الحكومة والتفريط بالثروات
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

الحكومة والتفريط بالثروات

يلاحظ بشكل واضح، من خلال متابعة المؤتمرات النقابية التي عُقدت في دمشق، ظاهرة ارتفاع متوسط الأعمار عند العمال، وخاصة في النقابات ذات الطابع الإنتاجي، كنقابة الغزل والنسيج ونقابة المعدنية، ومتوسط أعمار أدنى في نقابات أخرى ذات طابع إداري، كالمصارف والدولة والبلديات, مما يذكرنا مرة أخرى بمقولة (هرمنا).


القطاع العام هرم بالكامل
يعاني القطاع العام من هرم وشيخوخة، ليستا على صعيد قدم خطوط الإنتاج والآلات فقط، وليس على صعيد عقلية إداراته، بل يمتد ذلك للأيدي العاملة المنتجة، التي ارتفع متوسط أعمار العمال فيها كثيراً، كون التعيين قد توقف بها، أو تراجع نسبياً في أحسن الأحوال.
لا نبالغ إذا ما قدرنا متوسط الأعمار في منشآت إنتاجية كبرى بـ 48 سنة، ما ينعكس سلباً على عملية الإنتاج، وعلى حيوية القطاع العام والاقتصاد الوطني، دون الاستهانة طبعاً بتراكم الخبرات الفنية والمهنية لدى هؤلاء العمال الكبار في السن، والذين باتوا على أبواب التقاعد.
التساؤل المشروع؛ لمن ستنقل هذه الخبرات؟، التي تعتبر ثروة وطنية، إذا لم يدخل العنصر الشاب والفتي إلى خطوط الإنتاج وخلف الآلات!.
هذا الوضع ليس بجديد، لكنه اشتد وتسارع مع تفجر الأزمة واستمرارها، نتيجة النزيف الكبير لليد العاملة الشابة من القطاعات كافة، ولأسباب عديدة باتت معروفة.
حكومتنا تكره الإنتاج
تتحدث النقابات، المعنية بهذه الظاهرة، عن هذه المشكلة في كل مناسبة. وتذكر في تقاريرها ومؤتمراتها ومراسلاتها، للجهات الحكومية، مطالبة بإقرار الملاكات العددية للمعامل والشركات كافة، ومطالبة بتثبيت العمال الموسمين أو المتعاقدين بعقود سنوية، والذين ترتفع أعمارهم يوما بعد يوم دون أن يصدر قرار تثبيتهم، وكذلك العمال المياومون.
وكالعادة الحكومة لا تستجيب لهذه المراسلات والمطالبات، مبررة هذا الرفض المقصود بحجج، أقل ما يمكن القول عنها، بأنها مكررة ولم تعد تنطلي على أحد، في حين نجد المسابقة تلو المسابقة لتعيين موظفين جدد في القطاعات الإدارية، وكأننا لسنا بحاجة إلى تفعيل الإنتاج الوطني، وتبني اقتصاد أزمة قائم على فكرة أوسع إنتاج وأكبر استيعاب للأيدي العاملة!.
كل تفريط جريمة
إن استمرار الحكومة، المستنسخة من حكومة الدردري، بالتعاطي مع هذه الظاهرة بتلك الطريقة، وبإدارة الوجه عن حاجات الإنتاج، يضعها في خانة المتهم الأول، مع أخواتها السابقات، بتدهور قطاعنا العام وهدر الثروة الوطنية، والتفريط بالاحتياطي المالي، الذي راكمه الشعب السوري عبر عقود، كونها تستخدمه، على ذمة القائل، بتزويد المستوردين بالقطع الأجنبي لتلبية حاجات السوق، بدل أن تحشد القوى كافة والإمكانيات من أجل استنفار مفاصل الإنتاج كافة، الذي يؤدي بدوره للاستغناء عن كثير من المستوردات، وليحقق شيئا آخر ذا أهمية كبرى وهو استيعاب الأيدي العاملة الشابة والخريجين، بدل أن يركبوا البحر منتشرين لأوربا وغيرها.
وعليه فإن كل تفريط بفرصة إطلاق إنتاج وطني، وكل تفريط بعامل سوري، هي تهمة لن تسقط بالتقادم أو بالهرم.