القديم والجديد في الرموز الشعبية

عرفت شعوب وبلدان المنطقة خلال السنوات التسع الأخيرة 2010 – 2019 تبلور الرموز الجديدة في قلب الحركات الشعبية، وفي العديد من البلدان في المنطقة والعالم.

رموز جديدة وقديمة

يعني ظهور الرموز الجديدة في أحد جوانبه انعكاساً مباشراً لموت الرموز القديمة وولادة الرموز الجديدة، فالفضاء السياسي القديم يموت مع رموزه، والجديد يولد مع رموزه. كما يدل ذلك على حيوية الحركات الشعبية التي تبلورت رموزها باستمرار حركتها. وبلورت السنوات التسع الأخيرة العديد من الرموز المختلفة، من المعالم التي أصبحت رموزاً رئيسة للحركات الشعبية مثل دوار اللؤلؤة في البحرين، والتكتك وبناء المطعم التركي في العراق وغيره، وصولاً إلى النكتة الشعبية الساخرة والمصطلحات الجديدة وفن الشوارع والملصقات والأغاني والإعلام وغير ذلك.
بعض تلك الرموز مرحلية، أي هي رموز لمرحلة أو فترة معينة فقط، مثل محمد البوعزيزي أحد رموز الانتفاضة التونسية عام 2011، وبعضها الآخر معالم للحركات الشعبية مثل دوار اللؤلؤة في البحرين عام 2011 والمطعم التركي في بغداد العراقية عام 2019.
كما أعادت الحركة الشعبية رموزاً قديمة إلى الشارع، ووظفت التراث في موادها الإعلامية، مثل الحركة الجزائرية 2018 – 2019، حيث رفعت أعلاماً جزائرية في مقدمة التظاهرات، أعلاماً ما زالت تحمل دماء شهداء الثورة التحررية الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي 1954 -1962، الأعلام التي تناقلتها الأجيال منذ عدة عقود، وأعادتها الحركة الشعبية إلى الشوارع الجزائرية في مثال حي عن الرموز القديمة القابلة للاستمرار والحياة.

دوار اللؤلؤة

تحول دوار اللؤلؤة في مدينة المنامة البحرينية إلى واحد من أهم رموز الحركة الشعبية في البحرين عام 2011، كما يشكل الدوار مثالاً عن طريقة محاربة الأنظمة الحاكمة والعالم القديم لرموز الحركات الشعبية.
ومنعاً من تحول دوار اللؤلؤة إلى رمز دائم للحركة الشعبية، واستجابة لاستشارة الجمعية الدولية للعلاقات العامة في لندن، أزالت السلطات البحرينية هذا الدوار، وهدمت التمثال بشكل كامل عام 2011، وبني مكانه تقاطع لعدة طرقات. وهكذا جرى هدم دوار اللؤلؤة مع أنه بُني في الأصل كمجسم ليرمز لمجلس التعاون الخليجي!
يكشف لنا ذلك مثالاً عن الدور البريطاني في محاربة رموز الحركات الشعبية اليوم، محاربة الرموز بطريقة تتماثل مع ما فعله الإرهابيون بحق الرموز الشعبية والاجتماعية والثقافية في المنطقة مثل هدم تمثال محمد الفراتي في دير الزور، وهدم تماثيل إبراهيم هنانو والمعري في إدلب، وتفجير آثار تدمر والموصل القديمة، ونهب وتخريب المواقع الأثرية السورية.

التكتك والمطعم التركي

في العراق، ظهر التكتك كواحد من أهم رموز الانتفاضة العراقية في تشرين الأول عام 2019، لدرجة أصدر معتصمو ساحة التحرير في بغداد جريدتهم الخاصة التي حملت اسم «التكتك»، الجريدة التي توقع افتتاحياتها باسم «أبو التكتك». وتوزع الجريدة بين المتظاهرين في ساحة التحرير ومناطق بغداد الأخرى، وتحمل إليهم نداءات الإضراب العام وأخبار الحركة الشعبية العراقية، وأصبح (التكتك) مادة في وسائل الإعلام.
وتحول بناء المطعم التركي الضخم والمهجور إلى شيء يشبه قلعة كبيرة للمحتجين، وفي قلبه افتتحت مكتبة شهداء ساحة التحرير التي توزع الكتب على الشباب والشابات مجاناً. كما امتد تأثير هذا البناء ليصبح مادة للإعلام والملصقات وفن الشوارع، أما مدينة أم قصر جنوب العراق، حيث لا يوجد بناء بهذه الضخامة، انتقى المحتجون بناءً صغيراً مهجوراً أطلقوا عليه اسم المطعم التركي، وتجمع المعتصمون حول قلعتهم الصغيرة مثل ما يجري في بغداد من تجمع حول القلعة الكبيرة.
أما (المتحف العراقي) على موقع التواصل الاجتماعي الانستغرام، فيستخدم التراث العراقي القديم بطريقة إيجابية تحاكي الحركة الشعبية الحالية، ونشر مواداً مثل: الحرية عند السومريين، وملصق مدينة بابل القديمة التي يكون المطعم التركي أعلى حصونها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
943
آخر تعديل على الإثنين, 09 كانون1/ديسمبر 2019 12:27