«من المذنب؟»

«من المذنب؟»

قامت شركة كوكا كولا الأمريكية هذا الأسبوع بالإعلان عن أحد أهم خططها المستقبلية على الإطلاق، بدا الإعلان غريباً للغاية وغير متوقع من هذا العملاق الاستهلاكي الشهير، وأخذت الصحف العالمية تتناقل هذا الخبر ببعض من الحيرة وكثير من الشك، حيث صرحت الشركة بلسان أحد مدرائها التنفيذيين بانها تنوي البدء بتنفيذ: «خطة شاملة لإعادة تنقية ما تستطيع من الموارد المائية حول العالم»، وبالتحديد ضمن مصانعها المنتشرة في بقاع الأرض المختلفة، ليدور السؤال في أذهان جميع المتابعين: «هل شعر الملوث الأكبر للمياه الجوفية العالمية بالذنب أخيراً؟».

لم يمض الكثير من الوقت حتى بدأت الحقائق «تطفو» على السطح، وبدأت علائم الفشل تلاحق الخطة التسويقية الجديدة لـ «كوكا كولا»، حيث بادرت الحكومة السيريلانكية باتهام مصانع الشركة المقامة على نهر «كيلاني» بتلويث مياهه بمخلفات الوقود، النهر الذي يعد عصب الحياة لأكثر من ثلث سكان البلاد، ومحرك الدورة الزراعية لمساحات واسعة من أراضيها، حينها بادرت الشركة باعتذار رسمي مستعجل، ووعدت بدفع ما يستلزمه الأمر من تعويضات، لكن الضرر كان قد حدث، وتداعت الهيئات الحكومية والمؤسسات البيئية لمحاسبة الشركة على الفور، لكن تسريبات صحفية أكدت بأن «كوكا كولا» تحرص على ألا يتم عرض القضية ضمن أية محكمة، حتى لو استلزم الأمر دفع مليارات من الدولارات.

تلوث المياه الجوفية

لا تحتاج الاستزادة من فضائح «كوكا كولا» إلى كثير من الأبحاث، فقد شهد العقد الأخير، عدة قضايا تربط هذه الشركة بالذات مع حالات تلوث أصابت المياه الجوفية في عدة أمكنة في العالم، وربما كان على الحكومة السيريلانكية أن تستشير جارتها الأشهر الهند حول هذا الموضوع، حيث تمتلك الأخيرة تاريخاً مطولاً من القضايا «المائية» المرفوعة في وجه «كوكا كولا» وشركائها، والتي ساهمت في إغلاق معمل الشركة في «كيرالا» في العام 2005، وآخر في «فاراناسي» العام الماضي والذي تم إنشاؤه منذ 15 عاماً، والرفض الحكومي للمحاولات اللاحقة لبناء معمل آخر في المكان نفسه بعد عدة شهور، والاحتجاجات الشعبية في مطلع العام الحالي في «تاميل» لبناء مصنع جديد هناك، ويكفي لنا أن نعلم بأن القضية التي رفعتها الحكومة الهندية بخصوص بناء معمل جديد للشركة في إقليم «جابور» يتم تدريسها في الجامعات الهندية كمثال عن القضايا التي ترفع في وجه هيمنة الشركات الكبرى!


نوايا مشكوك بها

يحيط الشك بنوايا «كوكا كولا» وخططها المستقبلية، فصناعة المياه الغازية تحتاج إلى كميات مهولة من المياه الصالحة للشرب، حيث يحتاج إنتاج لتر واحد من المياه الغازية إلى 618 ليتر من المياه العذبة، كما يدخل في تركيها تنوع من المواد الكيماوية التي تطرح يومياً في مجاري الأنهار والآبار الجوفية، مما يعني أن أية نية مستقبلية لـ «تنقية» تلك المياه المستعملة ستلاحق بشكوك لا تنتهي واختبارات لا يمكن التأكد حتى من صدقها، وهذا بالضبط ما تم الكشف عنه منذ العام 2005 حين اعترف أحد العاملين في قسم التسويق الخاص بـ «كوكا كولا» والناشط في الهند، في تقرير مفصل لصحيفة «النيويورك تايمز» بأنه كان يحرص على نشر مقالة علمية أو مادة صحفية تعاكس في مضمونها أية مقالة أخرى تحاول أن تربط الشركة بأية حالة من حالات التلوث البيئي هناك!


أخرست جميع الأصوات الناقدة

ما زالت مصانع «كوكا كولا» تتوسع وتتمدد في الكثير من الأماكن، وهي تحافظ على خطة استثمارية محكمة، تضمن مكاناً لها على منابع الأنهار العذبة وبالقرب من الآبار الجوفية الصالحة للشرب، ولا تعير أي اهتمام للملايين ممن يعتمدون على هذه المياه في معيشتهم، بعد أن لوثت كل شيء، وأخرست الأصوات الناقدة جميعها بما يستلزمه الأمر من أموال، فنحن نعلم جميعاً كيف تتصرف الشركات الرأسمالية الكبرى هذه الأيام، ولا جديد في النهب الاستهلاكي الجشع الذي تمارسه بحق العديد من شعوب العالم، لكن ألا تتحمل الكثير من الحكومات مسؤولية السماح لها بالتغلغل على أراضيها والعبث بمواردها الطبيعية؟ ألم يحن الوقت حتى يدرك الجميع مخاطر هذه الخصخصة الجشعة التي لن تترك لأصحاب الأرزاق ما يأكلونه بعد أن سلب رجل الأعمال الأمريكي كل شيء؟