حياتنا وحياتهم...

حياتنا وحياتهم...

يستقبل رواد كل يوم جمعة بفيض من الفرح والسعادة والحب، ناهينا عن أن هذا اليوم هو عطلته وهذا سبب مقنع للسعادة خاصة بعد أسبوع عمل شاق ومرهق، إلا أن ما يميز يوم الجمعة الخاص برواد أعمق وأجمل أضعافاً مضاعفة من عطلة أو استراحة، فرواد يلتقي بابنته الوحيدة البالغة من العمر ثلاث سنوات في نهاية كل أسبوع، وهو على هذه الحالة منذ انفصاله عن زوجته قبل سنتين من اليوم.

ساعات عمل طويلة.. وأجر (حدث ولا حرج)

بدلاً من العمل بشهادته الجامعية (اختصاص الهندسة المدنية) يعمل رواد بأحد المطاعم (كرسون) منذ بداية حياته الجامعية قبل ست سنوات هذا العمل الذي كانت الغاية منه في حينها أن يؤمن مصروفه اليومي ومتطلبات دراسته، إلى حين تخرجه والعمل بشهادته، وانسجاماً مع ظروفه ودراسته بدأ العمل في الوردية الليلية من الساعة السادسة مساءً حتى الساعة الثالثة صباحاً أي إنه يعمل 9 ساعات بشكل يومي مقابل أجر ثابت يبلغ 450,000 ليرة فقط لا غير خاصة وأن هذه المهنة مرتبطة بالمداخيل الأخرى (بقشيش الزبائن) وهذه المداخيل تدخل بحسابات صاحب العمل أثناء تحديده لأجر العامل، المهم أن دخل رواد الشهري لا يتجاوز 700,000 ليرة بالحد الأقصى.

حجم المسؤوليات مقابل مقدار الدخل

يقول رواد (شو بدي قلك لحتى قلك، عد على إيدك، أجار بيتنا 500,000 ليرة، مصروف بيتنا مع كل التقنين يلي عاملو بابا حوالي مليون ليرة وأقل من هيك مستحيل نقدر نعيش، أدوية لأهلي، لسا ما قلتلك مواصلات واتصالات وإزا اضطرينا لشي حالة طارئة خالص منوقف لا حول لنا ولا قوة ومنستنى رحمة الله، ما في غير أنا وأبي بالبيت عم نشتغل، هو موظف بالدولة وراتبو يعني حرام نقول عنه راتب، وإخواتي مسافرين ويا بيبعتولنا كل شهر يا لأ، يلي فيهم مكفيهم، ع أساس يلي بيسافر كأنو خلص نفد واستقر).

الأشد قهراً

يكمل رواد (أحياناً مجبر بقصر ببند معين من بنود المصاريف يلي عديتلك ياها، وبواسي حالي إنو الحياة صعبة والرواتب معدومة، بس بموت من القهر، شعور العجز والعوز يلي بشعر فيه وقت فكر بحياة بنتي هو شعور قاتل، اتخيل أنا ببعتلها مصروف بالأسبوع 50,000 ليرة مستوعب معي الرقم؟ خمسين ألف شو بدهن يعملو؟ شو ممكن قدملها لهي البنت بهيك رقم تافه؟ ما بجيب كنزة، ما بجيب بيجاما نوم، البنت عم تكبر يومياً ومصروفها عم يزيد يوم ورا يوم. يا زلمة بشتهي آخدها شي مشوار، بشتهي آخدها ع الملاهي، اشتريلا شي لعبة، اعمل أي شي، بس مو طالع بإيدي شي، هاد الرقم التافه يلي عم أعطيها اياه هو تقريباً تلت راتبي.

ويلي بيقهر أكتر شوف ابن صاحب المطعم، أنا واثق إنو مصروف هاد الولد الأسبوعي يعادل بدون مبالغة مصروف بيتنا لشهرين تلاتة، مو حسد ولا ديقة عين أبداً الله يهنيه، بس الفرق بين حياة بنتي وحياة هاد الطفل بيقهر. من حقي أمّن لبنتي طفولة سليمة، مو عدل أبداً إزا بدي أشتريلا تياب تكون المفاضلة بين تيابها أو أدوية أمي، ظلم وقت فكرة إنو تطلع هي البنت شي مشوار رح تخليني مكسور لنهاية الشهر، قسماً بالله بدون مبالغة ما بشتريلا تياب جديدة إلا كل عيد، غير هيك كل التياب يلي بتلبسا قديمة وشاحدها من رفقاتي، وعماتي وخالاتي.

شيء واحد جميل ولا يوجد غيره

ينهي رواد كلامه بما يلي (بس مقابل كل هاد البؤس ومقابل كل الإرهاق الجسدي والرعب النفسي يلي حكيتلك ياه، مافيني أوصفلك فرحتي وسعادتي وجمال حياتي وروعة مشاعري وقت يجي يوم الجمعة وروح شوف (ريم) ما بتتخيل قديش بيلبقلها هاد الاسم ولو بصير عمرها مية سنة رح تضل بعيني الغزال الصغير (معنى اسم ريم). هاد الروتين الجميل الوحيد يلي بعيشه، بعيداً عن قرف الشغل وروتينه، بحس رب العالمين بعتلي هالبنت لشوفها نهاية كل أسبوع لارتاح من تعب وقهر الأسبوع الماضي واستقبل الأسبوع القادم بإرادة وعزيمة وشغف، وعلى فكرة اللقاء الجاية بالأسبوع القادم هو اللقاء رقم 103، هي اللقاءات هي الشي الوحيد يلي خلاني استمر لهاد الوقت ويلي رح يخليني أستمر طول العمر).

الخلاصة

لا يكفي أن يتنفس الفقير ويأكل ويشرب وينام الليل ويصحو في النهار، حتى يقال عن هذا الشيء الذي يعيشه (حياة) وذلك عند مقارنة أيامه البائسة مع حياة ذوي الثراء الفاحش من بزخ وترف ورفاهية. خاصة وأن زيادة ثراء الأثرياء يعني بالضرورة مراكمة ومضاعفة بؤس الفقراء وقتل أحلامهم وسحق مشاعرهم ومسخها.

تشوّه حياة رواد وأبناء الطبقة العاملة مجملهم هي نتاج لتشوه السياسات الليبرالية المتوحشة التي انتهجتها الحكومة، والإصرار على هذه السياسات يعني ضمناً الاستمرار بقتل أصحاب الأجور وتدميرهم، يعني بالضرورة القضاء على ما تبقى من إنسانية العمال ومشاعرهم ونفوسهم الكريمة، من أجل أصحاب الأرباح، أصحاب النفوس الدنيئة، تلك القلة القليلة التي تتنعم بثروات البلاد ومقدراتها مضحية بالبلاد وشعبها ووجودها ودورها وكياناها، في سبيل الإصرار على بطشها وظلمها ومراكمة ثرواتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1130
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:40