشعب السوري يرانا.

لا أبداً، بدليل أنك حاضر معنا اليوم يا أستاذ قدري..

اليوم.. بعد ثلاث سنين من الأزمة السورية! وهذا شيء جيد، فالأفضل أن تأتي متأخراً من ألا تأتي أبداً.

نحن لا نغيّب أحداً أستاذ قدري، ويبلغني الآن الزملاء بالكونترول أنه تم الاتصال بك بالأسبوع الماضي..

لقد طُلبت مرتين في الأسبوع الماضي لكني تريّثت إلى اليوم.

لماذا؟ طالما أنه لديكم ما تقولونه كمعارضة وترفضون أن يُنصّب عليكم حزب ناطق باسم المعارضة كما تقول، فلماذا تبتعدون عن التصريح وتتريثون؟

هذه القضية أنا أقدّرها، وأنا أحدد متى أصرّح ولا أصرّح، ولا يملي عليّ أحدٌ شيئاً. لقد رأيت أنه من المناسب الآن أن أدلي بتصريح بسبب وجود أمور جديدة تتطلب الإدلاء بوجهة نظرنا، فنحن لسنا جماعة «تعا تعا.. روح روح»..!!

من تقصد هنا؟

أقصد النظام والمعارضة الخارجية، حيث أن قسماً من النظام وقسماً من هذه المعارضة معتادون على التعامل مع الناس بطريقة «تعا تعا.. روح روح» ونحن لسنا كذلك، نحن قرارنا من رأسنا ولا أحد يُملي علينا...

لهذا السبب سألتك أستاذ قدري إن كنتم تعتبرون أنفسكم من المعارضة، فإذا كنت عاتباً على النظام وعلى المعارضة الخارجية، فأين تضع السيد قدري جميل وحزبه؟

كلمة «عاتب» قليلة، أنا معارض للنظام بسياساته الاقتصادية والاجتماعية وببنيته السياسية، ومعارض للمعارضة الخارجية بمطالبها السابقة للتدخل الخارجي والتي بدأت لحسن الحظ تقلع عنها شيئاً فشيئاً. نحن المعارضة الحقيقية التي ترفض التدخل الخارجي وتريد التغيير الداخلي. لقد انتهينا من نغمة أن مقدار المعارضة هو مقدار استدعاء التدخل الخارجي، فنحن في سورية كمعارضة وطنية فرضنا نموذجاً جديداً يختلف عن النماذج التي سبقت في العراق وليبيا ويوغسلافيا.

أعود إلى مسألة توسيع المعارضة، وأنا أريد أن آخذ منك أكبر قدر من التصريحات لكي نفهم المشهد بأكمله وبغض النظر عن أي مواقف أو أي هجوم. قلت في تصورك للحل بأنه يجب أن يكون هناك حوار وبدء لعملية سياسية، الآن هناك موعد مرتقب لجنيف فما هي مطالبكم؟

تمثيل متوازن لكل أطياف المعارضة اليوم، لكي نستطيع أن ننكب على المهمة الأساسية وهي إغاثة الشعب السوري أولاً، وكل ما تبقى هو تفاصيل. اسمع ما سأقوله! بعد كل ما جرى فإن تسعين بالمئة من الشعب السوري لم يعد يهمه معارضة أو موالاة، حيث أنه يريد أن يعيش وأن ينتهي من هذه الكارثة التي تتفاقم، هذا الذي يجب أن يفهمه الجميع وكل سياسي جدّي يجب أن يتعامل مع القضية على هذا الأساس، وإلا فالشعب السوري سيعاقب الجميع في نهاية المطاف.

أستاذ قدري، في ظل هذا التوسيع أو في عدمه، هل تتوقع نتائج إيجابية في الجولة المقبلة من جنيف؟

نحن قلنا بأن مجرد انعقاد جنيف يعني بأن أفق الحل السياسي الذي كان مغلقاً قد فُتح، وفتح هذا الأفق- بغض النظر عن شكل التمثيل الآن- سيعيد الفرز والاصطفافات في الداخل السوري وهذا شيء هام جداً والحمدلله أن هذه العملية قد بدأت. عندما تقوم قوى إقليمية ودولية الآن بإعادة النظر بمواقفها فهذا أمر جيد، وأنا مسرور كثيراً بتصريح أحد المسؤولين الأمريكيين مؤخراً حول أنهم- أي الأمريكيون- ليسوا ضد تمثيل كل أطياف المعارضة، على الرغم من أن موقفهم ومن خلال حديثي مع روبرت فورد قبل حوالي ثلاثة أشهر لم يكن بهذا السياق، لكن تطوراً جرى في موقفهم. واليوم عندما تتخذ القيادة السعودية قراراً صارماً بوقف الإرهاب في سورية عملياً ومعاقبة الذي يقاتل خارج الأراضي السعودية أو الذي ينتمي إلى تنظيمات إرهابية، فهذا أمرٌ إيجابي وسيساهم إيجابياً في حل المشكلة السورية، لذلك فعلى الجميع أن يأتوا إلى كلمة سواء وأن يجدوا الخطوات الضرورية للسير إلى الأمام في حل الأزمة السورية.

أستاذ قدري، لقد أنهيتُ كل الأسئلة التي حضّرتها لهذه المقابلة، وأريد أن أستأذن من الزملاء، الأستاذة المعدّة والمخرج، لكي افتح المجال لك الآن لكي ترد على أي شيء أو تقول أي شيء.. ربما عن سؤال لم أطرحه أنا في هذه المقابلة، فقط لكي لا تعتبر أننا نغيّب أحداً، تفضل الكلمة لك إذا كنت تريد أن تقول أي شيء.

أنا لا أريد من حيث المبدأ أن أقول شيئاً، لكنك لن تقنعني بأنكم لم تغيّبونا لمدة ثلاث سنوات عن سابق عمدٍ وإصرارٍ وتصميم. الآن الظرف تغير، والشعب السوري يعترف بنا وهذا أهم شيء، واعتراف الشعب السوري هو الذي وضعني هنا اليوم وليس أحدٌ آخر، وشكراً.