التأمين الصحيّ في ملعب ثلاث جهات.. كل ترفض بطريقتها.. والخاسر الأكبر العامل

التأمين الصحيّ في ملعب ثلاث جهات.. كل ترفض بطريقتها.. والخاسر الأكبر العامل

أوضحت التجربة بعد مرور خمس سنوات على سير العملية التأمينية الخاصة بمشروع عقد التأمين الصحيّ، أنه لم يكن سوى عنوان فضفاض فقط، لقضية مهمة تخص مئات الآلاف من العمال بأفق ضيق!!.


كان من المفترض أن تشمل عملية التأمين الصحيّ على التغطية الكاملة للأمراض الحرجة، إضافة إلى تغطية جميع العمليات الجراحيّة وترك بقية الأمور للعامل، الذي يبقى همه الأساسيّ ليس ثمن معاينة الطبيب أو التحليل الطبيّ، بل إذا ما أصيب بمرض يستطيع أن يتعالج ويدفع تكلفة علاجه، وخصوصاً الأمراض التي لا يمكن لأيّ عامل مواجهتها مادياً وصحياً. حتى التحاليل ومراجعة الطبيب أو شراء دواء الذي كان يدفعها العامل في أغلب الأحيان أصبحت تشكل عبئاً عليه في هذا الوضع الاقتصاديّ الصعب، ومصروفاً مضافاً لمصاريفه الشهريّة التي تبتلع الراتب من الأسبوع الأول من كل شهر.
 منغصات التأمين
على الرغم من أن الخدمة المقدمة من مختلف شركات التأمين الصحيّ تكون واحدة لجميع المتعاقدين، باعتبار الجهة المشرفة عليها السورية للتأمين، ومعظم الإجراءات هي ذاتها، فإن من الصعب ضبط هذه الشركات، وخاصة في الظروف الحالية القاهرة والاستثنائية التي تمر بها البلاد، والتي يمكن تسميتها مرحلة الضياع في الحقوق والواجبات، ضياعٌ لحقوق الطبقة العاملة السوريّة، وانتقاصٌ في الواجبات المقدمة، الأمر الذي عرض مشروع التأمين الصحيّ منذ تأسيسه عام 2010 لانتقادات وشكاوى كثيرة من العمال وممثليهم في الاتحاد العام لنقابات العمال، في وقتٍ كانت مطالباتهم دائماً تتجه نحو تأمين خدمة صحية نوعية بتكلفة بسيطة، لكنَّ الحظ خانهم فتحول إلى عبء عليهم، والمفاجأة أن بعض العمال من قهرهم طالبوا في أوقاتٍ سابقة بإلغائه أو إلغاء عقود تأمينهم على الأقل.
تصريح وجدل!
آخر التصريحات المثارة في قضية التأمين الصحيّ، جاءت على لسان مدير التأمين الصحيّ في وزارة الصحة «ماجد الحجي» حين قال: «إن جميع المعنيين في ملف التأمين الصحيّ دخلوا في دوامة الجدال حول قيمة القسط التأمينيّ، حيث طالبت المؤسسة العامة السورية للتأمين برفع قيمة قسط التأميني، في حين أن الاتحاد العام لنقابات العمال رفض رفع القسط التأمينيّ على حساب العمال، والحكومة من طرف ثالث رفضت أن يكون رفع القسط التأمينيّ على حسابها».
اللافت في تصريح «الحجي» كشفه للآليّة الفاشلة التي تم فيها الاتفاق على المشروع، مؤكداً «أن الجميع دخلوا دوامة السجال حول نسب الحسم والعمولات المفروضة على مقدميّ الخدمات الطبية، فالأطباء والصيادلة من مقدميّ الخدمات يرفضون نسب الحسم والعمولات الكبيرة المفروضة على أتعابهم لأيَّ جهة كانت، والمؤسسة العامة السورية للتأمين، وشركات إدارة النفقات الطبية تصرّ على نسب الحسم والعمولات المفروضة، والنقابات المهنية الطبية تصرّ على نسب الحسم والعمولات العائدة لها، ووزارة الصحة ترفض تشريع أيّ نسب حسم أو عمولات لأيَّ جهةٍ كانت ليس لها تشريع قانونيّ أو توجيه حكوميّ».
السؤال هنا: ما علاقة العامل بكل ما تم ذكره آنفاً إن كانت كل تلك الجهات وافقت في البدايّة على صيغة واحدة للمشروع؟!.
تعرفة الأجور
لم يكتف الحجي بهذا القدر من القضايا العالقة بين الجهات الثلاث، وإنما أشار أن الأطباء وأصحاب المخابر ودور الأشعة ومعامل الأدوية يطالبون وزارة الصحة برفع أجورهم لتواكب ارتفاع ثمن المواد الأوليّة، موضحاً أنه وفي حال موافقة وزارة الصحة على رفع تعرفة الأجور، ستحتجّ المؤسسة العامة السورية للتأمين على ذلك، ولها مبررها في ذلك وهو أن هذا التوجه سيدخل المؤسسة في خسارة مالية كبيرة، وإذا رفضت الوزارة رفع تعرفة أجور الأطباء وأصحاب المخابر ودور الأشعة ومعامل الأدوية سيحتجّ هؤلاء على ذلك معللين أنه سيدخلهم في خسارة مالية كبيرة، ويتم التهديد بإيقاف تقديم الخدمات التأمينية والدوائية، فأيّة جهة منها على حق يا ترى؟!.
رفض عماليّ
حين توجيه السؤال لأيَّ عامل عن مدى استفادته من عقد التأمين الصحيّ منذ تأسيسه، تكون معظم الإجابات وخاصة في المحافظات الأخرى، أنه ومنذ حصوله على بطاقة التأمين الصحيّ وبعد مرور خمس سنوات لم يستفد من أيّة خدمة طبية تذكر، ومنتقدا في الوقت ذاته الاتحاد العام لنقابات العمال لعدم قيامه بالدور المطلوب منه في إلزام الأطباء والصيادلة بتقديم الخدمات للعاملين كما في بنود العقد الموقع بين التأمين السوريّة وتلك الشركات، التي أضحت حجتها كباقي وزارات الدولة في تقديم الأسطوانة «المشلوخة» في «شبكة الأنترنيت متوقفة» أو «معظم الشركات متوقفة عن العمل بسبب وقوعها في المناطق الساخنة وبالتاليّ فقدان الأدويّة المطلوبة للمرضى» أو «عدم وجود فروع لشركات التأمين في المحافظة المعنيّة. 
الطامة الكبرى أن التأمين الصحيّ حين أقرّ كان يستهدف في مرحلته الأولى، والتي بدأت عام 2011 تشميل نحو 750 ألف موظف في القطاع الإداريّ، على أن تتبعها مرحلة ثانية بتشميل 500 ألف من متقاعديّ الدولة في القطاع العام والمنظمات الشعبية من المدنيين والعسكريين، فكانت المصيبة أننا «بلطنا» في المرحلة الأولى ولم نكمَّلها بَعدْ، والمرحلة الثانية ما تزال حلماً!!.
 السؤال الذي لابد من طرحه في النهاية هو: لماذا لم يشرح لنا مسؤولو التأمين الصحيّ مكامن الخلل في المشروع؟ ومن المسؤول عن الأخطاء المتراكمة؟ ولماذا الاستمرار فيه وعدم إلغائه، وإيجاد البديل اللائق عنه للعمال طالما يعتبر مكسباً عمالياً ونقابياً بجدارة؟!!.

آخر تعديل على الأحد, 16 تشرين2/نوفمبر 2014 10:04