واشنطن الغريقة في بحر العالم الجديد!
جيرمان غوريز لوبيز جيرمان غوريز لوبيز

واشنطن الغريقة في بحر العالم الجديد!

يشير كتاب «رايت ميلز» حول النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة (1956)، إلى أن مفتاح فهم المخاوف الأمريكية التقليدية يكمن في «الإفراط في تنظيم المجتمع الأمريكي»، من خلال إنشاء «مجموعة النخبة المتشكلة من السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية والجامعية ووسائل الإعلام، والنخب الفرعية في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى جماعات الضغط المترابطة بتحالف وثيق على أساس المصالح».

إعداد: رنا مقداد

يستند هذا المفهوم على تعريف عسكريّ، يحول اللعبة الاقتصادية إلى حرب اقتصادية دائمة، وفقاً لنموذج روكفيلر. وهذا يعني المشاركة الكاملة في القطاع المالي والعسكري وقطاع «الصناعة اليهودية»، وأحد أعضائها ديفيد روكفلر، وهو واحد من الممثلين في اللجنة الثلاثية (TC) أو ما يسمى بالثلاثية (1973) التي تحظى بالسيادة في الولايات المتحدة.

الثلاثي الروسي الصيني الأمريكي

على الرغم من أن دونالد ترامب- وهو المرشح المعاند من حيث المبدأ للانضباط في الحزب الذي ترشح عنه- إلا أنه قد أصبح «الخروف الأسود» في المؤسسة. ورغم ذلك، فقد انتخب أخيراً رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. 

وتشكل «مفاجأة» فوز ترامب، بالتزامن مع «مفاجأة» خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نهاية «مرحلة» السيناريو الغائي (من الغاية)، التي تم التخطيط لها من خلال مجموعة من العمليات، تعتمد نماذج محدودة وعناصرها، هي: النية والغرض والترقب، والانتقال إلى تبني تلك السياسات التي تتماشى جيوسياسياً مع النظام العالمي الجديد.

تميل الوقائع في العالم نحو التشاركية الجيوسياسية الجديدة. سنشهد إنهاء القطبية الأحادية للولايات المتحدة، ودورها كشرطي عالمي، وستتم الاستعاضة عن ذلك بواقع جديد يعتمد التعددية القطبية أو «مبدأ التعددية الجيوسياسية» التي يشكلها الثلاثي من الولايات المتحدة والصين وروسيا. 

أما الاتحاد الأوروبي واليابان والهند والبرازيل فسيكونون ضيوفاً أساسيين في السيناريو الجيوسياسي الجديد. هذا ما ظهر في الخطاب الذي ألقاه ترامب، في مقر المجلة السياسية ذات النفوذ «المصلحة الوطنية»، حيث قدم دونالد ترامب الخطوط الرئيسة لسياسته الخارجية التي يمكن تلخيصها في شعاره «أمريكا أولاً»، والتي تعني بحكم الأمر الواقع عودة الحمائية الاقتصادية بعد إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك «TLCAN» فضلاً عن اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار TTIP، ومعاهدة الشراكة عبر المحيط (TPP).

أي إن الرئيس الأمريكي الجديد، يضرب حجر الزاوية في سياسة إدارة أوباما، بالتأكيد على القوة الاقتصادية والتفوق العسكري في منطقة المحيط الهادئ. وهذا سيكون ضربةً مباشرةً للمصالح الجيوسياسية المعروفة باسم «نادي الجزر» مع أصول حوالي 10 تريليونات يورو والتي يرأسها جورج سوروس، المصمم المالي وخبير «الثورات الملونة».

المسّ بـ«مقدسات» الإدارة السابقة

من ناحية أخرى، وفي مقابلة مع قناة التلفزيون الأمريكية ABC، أعرب الرئيس المنتخب دونالد ترامب: أن فكرة «الناتو قد عفا عليها الزمن، وهي لا تخدم مكافحة الإرهاب وتكلف الولايات المتحدة كثيراً»، وطالب الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «بدفع حصتها»، لأن المساهمة الاقتصادية لهذه البلدان الأوروبية لا تتجاوز 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتركت الجزء الأكبر من التمويل للولايات المتحدة (70٪ من مجموع الميزانية).

كما ندد ترامب «بالكمية الزائدة من الأسلحة المنتشرة حالياً في العالم»، والتي تنطوي على كثير من الانعزالية للولايات المتحدة على المستوى العسكري، مما يؤدي إلى تتويج المجموعة الثلاثية (الولايات المتحدة وروسيا والصين)، فيما يسمى بـ«الحوكمة العالمية». وهذا يعني وقف البرنامج النووي الأمريكي، الذي يكلف مليارات الدولارات، لمدة ثلاثين عاماً، فضلاً عن إيقاف لنظام الكشف عن صواريخ كروز، في أراضي الولايات المتحدة (JLENS)، لذلك سيكون ذلك ضربةً للمجمع الصناعي العسكري الذي شكل في مرحلة ما قبل أوباما مرحلة التعافي لدور الولايات المتحدة، باعتبارها شرطي العالم، من خلال المرحلة الخامسة لنشر الدرع الصاروخية في أوروبا (اليورو DAM)، والزيادة غير العادية للتدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج.

السياسات المضادة لترامب

حتى في عهد أيزنهاور، كانت وكالة الاستخبارات المركزية لحكومة الولايات المتحدة، وراء العديد من المهام لتدريب المسلحين وزعزعة استقرار الحكومات التي تعارض سياسات البنتاغون، ولكن جماعات الضغط العسكرية والمالية (سواء المبتلعة من قبل اللوبي اليهودي أم لا) لا يمكنها أن تقاوم إغراء إنشاء حكومات الأمر الواقع، التي تلاعبت بتعقيدات السلطة، مما أدى إلى ظهور كيان جديد «مجمع أيزنهاور الصناعي العسكري»، والذي يتعارض مع الرأي العام، وسلطة الكونغرس ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة. 

في الوقت الحاضر، تم تحويل الشركة إلى ما يسمى شركة الأمن الداخلي الوطني، وإلى وكالة المخابرات المركزية متعددة المهام والفروع، «17 من وكالات الاستخبارات التي يمكن أن تشكل مجتمع الاستخبارات الأمريكية»، لتصبح كدولة موازية، وقوة حقيقية تعمل في الظل، وتدار من قبل «نادي جزر» التابع لجورج سوروس، والتي استحضرت قواها مؤخراً ضد ترامب.

تمت مناقشة السياسات المضادة لترامب في أعقاب اجتماع عقد مؤخراً في واشنطن، شارك فيه ما يقارب من 200 من النشطاء المؤيدين لهيلاري كلينتون في ما يسمى بـ«التحالف من أجل الديمقراطية- DA»، وهو التنظيم الضخم الذي أسسه جورج سوروس، في عام 2005. وهذه هي المرحلة الأولى لنسف نقل السلطة من أوباما إلى ترامب، من خلال «ثورة وطنية ملونة» في الولايات المتحدة الأمريكية. 

الاغتيال ليس مستبعداً

يبدو أن السياسات المباشرة لزعزعة حكم ترامب آخذة في التصاعد، وإن كنا لسنا بصدد الدفاع عن سياسات ترامب، ولا لتصويره على أنه «الملاك الحارس» للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن انتباهاً يجب أن يوجه بشكل مباشر إلى العملية الجارية يومياً لتقويض السياسات المتوقعة التي يبدو أن ترامب سيسعى إلى إنجازها مع الثنائي موسكو وبكين.

وإذا وضعنا جانباً احتمالات نجاح هذه السياسات من عدمها، والمقصود هو سياسات تشويه صورة ترامب على نحو غير منطقي، فإننا لا يجب أن نستبعد أبداً الاحتمالات الأكثر تطرفاً، والتي تبدأ من تعميم حالة الفوضى داخل أراضي الولايات المتحدة، أو الذهاب إلى نهاية الطريق فيما يتعلق بموضوع المطالبات بانفصال كاليفورنيا، أو ربما الوصول إلى حالة الاستعصاء التي يصير معها لا بد من التخلص نهائياً، أي جسدياً، من ترامب. لا يجب استبعاد هذا الخيار، لأن النهاية المنطقية للسياسات التي ينادي بها ترامب اليوم، تمسّ في الواقع مصالح تلك الفئة، التي لن تقف مكتوفة الأيدي مقابل تقييد «حريتها».

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
797