عمال صحنايا: ما رأيكم بالتنظيم العمالي؟
إلياس زيتون إلياس زيتون

عمال صحنايا: ما رأيكم بالتنظيم العمالي؟

من الطبيعي أن تختلف وسائل التواصل وأدوات العمل النقابي مع اختلاف الشرائح العمالية ومواقع عملهم وتصنيفهم على لوائح العمل، فطريقة العمل التقليدية مع عمال قطاع الدولة لا تتناسب مع عمال القطاع الخاص، ولن تعطي نتائج عملية وملموسة، وحتى ضمن عمال القطاع الخاص نفسه تحتاج المنظمة لرؤية خاصة لكل شريحة على حدة، مع الحفاظ على الرؤية العامة التي تشمل الطبقة العاملة.

يعتبر الريف الجنوبي للعاصمة دمشق بمدنه ومناطقه الكثيرة كمدينتي صحنايا والكسوة تجمعاً صناعياً أساساً، كونه موطناً لمئات المنشآت الصناعية المتوسطة والكبرى، وبالتالي فهي تضم عشرات الآلاف من العاملين والعاملات بتجمعات كبيرة لا تقل عن خمسين عاملاً في المنشأة الواحدة، وهو الحد الأدنى المطلوب لتشكيل لجنة نقابية خاصة بالتجمع، في حين تصل أعداد العاملين في الكثير من المنشآت لألفٍ وأكثر، وتضم المعامل مختلف الصناعات الوطنية، وعلى رأسها النسيجية والغذائية والمعدنية والصناعات الكيماوية والدوائية، وينقسم العمال إلى شريحتين الأولى: شريحة العمال المنظمين الذين يشتغلون وفق قانون العمل رقم 17 المعني بالقطاع الخاص، وهؤلاء أيضاً يندرجون ضمن قائمتين: قائمة المسجلين بالتأمينات الاجتماعية والنقابات، والأخرى: خارج المظلتين أو إحداهما، وأما الشريحة الأخرى، فهي شريحة العمال غير المنظمين الذين لا يندرجون تحت أي قانون عمل ينظم العلاقة بينهم وبين أرباب العمل، وبالتالي غير مشمولين تحت المظلة التأمينية أو النقابية، ومن هنا لا بدّ من التعاطي بالكثير من الموضوعية والجدية والخصوصية حين التوجه للتجمعات العمالية الكبرى ووضع برنامج عمل يهدف للمضي قدماً بتمثيل عمال القطاع الخاص والدفاع عن حقوقهم الكاملة، ورفع وزن التنظيم النقابي في معاركه الطبقية.
بين سندان الوصاية
ومطرقة الإدارة
قصدنا منطقة المعامل في صحنايا محاولين الاطّلاع عن قرب على علاقة العاملين هناك بالنقابات ومدى تصورهم لها، مدركين أهمية هذا الاستطلاع المباشر، فالحوار مع العمال يجعل الصورة أكمل وأوضح وتظهر تلك الجوانب المخفية عن المكاتب وأروقة المباني النقابية، تحدثنا مع وائل، وهو أحد العمال الفنيين في معمل أدوية، حيث معظم عمال المعمل مسجلين في التأمينات الاجتماعية ونقابة الصناعات الكيماوية، أجابنا باسترسال موضحاً أهمية وعي العمال لمصالحهم، وضرورة وجودهم في التنظيم النقابي، وبأن اللجنة النقابية في معمله تحاول جاهدة الارتقاء بعملها لمستوى مطالب العمال، وتحدث عن المعيقات العديدة، وعلى رأسها: عدم استقلالية عمل اللجنة عن رب الإدارة من جهة، وعن النقابة من جهة أخرى، وبأنه يمكن التمتع بالمزيد من استقلالية العمل في حال تعديل قانون التنظيم النقابي، وإعطاء صلاحيات أكثر للجنة النقابية، وكذلك ضمان حرية اختيار اللجنة للعمال حصراً دون تدخل رب العمل أو توصيات النقابة، ففي الوضع الحالي كما يقول وائل: لا يمكن الوصول لنتائج كبيرة وإنجازات مهمة كزيادة الأجور كون الحركة النقابية بوزنها وبرنامجها الحالي غير قادرة على مواجهة الحكومة وأرباب العمل، وبأن إنجازات اللجان النقابية لا تتعدى في أحسن الظروف تحسين بعض شروط العمل، وزيادة إجراءات الصحة والسلامة المهنية، ومدّ يد العون للعمال عبر صناديق المساعدة الاجتماعية وصندوق التكافل الاجتماعي، ورغم ذلك أبدى تفاؤله في المرحلة القادمة بناءً على ارتفاع الوعي الطبقي للعمال من جهة، ولإمكانية استعادة الدور الطبيعي للمنظمة.
الإضرابات العمالية
نماذج مبشرة
بدورها بشرى وهي عاملة في أحد معامل (الشيبس) أكدت قناعاتها بضرورة وجود العمال ضمن النقابات، ولكنها تجهل الآلية اللازمة لذلك، ولا تعلم هل تنتظر النقابات أم عليها الذهاب إليها، أم سعيد من المنشأة نفسها أعربت عن استعدادها للانتساب للنقابات إن كان هذا في صالح تحسين مستوى معيشتها، وضمان حقوقها، فهي كعاملة إنتاج ترى نفسها بأنها مسحوقة تماماً من حيث ساعات العمل الطويلة والشاقة، والأجر الضعيف غير المنطقي بالنسبة لتكاليف المعيشة، وأضافت: إن الكتلة الصناعية مليئة بمعامل المنتجات الغذائية، ومن أشهر الماركات الوطنية، ولديها العديد من القريبات والأقارب يعملون فيها، وهي تستغرب عدم وجود أحد من معارفها في نقابات العمال، وسألت سؤالاً توقفنا عنده بشكل جدِّي: لماذا لا نرى مركزاً نقابياً هنا؟ أما أبو مجد، وهو عامل في معمل سكب قوالب معدنية، فقد حدثنا عن الظلم الكبير الذي يقع على العمال، وبأنه آن الأوان للنقابات لكي تأخذ دوراً كبيراً من أجل ذلك، فالوضع لم يعد يُحتَمل، وأخبرنا أن ما يفعله العمال في إحدى منشآت السيراميك القريبة من موقع عمله من إضرابات بمساعدة النقابة مدعاة مفخرة، وبأن هذا النموذج لا بدّ أن يعمم على المعامل كافة كون هذا التحرك يعطي نتائج مباشرة وحقيقية، وأضاف: علينا أن نكون بالنقابات فذلك لمصلحتنا.
إن الجولات التي قمنا بها لرصد ما أمكن من واقع عمال القطاع الخاص بشرائحه ومواقعه المختلفة، أكدت جوانب عديدة ليست خافية على التنظيم النقابي، والأطراف المهتمة بشأن الطبقة العاملة وحركتها النقابية، كما أنها أوضحت جوانب أخرى بقيت غائبة عن الكثيرين، وهذا ما يجعلنا نفرد في مواد لاحقة خلاصة اللقاءات والنتائج التي توصلنا لها كي تكون بمتناول المنظمة النقابية بشكل عام، ونقابات دمشق بشكل خاص، لما فيها من خير للطبقة العاملة والحركة النقابية.