العدالة البيئية والإمبريالية الإيكولوجية1 (1/2)
 عروة درويش  عروة درويش

العدالة البيئية والإمبريالية الإيكولوجية1 (1/2)

- لقد قلتِ في مقال سابق، بأنّ الأفكار السائدة عن العدالة البيئية سطحية جدّاً، وبأنّ على الحركة البيئية، هي ومحورها الرئيس، أن يفهموا، ويلتزموا، بالعدالة الإيكولوجية الحقيقية. هل يمكنكِ شرح ذلك، ولماذا هو أمرٌ بهذه الأهمية؟

 

حنّة هولمان حاورها دافيد كيلي

- العديدون يركزون على أنّ اللا مساواة البيئية هي توزيع غير متساوٍ لحصيلة الضرر البيئي. الشعوب المستـَعمرة، أو التي تمّ استعمارها في السابق، تم اعتبارها متجانسة ووُصفت بأنّها «صاحبة المصالح» في النزاعات البيئية. المنظمات البيئية الطاغية، تلك الموجودة على الجانب المتمتّع بالامتياز للحركة البيئية المعزولة على الصعيد العالمي والأكثر ارتباطاً بالسلطة، تم حثّها على تنويع طاقمها وأعضائها والاهتمام بمسائل «العدالة». على أيّة حال، إن الجوانب الأعمق للهيمنة الاجتماعية تتطلّب الإبقاء على الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، السائدة منكرة، ومحجّمة، ومهملة ببساطة.

تجاهل اللامساواة التاريخية الممنهجة التي أدّت إلى اللامساواة الحالية هي في الأرجح من سمحت لناشطين بيئيين، وناشطين آخرين، أن يكتبوا مثلما فعلت «روكسان دونبار أورتيز»: //للقيام باطمئنان بتهميش المسؤولية الحالية عن الأضرار المستمرة التي سببها الماضي والأسئلة بخصوص الترميم، والتعويض، وإعادة ترتيب المجتمع//، عند مناقشة المشاكل المترابطة الحالية، الاجتماعية والبيئية. المقاربات السطحية لعلاج العنصرية، وقمع السكان الأصليين، والصيغ الأخرى من الهيمنة الاجتماعية، تعيق احتمالية تضامن أعمق بين الفئات الاجتماعية التاريخية. بجميع الأحوال، فإنّ هذا النوع من التضامن هو بالذات ما نحتاجه لبناء حركة قادرة على تحدّي الوضع القائم، وإقامة تغيير دائم وممنهج، بحيث يكون عادلاً ومجدداً على الصعيد الاجتماعي والإيكولوجي.

- في مقال نشر عام 2014، بالاشتراك مع «جون بيلامي»، قدمتِ بعض العناصر الضرورية لنظرية عن الإمبريالية الإيكولوجية التي يمكنها توجيه عملنا. لماذا نحن بحاجة إلى مثل هذه النظرية؟

- سرعة وحجم التدهور الإيكولوجي الذي نواجهه اليوم يتعذر إدراكه دون فهم الوقائع، الإرثية والمستمرة، للإمبريالية الإيكولوجية. بقية العالم لم يمنحوا مصادرهم بشكل طوعي للدول الثريّة. لذلك، كما أشارت إحدى الدراسات، فإنّ 16% من سكان العالم يستهلكون أكثر من 80% من موارد العالم (قد يكون الرقم مختلفاً اليوم، لكنّك فهمت القصد). كذلك لم يوافقوا في بقية أنحاء العالم على تلقي نفايات العالم الثري أو أن يصبحوا مواقع عزلٍ للكربون المتدفق من الأثرياء.

الأصح، أنّ هذا التباين هو نتيجة الطبيعة غير الديمقراطية، والإمبريالية، للرأسمالية العالمية، التي بدأت منذ الحقبة الاستعمارية (الكولونيالية) المبكرة وحتىّ يومنا هذا. النخب السياسية والاقتصادية في أكثر الدول الرأسمالية قوّةً وثراءً، جنباً إلى جنب مع النخب المحلية والوطنية حول الكوكب، فرضوا نموذجاً للنمو الاقتصادي يزدهر باستخراج واستغلال الثروات الإيكولوجية، بالإضافة إلى تفكيك واستعباد الشعوب.

في هذا النظام، المستثمرون الذين يملكون الشركات الأكبر يحققون الأرباح من خلال استخراج المصادر بأبخس الأثمان، ومن خلال تحميل النفقات البيئية للاستخراج، ولنقل البضائع، وللتصنيع، ولرمي النفايات، لبقية السكان. يوظفون مدراء تنفيذيين يزيدون من أرباحهم عن طريق تقليص نفقات العمالة – بدفعهم أقلّ الأجور الممكنة للعمال، وبتقليل مزاياهم أو حرمانهم منها كليّة، وإجبارهم على العمل لساعات أطول مقابل أجرٍ أقل، وباستبدالهم بالآلات أو حتّى بالعمالة الأرخص عند الإمكان. الشركات وحملة أسهمها يتهربون من الضرائب بشكل ممنهج، وعليه فإنّهم يدمرون الموارد الرئيسية في المجتمعات التي تحاول معالجة العواقب الاجتماعية والبيئية لهكذا اقتصاد. في النهاية، المؤسسات الكبرى والدول الرأسمالية تدعم هذه الشركات للتدخل بشكل غير ديمقراطي في السياسات العالمية، وإحدى طرقها هي العسكرة، بحيث تستطيع الاستمرار في عملها دون مقاطعة من أحد.

الممارسات الاعتيادية هي أسّ أزماتنا البيئية والاجتماعية المعاصرة. نظرية عن الإمبريالية البيئية ستساعد في فهم الدوافع والآليات التي تقود إلى المشاكل المتشابكة للامساواة، وللظلم، وللتدهور البيئي، الذي نراه اليوم. كما أنّها ستسمح لنا بأن ندرك السبب الذي دفع بالمجتمعات حول العالم، منذ الحقبة الاستعمارية (الكولونيالية) المبكرة إلى وقتنا الحاضر، إلى الانخراط في كفاح مستمر لحماية أرضها، وسبل معيشتها، وحياتها بكل تأكيد، في مواجهة انتهاكات رأس المال. 

 

عن موقع المناخ والرأسمالية

 

1  الإيكولوجي: هو التحليل العلمي ودراسة التفاعل والتأثير بين الكائنات الحيّة من جهة وبينها وبين البيئة، وغالباً ما تكون هذه الدراسة مركزة على منطقة محددة. ويطلق هذا الاسم على الصعيد غير الأكاديمي على الحركات المهتمة بحماية البيئة.

وفي سياق هذا المقال تدلل كلمة البيئة على العوامل الحيوية وغير الحيوية التي تشكّل المحيط وحسب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
786