الذكاء الاصطناعي وخيارات القرن الـ21

الذكاء الاصطناعي وخيارات القرن الـ21

صدر حديثاً كتاب «أساسيات الذكاء الاصطناعي»، من تأليف الدكتور عادل عبد النور. ويذكّر المؤلف بأن البشريّة دخلت القرن الحادي والعشرين من دون رؤية مستقبليّة فعليّة للوقائع الأساسيّة في تطوّرها التقني، خصوصاً المعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة. ويلفت إلى خطر داهم متأت من كون صنّاع التكنولوجيات الأساسيّة دخلوا الألفية الثالثة من دون ظهور «كوابح» تتلاءم مع المدى المذهل للتقدّم العلمي والتقني. ومع العولمة والسوق الحرة، من يمنع الشركات الكبرى من البحث عن الأرباح في آلات تهتم بانتشارها وسيطرتها، لكنها لا تعير بالاً حتى لإمكانات الفناء الذي ربما حملته أيضاً. ماذا لو هدّدت العالم بالدمار؟

في أزمنة مضت، تطوّرت أسلحة الدمار الشامل في ظل سيطرة مطلقة من قِبَل الحكومات. وحاضراً، تشهد معلوماتيّة صعود تقنيّات تقدر على إحداث دمار شامل، ولكنها تحت السيطرة المطلقة من قِبَل الشركات التجاريّة. ويشدّد الكاتب على وجود بون شاسع بين ما يكون تحت سيطرة حكومة، وما يقع في يد هيمنة الشركات العملاقة. ويورد أيضاً أنّ العلماء يتوقّعون التوصّل إلى اختراع آلة ذكيّة تماماً قبيل سنة 2030. وفي حال تمتّعها بذكاء شبه بشري أو أكثر، ومع إمكان أن تتكاثر بنفسها بطريقة أو أخرى (كأن تتولّى الآلات الذكيّة بنفسها صنع آلات مشابهة لها أو ربما أذكى منها)، سيدخل العالم في مأزق لا يمكن الرجوع عنه.

واستطراداً، يرى الكاتب أنّه ليس هناك من حل سوى التراجع عن التقنية التي تحمل في طياتها ضرراً للإنسان، إضافة إلى التركيز على الأخلاقيّات في الميادين العلميّة مع التشديد على نقد الميل إلى صنع ما يحمل بحد ذاته ضرراً للبشريّة.

أبعد من أفلام الخيال العلمي

في ذلك الكتاب ذاته، ينبّه عبد النور إلى أخطار ترافق تطوّر الذكاء الاصطناعي وتقنيّاته، وهي حتى إن لم تهدّد بقاء البشريّة على وجه الأرض، ربما تجهِضْ الإنسانية في دواخل الكائن البشري. ووفق الكاتب: «قتل جهاز صغير كالتلفاز علاقاتنا الأسريّة والاجتماعيةّ، وأنسى جهاز كالحاسوب أطفالنا ألعابهم البسيطة والمليئة بالمرح والإبداع، وحبس اختراع كالإنترنت الكتب في الرفوف وجعل المطالعة إضاعة للوقت... إذاً، هل سنصمد أمام أجهزة ذكية»؟

يجيب عبد النور عن ذلك السؤال عبر لفت الأنظار إلى كون العالم الآن يسبح في بحر شواطئ العلميّة القريبة، وهو يحذر من أن الأمور ربما لا تستمر في سيرها على ذلك النحو، بل «إذا ما تمادينا، سنسبح في بحر شواطئه البعيدة المنال، وستكون الأمواج عاتية»، وفق كلماته.

وكذلك يرى أنّ الآلات الذكيّة والروبوتات العبقريّة شكّلت موضوعاً مسليّاً لأفلام الخيال العلمي، لكنها لم تهدف إلى سوى حصد أرباح كبيرة في دور السينما عِبْر إطلاق العنان للخيال البشري. وحاضراً، يحضر في بال متابعي التطوّر العلمي والتقني أن الصور القاتمة التي رسمتها بعض أفلام الخيال العلمي على الشاشات، ربما لم تعد بعيدة عن التحقّق فعليّاً على أرض الواقع. «كُلّلت المحاولات الأولى في ذلك الطريق بالنجاح. وقريباً ربما يصبح الخيال العلمي واقعاً علميّاً... إذا ما تواصل ذلك النجاح سيجابه العالم أخطاراً كثيرة في القرن الحالي، ربما تؤدي إلى أن يصبح الإنسان البشري عبداً يخدم الإنسان الآلي»، وفق كلمات المؤلف!

ويرسم عبد النور سيناريو يراه قريباً، بل شبه محتم الحدوث. «إذا نجح العلماء في تطوير آلات ذكيّة جداً، سيكون لنا خياران لا ثالث لهما.

أما الخيار الأول، فهو أن نترك للآلة حرية اتخاذ القرار منذ البداية وبذا نفقد السيطرة على مجريات الأمور. ولا أحد يدري في تلك الحال إلى أين ستسير بنا الآلات (عندما تصبح هي) التي تخطط ونحن ننفذ من دون وعي أو تفكير. وبهذا الخيار يصبح الإنسان بلا إنسانيّة».

ويؤكّد المؤلّف أنّ البعض ربما يرى في ذلك الخيار سذاجة مفرطة. ويذهب أولئك للقول إنّه ليس هناك إنسان لديه من الغباء ما يكفي لجعله يسلّم أمره لآلة، حتى لو كانت غاية في الذكاء. «لكن الأمر ليس بتلك البساطة. في مستقبل غير بعيد، سيصبح العالم في غاية التعقيد إلى درجة يصعب على الإنسان مجاراة الأمور ويستسهل على نفسه الاستعانة بالآلة والقبول بقراراتها. وشيئاً فشيئاً يكون لها القرار الأول والأخير. وتزيد أوضاع العالم تعقيداً. وفي ذلك الوقت يصبح الاستغناء عن الآلة ضرباً من الانتحار.

دروس مؤلمة

يدعو عبد النور إلى الالتفات قليلاً إلى الوراء (إلى زمن ما قبل) التلفاز، والسيارة، والمكيّف، والهاتف، والثلاجة، وغيرها. ويشير إلى أنّه عند مقارنة «تلك الأيام باليوم سنرى مدى تعلقنا بالآلة على رغم كون آلة اليوم لا تملك من الذكاء شيئاً ولا تصنع القرار. (في المقابل، ستكون) آلة المستقبل أكثر إغراءً وأكثر قوة»، وفق كلمات الكاتب.

ويتمثّل الخيار الثاني في عدم تسليم مقاليد الأمور إلى الآلة، وأن يكون للإنسان السيطرة على عدد من الآلات الذكيّة التي تخصّه كالآلات المنزليّة، والسيارة الذكيّة، والحاسوب المؤتمت وغيرها. وفي تلك الحال، تكون الآلات الأكبر والأقدر والأذكى عند عدد صغير من الناس، بمعنى أن يكونوا هم النخبة. «(في تلك الحال) سواء رضينا أم أبينا، ستكون تلك النخبة، وسواء كانت على خُلِقٍ أم لم تكن، متملّكة موازين القوى وتتحكم في مصير العامة، بفضل ما تملكه من تقنيّات غاية في التعقيد والذكاء. ويتحول الناس إلى خدم يخدمون القلّة من أصحاب القوة. ولما في طبيعة البشر من أنانية وطمع وحب للذات، ليس من الصعب أن نتخيل العواقب الوخيمة لتلك الطبقيّة التكنولوجيّة»، وفق المؤلف أيضاً.

إذاً، في صورة الوصول إلى الآلات الذكية التي يسعى إليها العاملون في ميدان الذكاء الاصطناعي، سيكون أمام البشرية خياران أحلاهما أمر من المرّ! إذ تتعلّق المسألة الأساسيّة آنذاك بمستقبل البشرية، ويجب أن يؤخذ مأخذ الجد إمكان أنّ يتفوق الرجل الآلي على الإنسان مع ملاحظة أنّ ذلك أمر في غاية الخطورة ولا يمكن تجاهل ما قيل عن كونه مستبعداً.

أبعد من ذلك، يحضّ الكاتب على التفكير في واقع أنّه لا يوجد حاضراً إنسان يستطيع الجزم علميّاً وفعليّاً باستحالة الوصول إلى تلك الخيارات المرّة. وما دامت تلك الاحتمالات موجودة، فهناك خطر محدق.