ديبلا رئيساً لتحكيم مهرجان البندقية: الموسيقى فاعلة في السينما
نديم جرجوره نديم جرجوره

ديبلا رئيساً لتحكيم مهرجان البندقية: الموسيقى فاعلة في السينما

أن يُكلَّف مؤلِّف موسيقيّ، يصنع أعمالاً خاصّة بالأفلام، رئيساً للجنة تحكيم سينـمائـي في مهرجـان دولي، فهـذا يُعـتبر بمـثابـة تـحدّ إيجـابيّ يتـيح للفنـون التقـنية الأخرى فرصة الـتقدّم خطوات إضافية على هذه الطريق، شرط أن يمتلك صانعوها لغة فنية راقيـة في صـناعة التقنـيات.

ألبرتو باربيا، مدير «مهرجان البندقية السينمائي الدولي (لا موسترا)»، اقترح اختيار المؤلّف الموسيقيّ السينمائيّ الفرنسي ألكسندر ديبلا رئيـساً للجـنة تحكيم المسابقة الرسمية الخاصّة بالدورة الـ 71 للمهرجان (27 آب ـ 6 أيلول 2014): «إنه ليس فقط أحد كبار مؤلّفي الموسيقى المعاصرة للأفلام، بل «سينيفيلياً» شغوفاً ومتحمّساً للسينما. حساسيته الفنية الرائعة والمدهشة تُضاف إلى معرفة عميقة بالسينما، بتاريخها وبلغتها أيضاً».

ربما لهذا كـلّه، وافق مجلس الإدارة على هذا الاقتـراح. ديبلا تسلّم رئاسة اللجـنة: «هـذا تكـريمٌ كبيرٌ لي ومسؤولية صعـبة أن أُصـبح رئيساً للجنة تحكيم مهرجان مرموق. السينما الإيطالية أثّرت في ذوقي الفنيّ وموسيقاي. أنا فخورٌ بأن أكون في هذا المنصب بعد عام واحد فقط على وجود برناردو بيرتولوتشي فيه».

الصحيفة اليومية الفرنسية «لو موند» اعتبرت أن اختـيار ألكسـندر ديبلا يُشكّل حدثاً «أقلّ صخباً» من فيلم الافتتاح «رجل الطير» لأليخانـدرو غونزاليث إيناريتـو، «لكنه من دون شكّ أهمّ رمزياً» لتكريـسه دور مؤلّفي موسيقى الأفلام «الذين باتوا يظهرون إعلامياً أكثر فأكثر، بعد أعوام من الغياب» (27 آب 2014). غير أن الصحيفة اليومية البلجيكية «لو سوار» (28 آب 2014) اعتبرت أن «مرّة واحدة لا تكون عُرفاً»، بينما رأت الصحيفة اليومية الفرنسية «لو كروا» (27 آب 2014) أن تسليم رئاسة لجنة التحكيم لمؤلّف موسيقيّ تزامنت مع اختـيار ثقـافي وفني وجمالي متنوّع لأفلام «منضوية في مسابقة موضوعة تحت عناوين كبيرة: الحروب والأزمة الإقتصادية والأسئلة الوجودية». أي أن المهمة صعبة، تماماً كما قال ديبلا.

معجونٌ بتلاقح ثقافي ثلاثيّ الأنماط (أب فرنسي وأم يونانية تزوّجا في الولايات المتحدة الأميركية)، يُعتبر ألكسندر ديبلا (مواليد باريس، 23 آب 1961) أحد أكثر مؤلّفي موسيقى الأفلام المنتقلين بين أشكال وأساليب سينمائية مختلفة، تبلغ أحياناً حدّ التناقض. تأثّره بـ«تيمة» الحبّ في «سبارتاكوس» (1960) لستانلي كيوبريك دفعه إلى اكتشاف معنى التأليف الموسيقي السينمائي. مرجعه الأول و«المطلق» في الموسيقى هو موزار، «لأن موسيقاه ليست أبداً مرحة ولا حزينة، بل تستحضر هذين الشعورين معاً».

منذ البداية، أراد التأليف الموسـيقيّ للسـينما «وليس لأي شيء آخر». مندفعٌ إلى الاختبار. ميّالٌ إلى الاكشتاف. ساعٍ إلى فهم العلاقة الخفية بين النصّ والموسـيقى. مقتنعٌ تماماً بأن الموسيقى قادرةٌ على أن تكون شخصيـة فاعلـة ومؤثرة في بنية الفـيلم. يرى أن هذا عائدٌ أيضاً إلى براعة المخرجين الذين يحبون الموسيقى السينمائية. يستشهد بـ«الكاتب الشـبح» (2010) لرومان بولانسكي، مُعتبراً أن لموسيقاه التي ألّفها «دوراً حاسماً». يضع بولانسكي في لائحة المخرجين عاشقي الموسيقى: «يُقدِّر الموسيقى كثيراً، لكنّه يحبّ أن تذهب إلى مسارات أخرى، وأن تمـنح طاقـة وقوة، وأن تخلق عالماً لامرئياً وتجعله يُصبح ظاهراً ومكشوفاً».

التنويع الذي حقّقه متـلائم وتنـويعات الأفلام ومضامينها. مـن «لـشدّة خفـقانه توقّف قلبي عن النبـض» (2005) لجـاك أوديار (جائزتا «الدبّ الفضّي» و«سيزار» أفضل موسيقى) إلى «غودزيلا» (2014) لغاريث إدواردز، مروراً بـ«فنـدق بودابـست الكبير» (2014) لوس أندرسن و«سيريانا» (2005) لستيفن غاغان و«كوكـو قبل شانـيل» (2009) لآن فونتـان و«30 دقيـقة بعد منتصف الليل» (2013) لكاثـرين بيغـولو، من دون تناسي «الملكة» (2006) لستيفن فريرز الذي التقاه مجدّداً في «فيلومينا» (2013)، و«خطاب ملك» (2010) لتوم هوبر.

كثيرة هي العناوين. كثيرة هي التنويعات، المتناقضة أحياناً. لكن ألكسندر ديبلا لم يعد مؤلّفاً موسيقياً في الأيام الـ 11 الخاصّة بـ«لا موسترا»، بل قائد أوركسترا مُطالَب بإيجاد «نغمة» تجمع تناقضات الأفكار والتحاليل والأمزجة الفنية، لبلوغ لحظة إعلان النتائج الرسمية.

 

المصدر: السفير