أساطير البحر الأسود
لؤي محمد لؤي محمد

أساطير البحر الأسود

صدرت الترجمة العربية لكتاب «أساطير القرم» نهاية العام الماضي 2019، و«أساطير القرم» كتاب صدر باللغة الروسية عام 1961 عن دار القرم للطباعة والنشر، واحتوى ترجمة لـ 34 حكاية أسطورية من شبه جزيرة القرم شمال البحر الأسود. كل الحكايات مجهولة المؤلف، باستثناء واحدة للأديب مكسيم غوركي، وهي حكايات نابعة من التراث الشعبي الذي تناقلته الأجيال شفاهاً لقرون عديدة.

حسب وجهة نظر الكاتب مكسيم غوركي فإن أساس الأدب يكمن في الفولكلور أي أدب الشعب، والفولكلور مادة خام كبيرة وهو مصدر ومعين للشعراء والأدباء جميعهم، فإذا فهمنا الماضي جيداً، كان نتاجنا الحالي رائعاً جداً وسنفهم آنذاك بدقة أهمية الفولكلور.

حكايات أسطورية

ككل حكايات الشرق القديم، اتسمت معظم الحكايات الـ 34 بطابع التشريق والأسلوب البسيط، ولم تخلُ من المبالغة حول أبطال الحكايات وتفاعلهم مع القوى «الخارقة» مثل السحرة والمشعوذين، وأحداثها مستمدة من مشاهد ملموسة من البيئة كالجبال والصخور والبحار والمدن والقرى والقلاع وغير ذلك.
تبلورت الأساطير تاريخياً عند العديد من الشعوب لتفسير بعض المظاهر التي تتعلق بالطبيعة والإنسان، وحسب كتاب «الموسوعة الفلسفية»، تعرف الأساطير بأنها، مجموعة حكايات ظهرت في المراحل الأولى للتاريخ، وكانت صورها الخيالية محاولات بدائية لفهم وشرح الظواهر المختلفة للطبيعة. لذلك تشكلت أغلب الأساطير من وحي الخيال، في مشاهد تتغلب على قوى الطبيعة، وتعطي تفسيراً خيالياً لكثير من ظواهرها. ولا تخلو أيضاً من الأساليب الأدبية المشوقة والحكم والدروس الفلسفية. وحسب لابيير، فإن الأسطورة عبارة عن شائعة أصبحت جزءاً من تراث الشعب الشفهي، ومن الناحية اللغوية كثيراً ما نستخدم كلمة شائعة مكان أسطورة والعكس صحيح.

المهد المخبَّأ

تشير أغلب الحكايات إلى بطولة الشعوب، ودورها النضالي ضد الغزاة والمحتلين، والتصدي لقوى الشر. ومنها حكاية «المهد المخبأ في جبل باسمان».
والمهد المخبَّأ، حكاية تصور تعلق الشعب الجبلي بإرثهم المقدَّس «المهد الذهبي»، وصمودهم في وجه الغزاة الساحليين. وشعارهم: «إن أبناء شعبنا لا يخافون أحداً، وأحرى بهم أن يسقطوا جميعاً عن بكرة أبيهم في ساحة المعركة من أن يبيعوا كرامتهم». ويرمز المهد والجبل إلى التعلُّق بأرض الوطن ومقاومة الغزاة.

الحصن الطويل

في «الحصن الطويل»، وهي حكاية روسية قديمة عكست اصطفاف الناس ضد جشع النقود، يظهر التاجر كرمز للسلطة الجائرة، ويتوحد الشعب ضده لاستعادة حقوقه المنهوبة.
أما أسطورة «الجبل ذو الهدهدين– أوبوك»، فصوَّر حالة الصراع داخل المجتمعات القديمة، عبر تقديم الصراع بين قوى الخير والشر. حيث جاءت امرأتان من بلاد سكانها بخلاء وحسودون، ورمت بهما الأقدار في قرية سكانها بسطاء بعد غرق سفينتهم قرب ساحل الجزيرة. رحب البسطاء بهما بكل سخاء، ولكنهما تجبرتا وشكلتا حاشية تنشر الرعب بين سكان القرية، للاستحواذ على مقدرات الناس الكرماء، إلى أن أطل على القرية حكيم قادم من بلاد الشرق، وتصدى للامرأتين، وأنقذ سكان القرية ومكنهم من الوقوف بوجه الشر، وبشكل «أسطوري خارق»، حيث أوعز الحكيم باختفاء المرأتين، وتحويلهما إلى طيرين «هدهدين»، وسرعان ما ارتفعت من قاع البحر صخرتان كبيرتان تشبهان السفن، في المكان الذي غرقت فيه السفينة، هاتان الصخرتان– السفينتان تذكران الناس بالأحداث المؤلمة التي واجهها سكان تلك القرية.

نافورة الدموع

نافورة الدموع، حكاية تتحدث عن الحكام المتعطشين للدماء، وكيف يحافظون على عروشهم بكل الأساليب الوحشية. فالحاكم «الخان» تخلى عن كل شيء من أجل السلطة والمجد.
وعندما تقدم هذا الحاكم في العمر، وقع في حب جارية جميلة، ولكنُّه لم يستطع أن يحظى بقلبها، وماتت الفتاة مبكراً، عندها أدرك الخان كيف يعاني القلب عندما تلمّ به المصيبة، فأصبحت حياته شاقة.
استدعى الحاكم فناناً إيرانياً ماهراً، وطلب منه أن يصنع له من الحجر عملاً يحمل الحزن على مر العصور، طلب منه أن ينحت الحجر بحيث يبكي مثلما يبكي فؤاده. فحفر الفنان على لوحٍ من الرخام بتلة زهرة واحدة، ثم أخرى. وفي وسط الزهرة نقش عيناً بشرية، تسقط منها على صدر الحجر دمعة رجل ثقيلة دون أن تتوقف على مدى السنين والأزمان.

كيكيا وأوكسانا

في حكاية «كيكيا»، تجسد تلك الفتاة ملحمة، بعد أن وضعت مصالح شعبها ووطنها فوق كل شيء، فهي التي قررت بأن تدمر الأعداء، بمن فيهم زوجها، الذي اتضحت خيانته لشعبها. وبذلك سمح رؤساء المدينة لبطلتهم بأن تختار وهي على قيد الحياة، مكاناً لدفن جنازتها داخل المدينة، وميّزوا المكان بتمثال نصفي- على هيئة صدر امرأة– من النحاس المذهب، المنقوش بعبارة ناطقة بمأثرتها البطولية الجريئة.
أما حكاية «أوكسانا»، فهي تمثل صلابة الفتاة الفاتنة التي وقعت أسيرة مربوطة اليدين، عند قبائل القرم الرُّحَّل الذين انقضوا على قريتها الآمنة، وتم بيعها إلى مدينة غريبة، لم يتمكن أحد من لمسها، ولم يذهبوا بها إلى الخان، حيث كانوا ينتظرون أن تضعف عزيمتها، كانت ثمة قوة داخلية هائلة تسندها، ولم تفقد الأمل بأن ينقذها حبيبها، الذي تمكَّن من الوصول إليها متنكراً، فأنقذها بمعجزة بطولية كبيرة، بعدها تمكنا من الهرب بعيداً عن حاشية الخان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
947
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون2/يناير 2020 11:55