أمام العمال خيارين
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

أمام العمال خيارين

في حكومة تمثل مصلحة أرباب العمل، وأمام توزيع ظالم للثروة والدخل الوطني، حيث يحصل أصحاب الربح على 87% من الثروة، مقابل  13% لأصحاب الأجر، الذين باتوا لا يملكون شيئاً بتاتاً، بل وأصبحوا أقل مرتبة من العبيد في القرون الوسطى بسبب  تدهور مستوى معيشتهم ووصولهم إلى حافة الجوع، بمستوى معيشة حسب أسعار السلع وصل إلى 317 ألف ليرة شهرياً لا يتقاضون منها سوى 34 آلف ليرة كوسطي أجور، لا تسد رمقهم سوى لأسبوع واحد فقط، ومع ذلك ما زال يطلب منهم تسديد فاتورة الفساد وشد الأحزمة على بطونهم، ودفع فاتورة الحرب من أولادهم وأرزاقهم ومنازلهم، والاستدانة من مؤسساتهم، وتبديد أموالها وإيصالها إلى حافة الإفلاس كمؤسسة التأمينات الاجتماعية.

 

 

وفي المقلب الآخر هناك من تعقد له المعارض والمؤتمرات والمناقصات، ويعطى القروض من خزائن الدولة ليهربه إلى الخارج، ويؤمن له القطع الأجنبي ليمرر تجارته وبضاعته، ويعفى من الضرائب وترفع أسعاره كل ما طلب ذلك ، وتسن له قوانين تحافظ له على نسب ربحه وتزيدها ، وتنشأ له  كيانات وتدمج مؤسسات حكومية حسب طلبه ، والحرب ومآسيها لا تعنيه سوى أنها تعتبر مصدر رزق له، وفرصةً لتمرير بعض القوانين التي تؤمن مصالحه وغير مطلوب منه التقشف، بل العكس من ذلك تنشأ له المصانع التي تكمل له بريستيجه كمعامل العطورات مثلاً، وكأنّ البلاد في حالة سلام وازدهار!

وفي الوقت نفسه تغلق الطرق والوسائل والأدوات جميعها التي تكفل لأصحاب الأجر التعبير عن آلامهم و الدفاع عن حقوقهم وتأمين مصالحهم بدءاً من قانون عمل يسلبهم حقوقهم الدستورية في العدالة الاجتماعية وحق حماية قوة العمل، وحقهم في الإضراب كوسيلة حضارية سلمية للمطالبة بحقوقهم إلى إغلاق أبواب القضاء بوجههم ليمتنع العمال من اللجوء إليه بسبب التعقيدات والتكاليف التي سيتحملها العمال جراء تلك التعقيدات، التي يسببها شكل ومضمون سير التقاضي الذي قد يستمر لسنوات في الكثير من الحالات ويمكن اعتبار تشكيل المحاكم العمالية وبقائها على وضعها الحالي، تكون قد أخرّت بمصالح العمال وتتسبب بتسريح الكثير من العمال من أعمالهم لأسباب لا مجال لذكرها هنا، وتأمين المشروعية  لقرارات أرباب العمل، عبر تبنيها وإصدارها كأحكام قضائية!

عدا ذلك تتم شرعنة  التفريط بالقطاع العام، من خلال طرح أجزاء منه في سوق البيع عبر «قانون التشاركية»، والتفريط بعماله من خلال الضغط والتضييق عليهم ((لتطفيشهم))  ومن خلال  ما يسمى بقانون التشاركية، ومن  ثم تجري محاولات عديدة لتفريق العمال وتشتيت نضالهم، عبر تقسيمهم قانونياً وتنظيمياً وتحويل منظماتهم النقابية إلى مجرد وسيط بينهم وبين أرباب العمل، في أحسن الأحوال.

أمام هذه الحالة التي وصل إليها العمال في سورية، وأمام تضييق الخناق عليهم ، ما هي الخيارات التي سيلجأ إليها العمال؟ فهم باتوا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما  الموت جوعاً بسبب شراسة أرباب العمل ونهبهم وتحول الحكومة إلى مجرد سمسار يسهل  لهم نهبهم ، وإما الوقوف بوجه أرباب العمل متمسكينٍ بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور لفرض خياراتهم وشروطهم بدءا من إعادة توزيع الثروة بشكل عادل وتحسين مستوى المعيشة، إلى المطالبة بإلغاء القوانين التي تسلبهم حقوقهم وتغييرها.وسن قوانين عمل تعمل على إعادة التوازن لعلاقات العمل، وبما يؤمن مصالح أطراف العملية الإنتاجية جميعها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
806