من الأرشيف العمالي: آلية تتطلب التكسير!

بعض أحداث الأسبوعين الأخيرين أظهرت إلى السطح ملف، حديثي النعمة من بعض وجوه القطاع الرأسمالي الخاص، الذين أثروا على حساب الاستثناءات والامتيازات، التي أمنت لهم وضعاً احتكارياً في السوق التي ينادون بجعلها «حرة» وهي مقيدة فعلاً بشروطهم المفروضة على المستهلكين والمجتمع، ضد مصلحة البلاد والعباد.

لقد تبين أن دور هؤلاء في النهب والفساد كبير، ولا يقل عن دور مراكز الفساد الكبرى في جهاز الدولة، بل هو جزء مكمل له. إن تواطؤ الناهبين الكبار في جهاز الدولة وخارجه، هو الآلية الأساسية التي يجري عبرها نهب الاقتصاد الوطني في قطاعاته كلها، وهي تتطلب التكسير بالدرجة الأولى لمنع إعادة إنتاج الفساد، فالقضية لا تتوقف عند بعض رموز الفساد في جهاز الدولة وخارجه، بقدر ما تتعلق بتلك الآليات التي اصطفوها والتي تعيد إنتاجهم كل لحظة.

وإذا كان البعض يظن، عن حسن نية أحياناً، ونتيجة للموجة السائدة في العالم اليوم، أنه من الضروري أن يصنع رجاله «في اقتصاد السوق» كي يسمعوا كلمته ويدينوا له بالطاعة، بعيداً عن قوى السوق الكبرى التقليدية، ذات الارتباطات التاريخية والعضوية بالسوق العالمية فإن التجربة الماضية القصيرة، بينت أن هؤلاء الطارئين الجدد، يميلون إلى التحليق خارج السرب، والانفراد بقراراتهم الاقتصادية والسياسية بقدر سرعة نمو ثرواتهم، دون أي رادع وطني أو أخلاقي، كي يثبتوا مرة أخرى أن الرأسمال الكبير لا وطن له، وإنهم قادرون على الارتباط بأصحاب السوق العالمية بأسرع مما أعتقد الكثيرون، حفاظاً على ثرواتهم الجديدة ومصالحهم الضيقة، وهم بذلك يتحولون شأنهم -شأن مراكز الفساد الكبرى- إلى نقاط اختراق سهلة للعدو الأمريكي الصهيوني، الذي يحشد كل قواه اليوم من أجل إخضاع سورية بالضغط من الخارج والداخل. وحين قلنا «إن الذي يملك يحكم وإن الذي لا يملك لا يحكم» إنما كنا نقصد أن تحويل الملكية إلى هؤلاء –لو جزئياً- لن يضمن استمرار استقلال القرار الوطني ولن يعزز شروط المواجهة الوطنية، ولن يدعم الجبهة الداخلية، بل سيضعف الوحدة الوطنية وسيعمق التفاوت الاجتماعي، الذي سيتحول إلى صدع أساسي تهتز له أركان المجتمع، الأمر الذي سيكون فقط، في مصلحة من لا ينون الخير لبلادنا، لأنهم حينذاك، وحين يصبحون المالكين الحقيقين الأساسيين سيستطيعون إخضاع جهاز الدولة لمشيئتهم السياسية والاقتصادية.... 

إن التواطؤ بين حديثي النعمة، ومن سبقهم من مراكز الفساد الكبر واضح للعيان، ولا خيار أمام البلاد، للحفاظ على استقلالها الوطني، وتعزيز جبهتها الداخلية، إلا إيقاف تدفق الثروات إلى أيديهم، وتحويلها إلى مصدر للاستثمار الحقيقي لمصلحة البلاد وإلى مورد حقيقي لتحسين معيشة المواطن، الذي ضحى وتحمل كثيراً في سبيل القضية الوطنية، وهو يستحق أن يعامل معاملة لائقة وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.

 قاسيون العدد 268 آذار 2006