المحاكم العمالية
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

المحاكم العمالية

صدر قانون العمل رقم 17 عام 2010 لتنظيم علاقة العمل بين رب العمل والعامل, وقد نص في المادة 205 منه على التشكيل الخاص للمحاكم العمالية للحكم في منازعات العمل الفردية الناتجة عن عقد العمل, وقد نصت المادة المذكورة على تشكيل المحاكم العمالية من قاضٍ بدائي رئيساً،   وعضوية مندوب عن العمال ومندوب عن أرباب العمل من غرفة الصناعة والتجارة والسياحة, ومع أن المحكمة العمالية تأخذ صفة القضاء المستعجل، إلّا أن القضايا فيها تأخذ سنوات، كأية قضية مدنية أو تجارية وربما دون حل أيضاً, وحيث من المفترض أن تكون هذه المحكمة وسيلةً لحفظ حقوق العامل إلا أن التطبيق العملي أثبت العكس من ذلك تماماً فالمحكمة العمالية باتت وسيلةً لسلب حقوق العمال، وأسلوباً لتمييع حقوقهم العمال وضياعها، وذلك لأسباب عدة منها: ما يعود إلى طريقة عمل المحكمة نفسها، والعقبات التي تواجهها، ومنها ما يتعلق بقانون العمل رقم 17 نفسه.

 

تعطيل عمل المحكمة

ظلت المادة 205 من قانون العمل معطلةً وبقيت المحكمة العمالية حبراً على ورق، ولم تعقد أية جلسة منذ عام 2010 وحتى عام 2013 بسبب تغيب مندوب أرباب العمل عن حضور الجلسات، حيث كانت تؤجل القضايا كلها بسبب عدم انعقاد هيئة المحكمة، وفي عام 2013 صدر القانون رقم 64 الناظم لعمل المحكمة والذي أدى إلى إقلاع المحكمة وبدئها بممارسة أعمالها، إلا أن تراكم آلاف القضايا أمامها منذ سنوات، وعدم وجود مستلزمات العمل داخل المحكمة كحواسب وآلة لنسخ القرارات، أدى إلى بطء في إجراءات التقاضي  ،وعادت المحكمة لتتوقف بسبب انتهاء عقد مندوب أرباب العمل، وعدم تعيين بديل عنه لغاية 21/7/2016.

تراكم القضايا دون حلها!

 كما أنه من بين أهم الأسباب التي أدت الى تراكم القضايا أمام المحكمة، وتأخر البت فيها يعود إلى نقص الكادر القضائي، واقتصار إنشاء محكمة عمالية واحدة لكل محافظة فقط ، فمحكمة بداية العمل في دمشق مثلاً يوجد أمامها 1509 قضية، ولم تحكم سوى بمئة دعوى خلال عام، ومحكمة ريف دمشق أمامها آلاف القضايا فلو افترضنا جدلاً أن القاضي سيدرس ويحكم قضية واحدة يومياً فهذا يعني أنه سيحكم ب 260 قضية سنويا فقط! (مع حساب أيام العطل الرسمية) فكم سنة ستحتاج المحكمة للبت بالدعاوى المتراكمة أمامها، ماعدا القضايا المستجدة طبعاً.

الحل يكون  بإعادة النظر بالمادة /205/ من القانون نفسه، وإعادة الاختصاص للقضايا العمالية إلى محكمة الصلح في كافة المناطق والمدن والنواحي مما يوسع دائــرة التقاضي ويؤمن سرعة البت بالدعاوى.

وأن  يتم إحداث غرفتين في محكمة العمل كما كان معمولاً به سابقاً تكون إحداها مختصةً بالنظر بقضايا التسريح فقط، لما لهذا النوع من القضايا من حساسية ولما تطلبه من استعجال في الفصل فيها، وغرفة أخرى تكون مختصةً للنظر ببقية القضايا.

وزارة العدل كانت قد أصدرت تعميماً منذ فترة بشأن التأخر بالبت بالقضايا، وهو الذي نص على ألّا تبقى أية قضية أكثر من 8 أشهر بين يدي القاضي ، ولكن مع أن الوزارة وضعت يدها على المشكلة، ولكن القرار بحد ذاته يحتاج إلى تفسير، فإذا كانت القضية تحتاج 8 أشهر في محكمة الدرجة الأولى، و8 أشهر أمام محكمة الاستئناف فمعناه أن أية قضية تحتاج إلى سنة ونصف حتى يبت فيها بقرار نهائي.

المحكمة تخرق القانون!

إن من المشاكل التي يتعرض لها العمال أمام المحكمة هي: مشكلة عدم تطبيق المحكمة العمالية للقوانين، ولا تدقق في حقيقة المواضيع أمامها، وقد كانت المحكمة نفسها السبب في تسريح مئات العمال من أعمالهم بمجرد تقدم أرباب عملهم بطلبات التسريح إليها، دون أن تتكلف المحكمة بتبيان صحة ما تقدم به أرباب العمل من طلبات، كما أن المحكمة لا تلزم ربّ العامل بدفع 50 % من أجر العامل لمدة سنة خلال فترة التقاضي كما ينص القانون وفي هذا مخالفة واضحة للقانون وانحياز من قبل المحكمة لأرباب العمل، وهنا لا بد من التساؤل حول دور مندوب العمال في المحكمة، الذي من المفترض به أن يكون ممثل العمال والمدافع عن حقوقهم، ويعمل على تطبيق قانون العمل.

ضرورة تأمين محامين للعمال

وبالرغم من أن المشرع قد سمح للعامل بالترافع نيابةً عن نفسه أمام المحكمة دون حاجة إلى توكيل محامٍ ولكن هذا ليس بالشيء الإيجابي بالنسبة للعامل كما يعده البعض، وليس تخفيفاً من الأعباء على العمال كما يعتقد البعض، لأن العامل لا يمتلك تلك الخبرة الكافية بالقوانين وطريقة الترافع أمام المحاكم، حتى يقف أمام القاضي ويتقدم بطلباته وبدفوعه ويرد على خصمه، فالمحامي يستطيع وضع خطة قانونية وحقوقية لتحصيل حقوق موكله، والمرافعات، فتقديم المحامي لمرافعة قد لا تتجاوز في قراءتها دقائق معدودة تحتاج إلى أيام وأسابيع لتحضيرها. ومع ذلك ففي أغلب الحالات يضطر العامل لتوكيل محام لتحصيل حقه ويقع تحت رحمة تأمين نفقات المحاماة، التي قد لا يستطيع تحملها، ومن هنا كان واجب الاتحاد العام لنقابات العمال، أن يقوم بالتعاقد مع محامين، أو ينشئ مكتباً حقوقياً في مقره، تكون وظيفته الترافع عن العامل والدفاع عنه أمام المحاكم أو على الأقل يقدم المشورة القانونية لهم ، فإذا كانت الدولة تتكفل بتأمين محام للمتهمين الذين لم يوكلوا  محامياً أو لا يملكون القدرة المادية على ذلك فلماذا لا تتكفل النقابات بعمل ذلك؟

تعقيدات عمل المحكمة، وعدم تحصيلها لحقوق العمال وانحيازها لأرباب العمل، يؤدي إلى عزوف العمال عن اللجوء إليها ويوقعهم ضحية سمسرة محامي أرباب العمل الذين يلجؤون إلى مساومة العامل على حقه مقابل مبلغ مالي زهيد.

أخيراً

لا بد من التذكير أن جذر المشكلة يعود الى السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي أنتجت قانون العمل رقم 17 الذي أُصدر لمصلحة قوى رأس المال على حساب العمال وحقوقهم، فحتى لو استطاعت المحكمة القيام بعملها وتجاوزت الصعوبات، وطبقت القانون فستظل ظالمةً للعامل، لأنها معنية في النهاية بتطبيق قانون العمل السيء الذكر، والذي حرم العامل من أهم حقوقه وهو حق الإضراب كما شرع لرب العمل حق التسريح التعسفي، والتعديلات التي تتحدث عنها الحكومة اليوم لا تمس هذه المواد، بل العكس تقدم تنازلات أكثر لأرباب العمل، وتهدر حقوق العمال. 

معلومات إضافية

العدد رقم:
805