تجميد وإيقاف رواتب العاملين بين النص القانوني والكيدية

تجميد وإيقاف رواتب العاملين بين النص القانوني والكيدية

أوقفت العديد من الجهات الحكومية المئات لا بل الآلاف من الموظفين عن العمل، منهم من هو مدان حسب رؤية رئاسة مجلس الوزراء، ومنهم تحت المانشيت العريض «بسبب الفساد المالي والإداري» دون تبيان ذلك على الورق أو في التحقيقات الجاريّة مع المفصولين بموجب القانون.. هذا إن تمَّت تلك التحقيقات.

 من هنا انتقدت بعض الوسائل الإعلاميّة وبعض القانونيين مخالفة الجهات الحكومية بوقف رواتب الموظفين وصرفهم من الخدمة قبل التأكد من ذلك، وهذا الأمر بدا واضحاً بالكثير من طلبات التظلم التي رفعت لأعضاء في مجلس الشعب والتي أثبتت العكس، وكشفت كيديّة التقارير التي رفعت بحق العديد منهم، والبعض الآخر مازال في الأدراج دون تحقيق أو دراسة وضع المفصول أو المحروم من راتبه الشهريّ، والأسباب الموجبة للقرار المتخذ بحقه. 
إيقاف بالجملة
بلغ عدد الموقوفين ممن لم يتسلموا رواتبهم الآلاف مع دخول الأزمة عامها الرابع، إذ زاد العدد مع تزايد حجم الأضرار والانتهاكات واستبعاد الحلول السلميّة والسياسيّة، ولا يوجد حتى عدد محدد رسميّ نهائي بسبب ورود أسماء جديدة أسبوعياً، أو حتى تقديرات أكيدة نظراً لإخفاء الأرقام الحقيقية في بعض الأحيان، وتكاد لا تخلو وزارة أو دائرة من دوائر الدولة في مختلف المحافظات إلا وأوقفت رواتب بعض موظفيها وعمالها لذات الحجة أو الفصل كلياً رغم الحاجة لجهودهم باعتبارهم من مختلف الشهادات، وهناك من مضى عليهم أشهر دون راتب كما ذكرنا في مادة سابقة عن المعلمين المعينين بموجب مسابقة الشباب في مدينتيّ الرقة والمفصولين في الحسكة، إذ أن الوزارة لم تعلن بشكل رسميّ عن أعداد من تم وقف رواتبهم فضلا عن أسباب وقفها، فيما عدا تصاريح سابقة عن توصية اللجان بتقصيّ الحقائق في الوزارة المعنيّة، وفصل كل من كان متورطاً في افتعال الأزمة واستمرارها بهذا الشكل أو ذاك.
تساؤلات وانتقادات
كما قضى عمال آخرون موقوفون عن العمل في وزارات أخرى شهرهم الثاني بلا رواتب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ما مدى قانونيّة المادة بحيث يجوز وقف الموظف عن عمله بمجرد التشكيك في أمره أو اعتماداً على تقارير كيديّة  لأسباب شخصيّة، أو بقرار من رئيس مجلس الوزراء حسب الصلاحيّات الممنوحة له قانوناً حسب المادة 137 التي ترتبط بأسباب تمسُّ النزاهة، وعندها يحرم من حقوقه التأمينيّة أيضاً؟!.
إن الإجراءات التي اتخذتها مختلف الوزارات بالاتفاق مع رئاسة مجلس الوزراء في هذا الشأن أدت إلى إثارة الكثير من التساؤلات والانتقادات من العمال والموظفين أنفسهم، والذين أكدوا أن النتائج التي تمخضت عنها خلال بحثهم وتقصّيهم لدى الوزارة عن أسباب الفصل والإيقاف تتعلق في غالبيتها بالأزمة وبالمواقف السياسية، وتقارير مرفوعة بحقهم من أناسٍ ليسوا أكثر أمانةً منهم على الوطن ومقدراته وهي ليست قانونية، مبينين أن أيَّة وزارة معنيّة لو كانت ملتزمةً بالقانون لكان لها الحق في حصر جانب الأهم في القضية وهو التحقيق مع العامل الموقوف فيما إذا كان ذلك فعلاً يتعلق بغياب الموظف ومدى التزامه بالواجبات المنوطة به وظيفياً.
شخصنة التهمة
وكان بعض العاملين الموقوفين عن العمل والمحرومين من الراتب قد أكدوا أن ما يشاع حول تشكيل لجان التحقيق بوزاراتهم، من أجل رصد المخالفات التي حصلت في دوائرهم مدعومة بالوثائق غير دقيقة وتحتاج إلى تحقيق موازٍ فيها.
ورأى الموظفون الموقوفون أن من الخطأ الفاضح أن يتم إيقاف رواتب المئات من العاملين الموقوفين عن العمل قبل التأكد من الجرم والاتهامات الموجهة لهم، وهذا يعدُّ أمراً مخالفاً لقوانين العمل الذي يضمن للعامل حقه، وصرف راتبه خلال فترة الوقف عن العمل لحين إثبات التهم. ولم يتوان البعض الآخر من المصروفين من الخدمة من الإشارة إلى أن وزاراتهم تسعى عبر هذه الإجراءات إلى النيل من العاملين لأغراض أخرى تماماً لا علاقة لها بالإطار القانونيّ لعلاقة العامل بمؤسسته أو دائرته حسب قوانين العمل النافذة. 
حلول مخفيّة
من المؤكد أننا لسنا ضد معاقبة أيّ عامل يسيء للاقتصاد الوطنيّ، عبر الوظيفة التي يشغلها، لكننا في الوقت ذاته ضد عدم صرف رواتب العمال دون وجه حق لأن ذلك يعد مخالفاً للقانون، وبإمكان أيّة وزارة القيام بالإجراءات اللازمة قبل إصدار الأحكام بحق موظفيها، حتى إن جاز ذلك للجهات المعنيّة كرئاسة مجلس الوزراء حسب الصلاحيّات الممنوحة لها، ولا مانع من وقف الموظف عن عمله إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك، لكن على أن لا تزيد على ستة أشهر، وشرط أن يتم صرف الراتب خلال فترة الوقف، وذلك وفقاً للضوابط التي تجيزها قوانين العمل، وبالرجوع إلى العديد من الأحكام التي صدرت بحق هؤلاء العاملين، فإن الإجراءات التي اتخذتها الوزارات المعنيّة سواءً بفصل العامل أو إيقاف راتبه ليست قانونية، ولا يوجد نص قانوني عماليّ واضح يشير إلى محاسبة أيّ عامل بهذه الطريقة، لذلك فإن الحق يكون محصوراً للتحقيق والمحاسبة في إطار الغياب والحضور فقط، وفي مدى التزام الموظف بتأدية الواجبات المنوطة به وظيفياً.
فهل تعيد الجهات المعنيّة النظر ببعض القرارات التي صدرت بحق هؤلاء العمال الذين لم تثبت عليهم التهم، وتعيدهم إلى العمل لتعود البسمة على وجوه من فقدوا لقمة العيش في هذه الظرف المعيشية الصعبة؟!!.