عمال الخياطة بطالة موسمية و ظروف قاسية

عمال الخياطة بطالة موسمية و ظروف قاسية

تضم صناعة الألبسة الجاهزة عشرات آلآف العمال الذين يتوزعون على منشآت ومعامل القطاع العام والخاص و مشاغل وورشات القطاع الخاص غير المنظم، ويتأثر واقع هؤلاء العمال بواقع الصناعة بحد ذاتها، كما يشتركون مع كافة الطبقة العاملة بوضعهم المعيشي المتدهور لحدود كارثية.

صناعة وطنية بأيدٍ محلية

تكتسب صناعة الألبسة الجاهزة أهمية خاصة كونها من أقدم الصناعات في سورية حيث تراكمت خبرات الصناعيين، كما تطورت الكفاءات والخبرات لعمال الخياطة، ولعل أهم خاصية تمتاز بها عن غيرها من الصناعات الأخرى بأنها الحلقة الأخيرة من سلسلة القيم المضافة التي تبدأ بزراعة القطن مرورا بالحلج والغزل انتهاء بتصنيع مختلف أنواع الألبسة الجاهزة و تتكون هذه الصناعة من القطاع العام عبر منشآته ومعامله كالمؤسسة العامة لصناعة الألبسة الجاهزة (وسيم) والقطاع الخاص المنظم الذي تنتشر معامله الكبيرة والمتوسطة بشكل خاص في ريف دمشق وحلب والقطاع الخاص غير المنظم عبر مشاغله وورشاته الصغيرة.

سياسات وقوانين.. 

والعامل أكبر الخاسرين

لم يستطع القطاع العام الحفاظ على ريادته لهذه الصناعة لأسباب كثيرة أهمها تراجع الدولة عن دورها المناط بها في بناء القطاع العام وتطويره وتعزيزه بتبنيها لسياسات، عبّر عنها بقانون الاستثمار رقم (10) تلك السياسات الاقتصادية الليبرالية التي فتحت الباب بمصراعيه لرأس المال كي يستثمر في الصناعة دون الالتفات لواقع معامل القطاع العام التي هرمت من حيث الآلات و متطلبات السوق (الموديلات ) فلم تستطع التنافس مع القطاع الخاص الذي دخل بقوته وآلاته ومرونته في فهم متطلبات السوق ناهيك عن دخول التجار المستوردين على الخط وإغراق السوق بمختلف المنتجات، وعلى رأسها الألبسة التركية والصينية التي نافست المنتج الوطني الذي لم يكن جاهزا لهكذا منافسة غير عادلة، ورغم ذلك استطاع الصناعيون في القطاع الخاص استقطاب خيرة الخبرات من القطاع العام ومن القطاع غير المنظم ليوسع في إنتاجه ويتجاوز السوق المحلية مصدرا معظم إنتاجه لغالبية الدول العربية وبعض الدول الاوروبية مركزا على معادلة الجودة الجيدة و السعر المنخفض، و التي تحققت بفعل عاملين أولهما خبرة الصناعيين والعمال و تدني أجور عمال الخياطة من كافة الاختصاصات من المصمم والمقصدار لعامل الأمبلاج حيث يحرص رب العمل على تسجيل نسبة قليلة من عماله في التأمينات الاجتماعية على أن يكون  80 – 90% منهم مسجلين وفق الحد الأدنى للأجور ويبقى القسم الآخر و الأكبر دون أي ضمانات، حيث يوقعون على استقالتهم قبل البدء في العمل وفي احسن الأحوال فانهم يشتغلون  بعقود عمل لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد المزاجي وفقا للقانون رقم (17) المعني بعمال القطاع الخاص وعلاقتهم برب العمل، هذا القانون الظالم الذي يحابي أرباب العمل ويغلبهم كطرف على العمال في الطرف الآخر.

بطالة موسمية وظروف قاسية

يخضع عمال الخياطة في القطاع غير المنظم بشكل كامل لقانون السوق (العرض والطلب على الأيدي العاملة) وهم من حيث الشكل يتقاضون أجورا أعلى من عمال القطاع المنظم، ولكن من حيث المضمون فهم ليسوا كذلك حيث أن العمل في المشاغل والورشات موسمي فحسب المتعارف عليه (فتح قصة) يقص صاحب العمل طلبية معينة لينتجها عمال الدرزة والحبكة والكوي والأمبلاج، ويؤجرون على القطعة المنتجة، وحين تنتهي الطلبية عليهم انتظار الطلبية الأخرى وفق حركة السوق بشكل عام فمنتجات هذه المشاغل والورشات هي حصرا للسوق المحلية التي لا يمكن الإعتماد على استقرارها خاصة بعد السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أتاحت للتجار تعويم الأسواق بمنتجات مستوردة بالإضافة لشروط العمل القاسية من حيث مكان العمل الذي غالبا ما يكون في قبو رطب أو بيت أرضي في عشوائيات، لا ترى الشمس والنور بالإضافة لطبيعة عملهم التي لا تجلب سوى الديسك وضعف البصر، وكذلك تعاملهم مع آلات قديمة لا تساعد في تسهيل إنجاز العمل، وأما الطامة الكبرى فهي تلك الأجور التي لا تغطي الحد الأدنى من الحاجات الضرورية للأسرة المعتمدة على أجر فمتوسط الأجر لا يتعدى 9 آلاف ليرة أسبوعيا هذا في حال لم يعمل أسبوعا ويتعطل أسبوعا آخر.

لا يمكن التقليل من أهمية صناعة الألبسة الجاهزة ودعمها، ولكن المهم هو تطوير القطاع العام واستنهاضه وضبط القطاع الخاص وفق قوانين تضمن حقوق العمال بالدرجة الأولى فلا أهمية لأي قطاع صناعي لا يرتكز على مصلحة منتجيه الحقيقيين هذا مالم تفعله الحكومات السابقة، والحكومة الحالية التي وجدت في استمرار الأزمة مبررا لتخليها عن واجبها اتجاه  العمال وإهمالها للقطاع العام وتغاضيها عن سلب حقوق عمال القطاع الخاص وكأن سلوكها في رفع الدعم عن الأساسيات وتفقير الطبقة العاملة لم يفعل فعله وكذلك لم يعد مبررا للنقابات ابتعادها عن أداء دورها في الدفاع عن العمال ومتابعة أحوالهم في مكان عملهم.