العاملون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يضربون.. إن كان يهمكم أمرنا فاعتصموا معنا.. وعلموهم أن هناك أبشع من الموت ألف مرة

العاملون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يضربون.. إن كان يهمكم أمرنا فاعتصموا معنا.. وعلموهم أن هناك أبشع من الموت ألف مرة

حسب الدستور الجديد للبلاد يجب ألّا يجادل أحد في حق الموظفين والأجراء والعمال بمختلف مهنهم في الدفاع عن مكاسبهم وامتيازاتهم ومختلف حقوقهم، وممارسة جميع الحقوق المكفولة لهم في القانون في المطالبة بهذه الحقوق، لأن الإضرابات ليست ظاهرة أو ثقافة جديدة ودخيلة على مجتمعاتنا بل هي موجودة منذ القِدم.

إن منتصف القرن التاسع عشر كان بداية الاعتراف بحق الطبقة العاملة في حرية التجمع والإضراب، فقد أقرت بريطانيا للعمال حقهم بالإضراب عن العمل عام 1871م، وأقرَّته فرنسا عام 1864م وبلجيكا عام 1866م، وهكذا أصبح الإضراب العمالي في الدول الرأسمالية حقًا مشروعًا ومعترفًا به، وعلى الرغم من انتقال عدوى هذه الظاهرة إلى مجتمعاتنا فإن الحكومات العربية ما تزال ترى الإضرابات من طرف واحد وهو أنه يسيء لباقي الناس وتستفيد منه الفئة المضربة فقط.

الإضراب الذي نحن بصدد الحديث عنه له طعم ولون خاص حتى بشعاراته حيث رفع المضربون:

«إن كان يهمكم أمرنا فاعتصموا معنا.         

- أوصلوا الرسالة رسالتين.

- وصية ميت  «لا تحسبوا أنكم دفنتم جسدي فأنا بينكم أرى الصبح ينجلي».

علّموهم أن هناك أبشع من الموت ألف مرة.

أن تروا ولدي يستجدي المرة تلو المرة، وأن تباع بسوق الحرة النخاسة .

عهدي بينكم أنكم ماضون ألف ألف خطوة».

إضراب مفتوح والبادي أظلم

بهذه الشعارات بدأ العاملون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في سورية عندما أعلنوا التوقف عن العمل في جميع الأقسام والمراكز باستثناء استقبال الحالات الإسعافية التي ترد إلى مشفى فلسطين وذلك اعتباراً من 17/4/2012 كخطوة أولى نحو الاستجابة لمطالب العمال، مع الالتزام التام بالتواجد في أقسامهم.

العمال عبروا عمّا بداخلهم فالعامل «عبدالله» تحدث عن الإضراب. قال: «إضرابنا نوعي حيث تشكلت رؤية واضحة من العاملين لمطالبهم من حيث قوته، وقوة مضامينه، والأهم اهتمام الشارع والإعلام به علماً أنه قد سبقه إضرابان منذ عام 2010».

وأضاف عبد الله: «بدأ الإضراب لساعتين في يومه الأول، ومن ثم أعلن الإضراب المفتوح في اليوم التالي، وتم تقديم المطالب للإدارة حيث قوبلوا بالاستهزاء منها، لأنها ببساطة كانت تراهن وأسوة بالإضرابات السابقة،على عامل الوقت وملل الناس الوقوف، و صعوبة تأمين حاجاتهم اليومية».

وأوضح العامل: لقد شملت المطالب قضايا معيشية ونقابية تخص عمالاً مياومين غير مثبتين منذ أكثر من سبعة عشر عاما، ولغياب التقاعد المعاشي والصحي، وحرمانهم من الضمان الصحي العادل، لكن الإدارة وبعد أن لمست جدية الإضراب ردت بوعود شفهية، وذلك بزيادة الرواتب 75%، ومتحججة بأن جمعية الهلال الاحمر السوري هي اتحاد اقليمي غير مشمول بقوانين الهلال الأحمر، ولا يخضع أيضا لقوانين البلد المضيف تحت عناوين كثيرة مثل أنه لا يحق للاتحاد فتح سوى فرع واحد في أية دولة، لذلك لا يتم شملهم بقوانين الداخل، وهذا يؤدي فعليا إلى عدم حصول العاملين على حقوقهم بناء على تلك القوانين».

ضمان حماية المضربين

 بدوره «د.هيثم» رئيس لجنة الإضراب والتفاوض مع الإدارة في المشفى قال: «من أهم مقومات نجاح هذا الإضراب التزام العمال بالدوام بشكل نظامي، وتقديمنا لمطالب ذات امكانية تنفيذ قريبة لتعليق الإضراب ومنها:

- ضم جميع جداول الرواتب لجميع الكوادر والشرائح بكشف واحد.

- تثبيت المياومين من تاريخ مباشرة العمل .

- زيادة الرواتب بشكل يضمن العيش الكريم للموظفين مماثل لباقي الأقاليم.

- الضمان الصحي والاجتماعي لكل العاملين.

- اعتماد لجنة الدفاع عن حقوق العاملين في جمعية الهلال الأحمر للمراكز المضربة لحين انتخاب لجنة لكامل الجمعية تعتمد من الهيئة الإدارية والشعب.

- تشكيل لجنة للوقوف على إيرادات الضمان الصحي والإجتماعي.

- ضمان حماية المضربين من التعرض للإقصاء الإداري».

ويؤكد د. هيثم على تنفيذ جميع هذه المطالب بالإضافة إلى مطالبهم الأساسية المجدولة بناء على قوانين الجمعية والتي تشمل حسب تأكيده على:      

- النظر بموضوع الحوافز وضمها بشكل مدروس للرواتب.

- التقاعد والتأمينات الاجتماعية ضمن أطر (م.ت.ف) حصرا.

- تشكيل لجنة لمتابعة الوضع المالي الخاص في إيرادات ومصاريف المؤسسة من ذوي الخبرة والإختصاص.

- تطوير العمل الطبي و تحسين الخدمات الطبية، العمل على تفعيل المراكز غيرالمجدية.

- وضع نظام موحد لموظفي الجمعية لتحديد درجاتهم الوظيفية،  والبدلات المقررة بما يتفق مع قانون العمل الفلسطيني أو البلد المضيف.

- انتخاب ممثلين عن العاملين ليكونوا أعضاء في الهيئة الادارية للفروع، لإيصال ومتابعة مطالب العاملين عن كثب.

- التحضير لعقد اجتماع بصفة مؤتمر للفرع في سورية، وذلك وفق دستور الجمعية واللائحة الداخلية لها.

- التحضير لانعقاد المؤتمر العام بدورته العادية أو الاستثنائية.

- وأخيرا فتح باب العضوية لمن يريد الانتساب».

فساد مالي وإداري

وأوضح «د.هيثم»: أن تعنت الإدارة مستند على الفساد المالي والإداري الكبير، وقد جاءنا رد من الداخل الفلسطيني بأنه قد تم إرسال لجنة لتقف على ما يحصل، ولكنها لم تصل حتى الآن، وقد استدركت الإدارة ذلك بصرف زيادة طارئة بنسبة 30% من باب تهدئة الأوضاع.

وحول التصور أو المدى المتوقع لهذا الاضراب رد رئيس لجنة الإضراب والتفاوض مع الإدارة في المشفى بالقول: «إن استمرار الإضراب و أحد أهم المطالب هو تشكيل هيئة للدفاع عن حقوق العاملين، وفي حال تعنت الإدارة واستخدامها طرق الضغط المادي و خصوصاً بالنسبة للعمال المياومين، لدينا اقتراح مالي لتشكيل صندوق دعم مالي للمياوم من الأطباء المقتدرين ومن الاتحاد العام لأطباء فلسطين، وهناك عدد من الأطباء في المشفى تكفلوا أن يتبرعوا للصندوق، ولكن هذا حالياً مقترح فقط لوقت الحاجة مع التأكيد على عدم قبول أموال من أية جهة باستثناء تبرعات الأطباء التابعين للمؤسسة حصراً، حتى لا يتهم العمال بالعمل لمصلحة جهة معينة».

من جانبها قالت السيدة «أم كمال» العاملة في المشفى وإحدى المضربات: «أعمل منذ 32 سنة مؤخراً اكتشفت أن راتبي الأساسي لا يتجاوز 8000 ليرة سورية يضاف إليها شريحتان أخريان تندرجان تحت ما يسمى الحوافز والمساعدات، وهذا يعني أنه في حال التقاعد سيحسب الراتب التقاعدي كنسبة من راتبي الأساسي فقط».

ضرورات الإضراب

وتضيف أم كمال: «لكن الطامة الكبرى أنه لدى متابعة الموضوع بين أنه لا يوجد نظام تقاعدي ولا نظام إجازات، وهذا يعني أيضا اعتماد المعيشة على الحوافز المرتبطة بزيادة كم العمل المطلوب أو ساعاته، وباعتبار أن نظام الحوافز يعني  أنه كلما زاد مدة العمل زادت الأجور، إلا أنهم تفاجؤوا أن الحوافز أيضا بدأت تتقلص حتى وصلت 2000 ليرة سورية حاليا رغم زيادة ساعات وأيام العمل أضعافا مضاعفة».

أي أن أم كمال التي تعاني من مرض السكر والقلب وداء المفاصل والتي تعيل زوجها العاجز سوف تعمل 32 سنة أخرى لعدم وجود نظام تقاعدي في مؤسستها.

ومثال آخر العامل أبو بكر الذي يناهز من العمر سبعين عاما مازال يتوكأ على عصاه ذاهبا إلى عمله ليعيل ابنتيه، لعدم وجود النظام التقاعدي الذي يحمي شيخوخته.

وبالعودة لأم كمال التي تؤكد بأنها ليست المرة الأولى لهم وهم يواجهون هذه المشاكل تقول أم كمال: «فقد تقدمت مع عدد من زملائي بشكوى قضائية منذ أربع سنوات لمعالجة الموضوع، ولكن تم إيقاف الراتب لثلاثة شهور مع التهديد بالفصل من العمل».

وكم كانت أم كمال محقة بإجابتها حين سألناها عن ضرورات الإضراب، ولماذا؟ فأجابت: أنا أحلم... وبات هذا الحلم بالوصول لتلك المطالب بطريقة حضارية مهدداً، لأن إدارات المال البيروقراطية لا تعدم الطريقة لتحافظ على مكاسبها حتى لو وصل الأمر بهم لمحاربة هؤلاء العمال في لقمة عيشهم، إذ تم التلويح بإغلاق المشفى وإيقاف العمل فيه، والذي تردد صداه لدى العاملين ليس كونه مصدر معيشة لهؤلاء العمال الذي يتجاوز عددهم 150عاملا وأسرهم بل كمؤسسة خدمية تلبي احتياجات صحية ملحة لفئة واسعة من الناس».

بين تحقيق المطالب والوعود الخلبية

 بعد مرور أكثر من شهر على بداية الإضراب، وتحت ضغط الظروف التي تمر بها البلاد وغلاء الأسعار وضغط الحاجات اليومية لهؤلاء العمال، هذا الأمرالذي راهنت عليه الإدارة منذ البداية، قامت الإدارة بصرف الراتب الأخير دون أية زيادة وحسم أجرة أيام الإضراب باعتبار العامل غائبا عن عمله.

ولكن بالمقابل نزل سقف وعود الإدارة إلى زيادة الراتب بنسبة 21% على آخر راتب، وتثبيت المياومين القائمين على رأس عملهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، الأمر الذي وافقت عليه لجنة الإضراب والتفاوض مع الإدارة على الرغم من مرورهم بحالات مشابهة سابقة من وعود خلبية، ومن ثم عدم الوفاء بها من الإدارة، وهذا أدى بالعمال للقبول بتعليق الإضراب على مضض خوفا من الوقوع في مطب التجارب السابقة، هذا الخوف العفوي الذي يرتبط  بهم، بالإضافة إلى تفاصيل حياتنا اليومية بالخوف من فقدان الحلم.

 فلنعمل جميعنا مع العمال أصحاب الحلم والرؤية على إيجاد القوانين وتفعيلها لحماية حقوق وإنجازات الجماهير وتحقيق أحلامها، لأن الخيار الصحيح أمام الموظفين للمطالبة بحقوقهم في أحايين كثيرة لا تلبى إلا بالإضراب عن العمل كحل حقيقي ومجدٍ للمشكلات العالقة التي يتعرضون لها.