تقرير 2017: أية مخاطر عالمية يراها «المنتدى الاقتصادي العالمي»؟

تقرير 2017: أية مخاطر عالمية يراها «المنتدى الاقتصادي العالمي»؟

لم يعد الحديث عن حالة السخط العام التي تبديها شعوب العالم، حكراً على تلك القوى السياسية، الرافضة لهيمنة الشركات ورأس المال العالمي. كذلك، لم يعد استشعار خطر النموذج الاقتصادي الحالي على العالم والبشرية بعيداً عن متناول يد «النخب» التي تنذر نفسها، فداءً لهذا النموذج تحديداً. يقدم «تقرير المخاطر العالمية لعام 2017»، الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي» نموذجاً واضحاً على ذلك. فما هو هذا المنتدى؟

 

يقدّم «المنتدى الاقتصادي العالميّ- مقرّه جنيف» نفسه، على أنه «منظمة دولية غير ربحية، مستقلة، منوطة بتطوير العالم عن طريق تشجيع الأعمال والسياسات، والنواحي العلمية، وكلّ القادةِ المجتمعين من أجل تشكيل العولمة، وأيضاً الأجندات الإقليمية والصناعية». وبعيداً عن «الكليشيهات التعريفية»، يضم المنتدى في عضويته حوالي 1000 شركة عالمية، تكون دورة رأس المال فيها أكبر من 5 مليار دولار أمريكي. 

يشكل المنتدى فرصةً للتنسيق بين «كبار المالكين» حول العالم. فكيف يرى هؤلاء المشهد العالميّ اليوم؟ لا بدّ من الإشارة في البداية إلى أن التقرير التالي، لا يعكس بشكلٍ من الأشكال رأي «قاسيون»، وإن كانت تفرد له مساحةً على صفحاتها، فذلك لا يعني تبنياً للأفكار الواردة فيه، بل نظرةً على التغيرات التي لم يعد بالإمكان- حتى بالنسبة لرأس المال العالمي- أن يتجاهلها:

مقدّمة لا بد منها..

سنوات من تعاظم الضغط في أجزاء عدة من العالم- على الأقل منذ الأزمة المالية العالمية- قد تبلورت في نتائج سياسية دراماتيكية، خلال عام 2016، تجلت في ارتفاع وتيرة السخط العام من الوضع القائم.

في الغرب، واجهت التوقعات حول إمكانية توافق الآراء تحدياتٍ كبيرةً، من خلال قرار المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وفوز الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، في الولايات المتحدة، ورفض الناخبين الإيطاليين الإصلاحات الدستورية التي اقترحها ماتيو رينزي. إن الآثار المترتبة على نتائج مثل هذه الأحداث، يمكن أن تكون بعيدة المدى، حيث يتساءل البعض فيما لو كان الغرب قد وصل إلى نقطة اللاعودة، أو ربما يجري الشروع الآن في فترة نهاية العولمة، لكنّ حالة عدم اليقين والاستقرار التي ميزت عام 2016 ليست ظواهرَ غَربيّةً فقط: فقد رأينا تجليات لذلك في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في البرازيل، والفلبين، وتركيا.

الاقتصاد: 

النمو والإصلاح والتفاوت

رغم المستويات غير المسبوقة من السلام والرخاء العالميين، ساهم مزاج الضيق الاقتصادي في بلدان عدة، بصعود السياسة الشعبوية المناهضة، وردود الفعل المناهضة للعولمة. إن ضعف الانتعاش الاقتصاديّ في أعقاب الأزمة المالية العالمية، هو جزء من هذه القصة، غير أنّ تعزيز النمو وحدَهُ، لن يكون من شأنه أن يعالج الكسور العميقة، الموجودة في اقتصادنا السياسي. قد تكون هناك حاجة، إلى مزيد من الإصلاحات الأساسية لرأسمالية السوق، وعلى وجه الخصوص، النقص الواضح في التضامن بين أولئك الموجودين في الطبقة العلوية، من توزيع الدخل والثروة الوطنية، وأولئك المتجهين إلى مزيد من الانخفاض في معيشتهم.

على الرغم من الحديث حول تناقص التفاوت، بين الدول، خلال الأعوام الثلاثين الماضية، غير أنه داخل الدول هناك حديث آخر. كان عدم المساواة يتراجع. باستمرار في العالم الصناعي منذ بداية القرن العشرين، لكن ومنذ ثمانينات القرن الماضي، فإن حصة الـ1% الأكثر ثراءً قد ارتفعت في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، كندا، إيرلندا، وأستراليا (في ألمانيا، واليابان، وفرنسا، والسويد، والدنمارك، وهولندا، هناك واقع مختلف)، وتشمل أسباب ذلك التغيّر في التكنولوجيا المنحازة للمهارات (مما ساهم في زيادة عائدات التعليم)، والتأثيرات الكبيرة التي جعلت السوق أكثر ترابطاً، وزيادة المنافسة العالمية على المواهب. فمن بين عوامل أخرى، ساهمت هذه المعطيات في زيادة تعويضات المدراء التنفيذيين في الشركات التي أصبح حجمها أكبر. وفي الاقتصادات المتقدمة، نما دخل الطبقات الوسطى، الميسورة تقليدياً بوتيرة أبطأ نسبياً، وأبطأ أيضاً من نمو دخل الطبقات الوسطى، في الدول الناشئة في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا بشكل خاص.

تحديد سبل النمو: «مسألة صعبة»

إن بطء وتيرة الانتعاش الاقتصادي منذ عام 2008، قد زاد من حِدّة التفاوت في الدخل المحلي، وهذا ما ساهم بتزايد السخط الشعبيّ. وفي أعقاب الأزمة المالية، جرى صنع السياسات الاقتصادية في الغالب على أساس نقدي، بدلاً عن الأسس المالية. وقد اتجهت سياسات مواجهة التقلبات الدورية التي كانت في السابق غير تقليدية، مثل «التيسير الكمي»، والمشتريات واسعة النطاق للسندات الحكومية من قبل البنوك المركزية، قد تحولت إلى عمليات دائمة، في أطر السياسات الاقتصادية.

ورغم قول البعض: أن الأدلة تشير إلى بعض التأثيرات الإيجابية على النمو والعمالة، غير أن تفاقم «التيسير الكمي» قد أدى إلى اشتداد عدم المساواة في الدخل، من خلال زيادة العوائد التي يتمتع بها أصحاب الأصول المالية، في حين أن الأرباح الحقيقية للعمال قد ظلت تنمو ببطء شديد. وليس هذا هو السبب الوحيد للقلق من السياسات النقدية الاستثنائية، إذ أنّ معدلات الفائدة المنخفضة يمكن أن تشوه الآليات المالية التي تدعم النشاط الاقتصادي القوي.

هل حان الوقت للانتقال من السياسة النقدية، إلى السياسة المالية في الولايات المتحدة؟ إن حملة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، قد وعدت بزيادة الإنفاق على البنية التحتية. وعلى الصعيد العالمي، وهناك أدلة أوليّة على التحول التدريجيّ نحو تخفيف السياسة المالية.

وراء السياسة النقدية، والتحفيز المالي، كان نمو الإنتاج الحقيقي أبطأ من أن يساعد على التعافي من الأزمة. معدلات البطالة لا تزال عاليةً، بشكل خاص بين صفوف البالغين في أوروبا، والولايات المتحدة. وعلى النقيض من عصر ما قبل الأزمة- حين عزز التوسع السريع للصين الشعبية معدلات النمو الشاملة في العالم- فإنه ليس هناك في الأفق اليوم. لعبة سوق ناشئة، يمكنها أن تغير شيئاً ما. باختصار، فإنه من الصعب تحديد تلك الطرق، التي من شأنها أن تؤدي إلى معدلات عالمية عالية من النمو الاقتصاديّ.

مع ذلك، فإن النمو الآن هو ليس سوى جزء من التحدي الذي يحتاج واضعو السياسات إلى معالجته. إذ أن مخاوف الدخل وتوزيع الثروة قد أصبحت تدميراً للسياسات، وهناك حاجة أيضاً إلى التركيز بشكل أكبر على انعدام الأمن المالي، المتزايد، الذي يميز حياة العديد من الناس. وكما ينتشر الخوف من النتائج الاجتماعية والاقتصادية، على نحو متزايد على الصعيد العالمي، فإن الإحباط الشعبي يتزايد عالمياً، كنتيجة لعدم قدرة السياسات المحلية على توفير الاستقرار، في ظل المشهد العالمي.

إعادة بناء المجتمعات

قادت مسائل الهوية والثقافة المركزية إلى اثنين من النتائج السياسية الغربية الأكثر إثارة خلال عام 2016 في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا جزء من اتجاه أوسع يؤثر على السياسة الدولية والمحلية، فعبر الاتحاد الأوروبي، تؤكد الأحزاب السياسية على ضرورة ازدهار السيادة و/أو القيم الوطنية، مدعومة جزئياً بتدفقات الهجرة. وخارج الاتحاد الأوروبي، تتعمق الاقتصادات منذ عام 2010 في تركيا، في حين تُعبّر روسيا عن الهوية السياسية الوطنية في مواقف السياسة الخارجية بشكل متزايد، وعلى الصعيد العالمي، تشهد السياسة على نحو متزايد صعود كاريزمية «الرجل القوي» والسياسيين الوطنيين، والنقاش السياسي الانفعالي.

في الغرب، هناك عقود من التغيير الاجتماعي والاقتصادي السريع قد وسعت فجوة القيم بين الأجيال، وعطلت الأنماط التقليدية للانتماء للمجتمع، وساهمت في تآكل الدعم الواسع للأحزاب السياسية الرئيسة.

«الديمقراطية الغربية»

 في خطر؟!

في كثير من الدول الغربية، تعيش الأحزاب السياسية الرئيسة التقليدية في أزمة عميقة. إنها تصارع من أجل الاستجابة للتغيرات السريعة، في المشهد السياسي، والتي تكمن سِمَتها في تعبير الناخبين عن سخطهم، من خلال قلة إقبالهم، أو ارتفاع الدعم الموجه للحركات السياسية التي كانت هامشيةً في وقت سابق. كما أن الانتصارات غير المتوقعة في عام 2016 لحملة «Brexit خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، وحملة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، هي من أبرز المؤشرات السياسية على تفشي بيئة السياسات الحمائية.

لكن هل الديمقراطية نفسها في أزمة؟ يشير البعض إلى أن الناخبين متوجهون إلى معاقبة السياسيين الذين فشلوا في تمثيلهم. ويرى آخرون أنّ الأزمة الحالية في الحياة السياسية، هي أعمق بكثير، مما يشكل تهديدات كبيرةً على استمرار عمل السياسات.

التكنولوجيا: اضطراب الإدارة

يعتبر البعض أنّ التغير التكنولوجي قد ساهم في الانخفاض الصناعي، وتدهور الأوضاع في سوق العمل، مما حفز التغيّرات في مواقف الناخبين في العديد من الاقتصادات المتقدمة حول العالم. إن عالم اليوم يَتّسم بالتغيرات السريعة، وواسعة النطاق، والتي لم يسبق لها مثيل في مجالات الإنتاج، والتنقل، والاتصالات، والطاقة، وغير ذلك من النظم، كما أنّ هذه التغيرات السريعة تعطل تقريباً كل شيء، ابتداءً من أنماط العمالة المعروفة، إلى العلاقات الاجتماعية والاستقرار الجيوسياسي. وانطلاقاً من التقارب بين التكنولوجيات الرقمية، والبيولوجية، والمادية، وما يطلق عليه اسم «الثورة الصناعية الرابعة 4IR»، فإنّ مخاطر عالميةً جديدةً يجري خلقها، في وقتٍ تتفاقم فيه المخاطر القائمة أصلاً.

وفقاً للاقتصاديَّين، مايكل هيكس وسريكانت ديفاراج، فإن 86% من فقدان الوظائف في الولايات المتحدة، بين عامي 1997 و2007 قد جرى نتيجة زيادة الإنتاجية التكنولوجية، مقارنةً بأقل من 14% فُقِدَت بسبب التجارة. وتشير معظم التقديرات إلى أن تأثير هذه التكنولوجية، التي تجري إدارتها على أساس رفع نسب الربح، سوف يساهم في اضطراب أسواق العمل بشكل متسارع، في القطاعات غير الصناعية خلال السنوات المقبلة، فالتقدم السريع في مجال الروبوتات، وأجهزة الاستشعار، والتعلم الآلي، سوف تُمكن رأس المال من إحلال العمالة التكنولوجية مكان العمالة البشرية في نطاق العمل في قطاع الخدمات بشكل رئيسي. بينما تختلف التقديرات حول عدد الوظائف، التي سوف تتعرض لـ«الخطر التكنولوجي»: خلصت دراسة في عام 2013 إلى أن 47% من الوظائف في الولايات المتحدة ستواجه «الخطر الكبير» الناجم عن عملية الأتمتة. وفي عام 2015، أكدت دراسة معهد «ماكينزي»: إن 45% من الأعمال التي يجري القيام بها اليوم سوف يمكن أن تتحول إلى أعمال تكنولوجية بالفعل، فيما لو اختارت الشركات القيام بذلك الأمر.

خلقت التكنولوجيا فرص العمل دائماً، لكنها أيضاً دمرت عدداً منها، غير أنه في الآونة الأخيرة، هناك أدلة على أن المحرك لخلق فرص العمل من خلال التكنولوجيا يشهد تعثراتٍ كبيرةً. تقدّر مدرسة «أوكسفورد» أن 0.5% فقط من القوى العاملة في الولايات المتحدة تعمل اليوم في تلك القطاعات التي تم إنشاؤها منذ عام 2000، مقارنةً مع ما يقارب الـ8% من القوى العاملة في الصناعات التي جرى إنشاؤها في فترة الثمانينات من القرن الماضي.

يعمل التغير التكنولوجي، وفق قواعد اليوم، على تحويل توزيع الدخل من العمل إلى رأس المال: وفقاً لمنظمة «التعاون والتنمية»، فإن 80% من الانخفاض في حصة العمل من الدخل القومي بين عامي 1990 و2007 كان نتيجةً لتأثير التكنولوجيا. وتبدو المفارقة فاقعةً في أنه على الصعيد العالمي، يجري ترك أغلبية الناس بعيدين عن التمتع بالميزات التكنولوجية: أكثر من 4 مليارات شخص يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وأكثر من 1.2 مليار شخص دون حتى كهرباء. إننا اليوم في مرحلة اضطراب عالية من التطور التكنولوجي، في وقتٍ تتزايد فيه التحديات التي تواجه التماسك الاجتماعي وشرعية صانعي السياسات في العالم.

يقلص التغير التكنولوجي مساهمة العمل الحقيقي، في نمو الناتج المحلي الإجمالي، في وقتٍ أصبحت فيه الأجهزة الإلكترونية أكثر قدرةً على القيام بمجموعة واسعة من الأعمال. وتتوقع الدراسة المذكورة سابقاً، حول أنّ47% من الوظائف في الولايات المتحدة معرضة للأتمتة، بأن ذلك سوف يؤثر على أكثر من 80% من العمال ذوي الدخل المنخفض أساساً. وكما قلنا، فإن التكنولوجيا الجديدة تساهم، على نحوٍ تاريخي، في زيادة إنتاجية العمل، وخلق فرص عمل جديدة وأفضل، غير أنّه عندما تصبح الآلات أكثر معرفةً، وأكثر قدرةً على أداء المهام المادية، فإن هناك حالة من الشك حول مستقبل خلق فرص العمل.

وتساهم التكنولوجيا أيضاً في تغيير طبيعة العمل، فإن كُنا نستطيع النظر إلى تلك الوظائف الآمنة، والمتوقعة، التي ستخلقها التكنولوجيا، إلّا أننا نستطيع كذلك النظر إلى أنّ تلك الأخيرة سوف تساهم في خلق وظائف أكثر، لكن ذات طبيعة ثلاثية: «متفرقة»، «قصيرة المدى»، و«عمل حر». وفي هذا الصدد، تشير البحوث إلى أن عدد الأشخاص الذين كانوا عرضةً لـ«ترتيبات جديدة» في وظائفهم قد ارتفع بشكل ملحوظ من إجماليّ العمالة بين عامي 2005 و2015.

إن صعود «الاقتصاد المزعج- أي الاقتصاد المعتمد على التكنولوجيا» يهدد استقرار ذوي الدخل المحدود، ويدفعهم نحو التخطيط للاستثمارات طويلة الأجل، مثل تملّك المنازل، والادّخار للشيخوخة، كما يُقوض أيضاً من نظم التأمين الاجتماعي، التي ترتبط عادةً بالوظائف الرسمية المعروفة. 

مشاكل أخرى

وفي وقتٍ يزداد فيه الاحتباس الحراري، تتفاقم آثاره على نحو مثير للانتباه. وعلى الرغم من أن المسؤولية مشتركة على الصعيد العالمي، غير أنه هناك اعتراف متزايد، بأن الاستجابة لمخاطر البيئة على نحو شامل لا يمكن أن تتم من قبل المنظمات الدولية، والحكومات وحدها. بينما تتطلب الاستجابة لهذه المخاطر نهجاً جديداً، أكثر اتساعاً، يأخذ بعين الاعتبار التحديات المترابطة، والتي تنطوي على مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من الجهات الفاعلة. إن صعود هذا التعاون متعدد الأبعاد، لإدارة القطاعات البيئية العالمية، سيكون تحدياً في السياق الدولي، غير أنه بالغ الضرورة إذا أردنا الاستجابة الشاملة على نحو كافٍ للمخاطر الهيكلية التي يفرضها تغير المناخ، وتقلبات الطقس، وأزمات المياه.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
796
آخر تعديل على السبت, 04 شباط/فبراير 2017 16:14