الأرجنتيني أنطونيو سيغي.. كوميديا الشارع
أحمد بزّون أحمد بزّون

الأرجنتيني أنطونيو سيغي.. كوميديا الشارع

المعرض الثالث الذي نراه للفنان الأرجنتيني أنطونيو سيغي في بيروت، في غاليري "جانين ربيز" (حتى 8 شباط المقبل)، لكن هذه المرة أضاف إلى لوحات الأكريليك، التي عودنا رؤيتها، خمس منحوتات فولاذية مسطحة، ومقطوعة بخطوطية تجعلنا نقول إنه يرسم شخوصه بالفولاذ بدلاً من المادة اللونية، وإن استخدم اللون على بعض سطوحها. وإذا كانت المرة الأولى التي يعرض فيها منحوتاته في بيروت، فهو نحات أساساً نحات إلى جانب كونه رساماً، وقد درس الفنين معاً في اسبانيا وفرنسا، وعرضهما معاً في عدد كبير من معارضه الفردية.

14 لوحة معظمها من القياس الكبير، يقدم فيها حالات مختلفة من حركة الشارع المديني، هو المقيم (منذ عام 1963) في إحدى ضواحي باريس، لم يرسم شخوصاً محددين، إنما رسم معتمداً أسلوب الكاريكاتور في تحديد سمات أبطاله، وهو لم يصور المدينة بشوارع واقعية ايضاً، فالأبنية افتراضية أيضاً، ويشبه بعضها البعض الآخر، بين لوحة وأخرى، حتى لكأننا نشعر بأن اللوحات مجتمعة يمكن أن تشكل لوحة واحدة لتشابه العمارات وتشابه الوجوه، حتى أن اللوحات تبدو بلا حدود، إذ تبدو في أطرافها أجزاء من أبنية وناس كأنما هي مقتطعة من لوحة سابقة لم تكتمل.

يصور الفنان بشكل رمزي أكثر مما ينقل الواقع كما هو، أو ربما يمكننا القول إنه يفصّل كل ما في اللوحة على مقاس فكرته، التي تتضمن بشكل واضح سخرية سيغي من هذا العالم، سخريته من حركة الناس المتسارعة. فكل ناس لوحاته يسعون في الشوارع، في اتجاهات متضاربة، وفي سلوك مختلف، كأنما يسخر من أهمية تلك الحركة الصاخبة في شوارع المدينة، فهو يصور الطريق الذي يسلكه الناس لا نهاياتها أو ما تنتجه، يصور حركة واسعة ومكثفة، ويسمعنا بحركته ضجيج ناس مسرعين بين أبنية خرساء.

السخرية عنوان مشترك للوحات والمنحوتات، فهو يضع حذاء على رأس أحد شخوص منحوتاته، ويطيِّر ياقة حمراء من ثان، ويظهر من ثالث رجلين مرفوعتين، ويقدم رابعاً تغطي قبعته جسمه حتى قدميه، وخامساً لسرعته تطير قبعته المتصلة برأسه بمعدن مرن ressort. ولا يبتعد برسمه شخوص اللوحات عن الأفكار الساخرة أو الكوميدية تلك، التي يصورها بالكاريكاتورية نفسها. هذه الكاريكاتورية تصل أحياناً إلى الأبنية التي يتصاعد منها دخان يرسمه على شكل بالونات متصلة. بل إن السخرية هذه تجعله يصوّر شخصاً يختبئ خلف مبنى لكنه يظهر لأن حجمه أكبر من حجم المبنى. فلعبة المفارقات الحجمية أيضاً من ألعابه المفضلة، هو الطفل الذي بلغ الثمانين من العمر، كثيراً ما يبدو كأنه يلهو في لوحته، فيفصل شخصياته ويرسم أبنيته المتشابهة وأشجاره وسياراته بشيء من الاستمتاع، خالطاً الأزمنة أحياناً، كأنما يأتي بمشاهد من ذاكرته القديمة ليضعها في واقع حديث. فالمخيلة هي نبع المشاهد لا الواقع العيني. لذا نراه يطلق مخيلته مع ميل دائم إلى مشهدية ساخرة، لكن بعيداً عن السخرية السوداء، وبعيداً عن آلام المدينة وشجونها، وبعيداً عن هموم المجتمع ومآسيه... يقدم المشهد دائماً بشكل كوميدي بارز، ويرصد الحركة بشمولية لا تقف عند حركة الناس وحسب، إنما تذهب إلى حركة الأبنية والأشجار والسيارات والكلاب، وإذا ترقبنا كيف يرسم حركة الشخص لا نجده راصداً لحركة الأقدام للمشاة مثلاً، إنما حركة اليدين والرأس والعينين والملامح، هذا بالإضافة إلى الحركة الكاريكاتورية التي يكبّر بها الرأس أو القبعة أو العينين أو يمط رقبة ورجلاَ.

يجمع سيغي بتنوع شخوصه تنوعً الناس وصفاتهم، من خلال أولئك الذين يتحركون في الشارع، فنرى نماذج الحذِق المشغول، والمتسكع، وشخصية السارق، والمحتال، والمستقيم... لكن الفنان ينزلق بكل شخصيات نحو الكوميديا المسلية، كوميديا الشارع، الذي يحوله الفنان إلى مسرح يحرك عليه تشكيلاته بحرفة عالية لياقات تقنية وإبداع في تجسيد الفكرة.. وبسمة دائمة.

 

المصدر: السفير

آخر تعديل على الثلاثاء, 21 كانون2/يناير 2014 20:27